الهيمنة الاستعمارية وحكومات تصريف الأعمال

الهيمنة الاستعمارية وحكومات تصريف الأعمال

ما عاد الناس في تونس يأبهون لسقوط حكومة وتولي أخرى بعد أن ابتلوا بتسع حكومات خلال عمر الثورة الذي لم يمض منه إلا عقد واحد، ليكون حاصل المنظومة الديمقراطية، التي فرضت على الناس بالتضليل والمكر، انخفاض الناتج المحلي الإجمالي، في الثلاثي الثاني من 2020، مقارنة بنفس الفترة من السنة الماضية بنسبة 21.6 بالمائة (-21.6 بالمائة).

فتشكيلة هشام المشيشي التي مرت بتعليل، غبي، كونها نالت الأصوات ولم تنل الثقة، للتغطية على عمل عصا مايسترو إدارة اللعبة، كشفت طبيعة هذه الحكومات المتعاقبة على كراسي السلطة، سواء حزبية كانت أو تكنوقراط، كونها ليست إلا حكومات، مهام، موكولة إليها في إطار تصريف أعمال محددة, اقتضتها طبيعة الحرب الحضارية التي تشنها القوى الاستعمارية على ثورة أمة تتوق للانعتاق. وكشفت عن نذر فشلها المحتم، كسابقاتها، في إدارة الأزمات والنهوض بالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، مما أذكى حالة الرفض العام للطبقة السياسية وانعدام الثقة بها وللعجز الفاضح للنظام الديمقراطي وتشريعاته لمعالجة قضايا الناس اليومية أو تحسيسهم بالأمان والاطمئنان على غدهم.

فمن حكومة محمد الغنوشي الأولى إلى حكومة الرئيس الأولى التي ترأسها الياس الفخفاخ لم ير الناس في تونس منجزا واحدا, في جميع مناحي الحياة, الاقتصادية والاجتماعية.. يعزز الثقة بالقائمين على أمر الناس وقضاياهم، عدا تمكين دول النهب الاستعماري وقوى الشر الرأسمالية من مقدرات البلاد أمام تعويم استحقاقات الثورة والالتفاف على المطالب الشعبية وفي مقدمتها تغيير النظام وإرساء حكم الله العادل.

وفي قراءة عرضية لمختلف الحكومات المتعاقبة وأشكالها وتوقيت تشكيلها وإنهائها نلاحظ أن لكل حكومة مهمة دقيقة في الزمان وفي الملفات التي تطرقها, ما يثبت أننا أمام سيناريو مُعدّ مسبقا يحدد شكل هذه الحكومات حسب المهمة الموكولة إليها وفي التوقيت المناسب. وهو ما يفسر تتالي الحكومات وتكفل كل حكومة بتمرير قوانين بعينها و”اصلاحات” في سياقات مفبركة وحبكة متقنة، والمسؤول الكبير يعالج آثار الهزّة التي فاجأته في العام 2011.

والثابت واقعا أن المحدّد الأساسي لهذه الحكومات المتعاقبة هي أوامر -المسؤول الكبير- وما يتخذه من إجراءات تخوّل لهم، كوكلاء، التعامل مع خصوصية كل مرحلة في سياقها السياسي والاقتصادي والاجتماعي, وما يعطيه من هامش تصرف، أمام شعب ملّ الانتظار وصار يعي جانبا كبيرا من خيانات هؤلاء الساسة المرتهنين, ويترقّب التغيير الحقيقي والملموس، ومحاولة خداعه بأن الخلاص هو في القضاء على الفساد تحت حكومة “كفاءات مستقلة”, تقطع مع الحكومات الحزبية..

