المعهد الديمقراطي الأمريكي أفاعيه تجوس ديارنا

المعهد الديمقراطي الأمريكي أفاعيه تجوس ديارنا

أقاموا الدنيا ولم يقعدوها وملؤها نحيبا وعويلا على تنقيح القانون الانتخابي. نصبوا سرادق العزاء في كل مكان وأعلنوا حدادا طويل الأمد حزنا وكمدا على ذبح عجلهم الدمقراطية ونسفه في أروقة البرلمان وتحت قبته. أما في الضفة المقابلة غصّت الأرجاء بالزغاريد واكتظت بالولائم تعبيرا عن فرحة عارمة بالنصر المؤزر للديمقراطية بعد أن تمكن نواب الشعب من الاطاحة بالمارقين عنها والمخالفين لقواعد لعبتها ونواميسها.

لقد تباينت المواقف والآراء حول  تنقيح القانون الانتخابي وتشتت صفوف دراويش الديمقراطية بين مؤيد ومعارض لنتيجة التصويت كل حسب مصالحه وحسب أجندات المسؤولين الكبار والتي تختلف من قوة استعمارية إلى أخرى، وأثناء كل هذا وفي ما القوم يتنازعون أيهم أحق بسدانة معبد الديمقراطية ومن هو الأجدر بحيازة رضا الكاهن الأعظم, حلّ بين ظهرانينا وفد عن المعهد الديمقراطي الوطني الأمريكي  تتقدمه رئيسته الحالية ووزيرة الخارجية الأمريكية السابقة “مادلين اولبرايت” التي وصفت موت نصف مليون من أطفال العراق نتيجة الحصار الجائر الذي فرضته بلادها على أهل العراق بالثمن المعقول والمقبول في رد على سؤال وجهه لها مقدم برامج سنة 1996 وكانت “اولبرايت” حينها تشغل منصب سفيرة الولايات الأمريكية بالأمم المتحدة والآن هي تترأس أحد أهم المنظمات غير الحكومية في أمريكا  وفي الوقت نفسه من أبرز أوكار الشر التي تحيك فيها الادارة الأمريكية مكائدها، ولم يقتصر الأمر على دخول وفد هذا المعهد سيء الذكر بلادنا بل تخطاه إلى عقد اجتماعه السنوي على أرضنا من 19- 6-2019 إلى 21 من نفس الشهر, وقد مرّ هذا الخبر مرور الكرام في جميع وسائل الإعلام واقتصرت على اذاعة خبر استقبال صاحب الهيبة “الباجي قائد السبسي” والموظف السابق في السفارة الأمريكية بتونس والرئيس الحالي للحكومة “يوسف الشاهد” لرئيسته أو في خبر آخر عابر عن مقابلة بعض نواب مجلس الشعب لأعضاء الوفد الأمريكي، وطبعا دون نسيان اظهار الافتخار بهذه الزيارة والتباهي بالمكانة التي وصلت اليها تونس والدليل اختيار مثل هذا المعهد لتدنيس أرضنا –عفوا زيارتها-.

الوجه الحقيقي للشيطان

كغيره من الهيئات والمنظمات الأمريكية بل كالديمقراطية نفسها لهذا المعهد الديمقراطي الوطني الأمريكي وجهان, وجه لا تبهر ملامحه إلّا السذج الأغبياء أو الخونة العملاء، ومن أهم هذه الملامح الخادعة، محاربة الإرهاب وازالة الاستبداد السياسي, إلى جانب توسيع دائرة الحريات والتحديث المؤسساتي مع اصلاح المنظومة التشريعية والقانونية في العالم الإسلامي ومنه العربي اما الخديعة الكبرى فهي دعم الشعوب في امتلاك حق تقرير المصير واحترام حقوق الانسان، ونحو ذلك من المصائد التي تحكم أمريكا نصبها وتمكنها من الهيمنة وبسط نفوذها على عالمنا، وقد وضع المعهد الديمقراطي الامريكي معايير وضوابط لنشر الديمقراطية للأحزاب السياسة في العالم وخاصة الاسلامي منه, وضمنها في وثيقة نهائية المسماة ب ” وثيقة المعايير الدنيا لعمل الأحزاب الديمقراطية” وذلك في بروكسال سنة 2008 ومن أهم تلك المعايير الدعم الحتمي للحقوق التي يكفلها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وتعزيز التمثيل السياسي لدى الفئات التي يرون أنها عانت من الاقصاء والتهميش كالشواذ مثلا أو أي أقلية يعتبرونها مضطهدة هذا دون نسيان حقوق المرأة حسب وجهة نظر الغرب للحياة.