يجري الإيهام بأن هذه الحكومة جاءت لمواصلة مسيرة إنجاز ما مهدت له حكومات ما بعد انتخابات 2014 وخاصة حكومة الشاهد 2، في مسار ما سمّوه ب”الانفتاح والتحرير الاقتصادي” لفائدة المستثمر المحلي والأجنبي، بترسانة تشريعية وقانونية أعطت كل الضمانات للمستعمر الأجنبي، مما مكنه من الاستحواذ على المشاريع الاستراتيجية، الثروة الطاقية، والمؤسسات الربحية بما في ذلك البنوك العمومية والتي تم التنصيص عليها والتخطيط للتفريط فيها في رسائل النوايا التي توجهت بها حكومة الترويكا في سنة 2013 وحكومة الصيد في سنة 2016 إلى صندوق النقد الدولي مع ما يقع التهيئة له كالإعداد للتفريط في الشركة التونسية للكهرباء والغاز وديوان الحبوب والوكالة الوطنية للتبغ والوقيد إلى جانب البنوك العمومية الثلاثة, وغيرها…

إن تعهد الدولة التونسية بما جاء في الرسالتين الأولى والثانية والثالثة لسنة 2019، التي تم توجيهها إلى صندوق النقد الدولي مقابل الحصول على قروض منه هو محمول على حكومات يتم تشكيلها في “بيوت مظلمة” لا يعرف التونسي معايير اختيار أعضائها ولا مقاييس تعيين رئيسها، لتواصل على درب سابقاتها ما يسمى ب”الإصلاحات الكبرى والهيكلية” والتي عمقت أزمة البلاد والعباد ومكنت لليأس في نفوس الناس من إمكانية الانعتاق من واقعهم الأليم، أو في التركيز على قضية استرداد سيادته على  مصيره وأرضه.

هذا المسار “الإصلاحي” لم يتوقف إلى اليوم ولكن أخذ أشكالا متعددة في التنفيذ ليصل مع حكومتي الصيد والشاهد أسرع وتيرة لاستكمال الترسانة القانونية المنظمة لعملية تفويت الدولة في أصولها ورهن ميزانيتها للبنوك المحلية والأجنبية التي ستنصب قريبا في تونس بفضل حكومة المشيشي، مما سينذر بسحق ما تبقى من الطبقة المتوسطة وتفقير الشعب، حد الدفع نحو خصخصة التعليم والصحة والنقل…

التنادي لإنقاذ المنظومة

في مشهد هزلي مخجل, ومع أحزاب وظيفية دفع بها قانون انتخابي صيغ لترذيل العمل السياسي وللدفع إلى مراكز القيادة المتقدمة  من ليس له على ارض الواقع أثرٌ يذكر, ولا فكرة يطرحها عن الحكم أو إدارة الشأن العام، إلا مكر كبار من أطراف إقليمية ودولية للإضفاء عليهم بشئ من هالة المجد، زائفة، تجري محاولة إطالة عمر الديمقراطية في ديارنا ومخادعة الناس عن حقيقتها وأنها نقيض الظلم والاستبداد، في عمليات تلبيس فكرية متواصلة,

إلا أننا على يقين تام بأن هذه الحكومة كسابقاتها لن تعمّر طويلا نظرا لبعد الشقة بينها وبين شعب مسلم قام ثائرا وحاله يصرخ “لقد كفرنا بتشريعاتكم الفاجرة” وظلّ في حالة رفض يومي لكل ما قُدِّم له من قوالب حكم هزيل كان الغرض منها الاحتواء وحرف المطالب المنادية بالتغيير، نحو المطلبية الملتصقة بجوعات الناس وأوضاعهم المعيشية المنهكة بفعل تلك التشريعات الفاسدة.

وإن ما وصل اليه موظفو المسؤول الأوروبي من شلل على مستويات عدّة، لحريّ بأن يدفع الصادقين والمنصفين في الخضراء إلى التفكير بجدية في ضرورة تغيير النظام السياسي تغييرا جذريا والإسراع بذلك، فلا يمكن لأي حكومة أيا كان أعضاؤها أو القائمين عليها، ومهما كانت نواياهم، القيام بشيء ذي قيمة وهي مكبلة بنظام باطل جائر، وخاضعة لقرارات مستعمر ماسك بزمام الأمور ويفرض نظامه ورؤيته في تسيير البلاد في كل كبيرة وصغيرة، أن يرجو عاقل منها خيرا.

أحمد بنفتيته

CATEGORIES
TAGS
Share This