وبعد الانتهاء من وضع معايير للأحزاب صرفت امريكا عبر معهدها للديمقراطية جهودها إلى وضع معايير للحركات الاسلامية وجعلتها بين خيارات لاختبار نسبة اعتدالها من تشددها ليتم قبولها في “العمل الديمقراطي واخراجها من دائرة الارهاب” وألزمتها بإقصاء كل من يرفض التعاطي مع المنضمات والهيئات كالتي على شاكلة المعهد الديمقراطي الأمريكي ولا يقبلون بتدخل الأجنبي في بلدانهم ولا يرضون عن الاسلام بوصفه نظا ونمط عيش بديلا. ومن هنا ابتدعت أمريكا اسلاما وفق منظورها وسمته الاسلام المعتدل وتكفلت منظماتها غير الحكومية وعلى رأسها المعهد الديمقراطي الوطني للترويج له. وفي هذا الصدد يقول المدير الإقليمي للمعهد المعهد الأمريكي في الشرق الأوسط “ليز كامبل”: “إن الحركات المتطرفة لا يمكن كسرها إلا عن طريق ظهور خيار وسطي أو ديمقراطي من شأنه تفتيت الاحتكار السياسي لحركات التطرف الاسلامي…” ولامتطاء ما يسمونه بالحركات الاسلامية المعتدلة سعت أمريكا إلى ايصال تلك الحركات والأحزاب المتأسلمة إلى الحكم عبر انتخابات تديرها وتسهر عليها سفاراتها ومعاهدها الديمقراطية, وقد اصدر ” ريتشارد هاس” مدير التخطيط في وزارة الخارجية الأمريكية دراسة ختمها بتوصية يدعو فيها واشنطن “إلى القبول بمعضلة الديمقراطية في وصول حزب اسلامي معدّل – معتدل إلى الحكم عبر الانتخابات…” وبمثل هذ المعايير الكاذبة والأساليب الملتوية أقامت أمريكا حربها على الإسلام تحت ذريعة محاربة الارهاب وكما ابتدعت اسلاما سمته المعتدل ابتدعت آخر وسمته المتشدد والحال أنه لا وجود لهذا ولذاك, هو فقط اسلام واحد جاء به خاتم الرسل رحمة للعالمين وهو الذي تخشاه أمريكا وأشياعها من باقي الشياطين.

حكام أذل من النعال

بات من المعلوم لدى العامة والخاصة أن كل المنظمات غير الحكومية وعلى رأسها المعهد الديمقراطي هذا هي امتداد لأجهزة الاستخبارات الأمريكية، وقد كان العالم الإسلامي بعد أحداث سبتمبر2001 المكان المحبذ والآمن للكثير من المنظمات والمعاهد الأجنبية نظرا لما يتميز به من موقع استراتيجي وما يمتلكه من ثروات نفطية ومعدنية هائلة، وما تقوم به هذه المنظمات والمعاهد كان هو العمل الرئيسي والوحيد للمخابرات كما أن أغلب الشخصيات التي كانت تعمل في وكالة الاستخبارات الأمريكية هي نفسها التي تعمل الآن في المعهدين الديمقراطي والجمهوري, وقد صرح “الان وينستاين”  الموظف في هيئة المعونة الأمريكية لواشنطن بوست وهو من أهم الشخصيات التي ساهمت في تأسيس المعهد الديمقراطي بقوله “…الكثير مما نقوم به اليوم علنا كان يتم منذ 25 سنة بشكل سري على يد المخابرات المركزية الأمريكية…”. وتحت عنوان “شبكات التدخل الأمريكي المشبوه للمؤسسة الامريكية الديمقراطية كتب “تيري ميسان” مؤلف كتاب “الخديعة الكبرى” “…إن أغلب الشخصيات التي لعبت أدوارا بارزة في عمليات “سي اي إي” السرية في العالم أصبحت شخصيات قيادية في المؤسسة الوقفية للديمقراطية والمراكز التابعة لها كالمعهد الديمقراطي الأمريكي…”.

كل هذا وحكام المسلمين يفتحون لهذه المؤسسات والمعاهد الأبواب ويوفرون لهم كل الدعم المادي واللوجستي ليتمكنوا من نفث سمومهم في راحة بال تامة ولا يعكر صفوهم أحد. هذا دون أن يتوانوا في تقديم فروض الولاء والطاعة وهذا ما قام به مؤخرا صاحب الهيبة وذارف الدموع “الباجي قائد السبسي” حين استقبل الأفعى الرقطاء “اولبرايت” وقد حرص عل طمأنتها بأنه سيعمل جاهدا على تكريس مدنية الدولة والحيلولة دون وجود ما يهدد وجود النظام الديمقراطي وأنه لن يدخر أدنى جهد في تكريس مفاهيم العلمانية, وأن يدافع بشراسة عن حرية المعتقد والحريات الشخصية أي أنه سيكون حاميا لكل ما يتنافى مع أحكام الإسلام, وقد قالها من قبل “نحن لا علاقة لنا بالقرآن” وقد ردت عليه سليلة الارهاب التحية بأحسن منها وأكدت أن المعهد الديمقراطي الوطني الأمريكي مستعد لدعم تونس على المستوى السياسي والاقتصادي. هذا طبعا على أن يكون أحذية في أقدام المسؤولين الكبار للغرب ولا نخال أن هذا المطلب عزيز على “السبسي” وسائر حكام المسلمين فهم لن يرضوا أن يكونوا في مرتبة النعال فهم أذل منها ألف مرة .

حسن نوير

CATEGORIES
TAGS
Share This