بؤس العلمانيّة في تونس, إفلاس فكريّ، وعشق للعبوديّة لا ينتهي

بؤس العلمانيّة في تونس, إفلاس فكريّ، وعشق للعبوديّة لا ينتهي

ازداد في الأيّام الأخيرة صراخ العلمانيين في تونس وعويلهم يبكون الدّولة المدنيّة ويفزّعون من الإسلام: يفزّعون من المدارس القرآنيّة التي تنتشر في تونس ومن الدعوة إلى الخلافة على منهاج النّبوّة التي تستأنف الحياة الإسلاميّة التي بدأها الرسول الأكرم صلّى الله عليه وسلّم، حيث نظّم حزب التحرير في الأيّام الأخيرة فعاليّات تدعو التّونسيين إلى التصدّي للعبث العلماني، في وقفة في قلب العاصمة تونس، وازداد الصّراخ والتفزيع خاصّة بعد النّدوة الفكريّة السياسيّة التي نظّمها الحزب في مدينة القيروان يوم الجمعة 02/06/2022، يدعو فيها أهل القيروان باعتبارها رابع أعرق المدائن الإسلاميّة التي أنشأها عقبة بن نافع وكانت لقرون طويلة عاصمة الجناح الغربي للدّولة الإسلاميّة الدّولة الأولى في العالم، نعم عقد حزب التّحرير ندوته الموجّهة خاصّة إلى أهل القيروان يذكّرهم بأصل مدينتهم وأصل الدّور الذي خُطّت لأجله والمجد التي كانت عليه، يذكّرهم الحزب بهذا المجد وهم يرون حالهم اليوم وكيف تحوّلت القيروان إلى منطقة داخليّة هامشيّة من مناطق الظلّ، لا مجد ولا عزّ ولا كرامة، ذلك لأنّ المستعمر وورثته من العلمانيين وفي إطار سعيهم إلى تغريب المجتمع وربطه بأوروبا، لم ينفكّوا يطمسون كلّ معلم للإسلام في محاولة يائسة لمحو آثار العزّ والمجد الذي يمكن أن يعود في أيّ وقت.
نعم عزّ القيروان ومجدها قائم عصيّ على الطّمس والمحو، بشرط أن يقوم أهلها ليستعيدوا بلدهم ويحرّروه من السّيطرة الأجنبيّة الغربيّة ويعيدوا مجدهم باستعادة دورهم الذي رسمه لهم ربّ العالمين في كتابه الحكيم دور القاعدة والمنطلق لتطبيق الإسلام ونشره في ربوع المنطقة بقيادة دولة ‘إسلاميّة حقيقيّة تستأنف ما بدأه الرّسول الأكرم صلّى الله عليه وسلّم وواصله الصّحابة الكرام ومن تابعهم بإحسان من أمثال عقبة ابن نافع الذي أسّس مدينة القيروان فكانت بحقّ منارة عزّ وخير طيلة قرون كثيرة.

 العلمانيّون في تونس ساءتهم دعوة الحزب وانطلقوا في حملة مسعورة ضدّ الحزب وضدّ دعوته لتكون تونس منطلقا لدولة إسلاميّة عظمى.

لماذا؟

أليسوا يتفاخرون بكونهم تقدّميين حداثيين يمجّدون حرّية الرأي والتّعبير؟ أليسوا من صدّعوا الرؤوس بإنشائيّات من قبيل أنّ العلمانيّة هي الأسلوبُ الأمثل للحكم ولتسيير الشأن العام في تونس، بما تكفله من مساحة للعيش المشترك بين جميع الناس (المواطنين) على اختلاف معتقداتهم الدينية وتوجهاتهم السياسية والفكرية، وما يحقق المساواة بينهم في الحقوق والواجبات، وما إلى ذلك من الجمل الرنانة والمصطلحات والعبارات البراقة التي تُطرب مَن يسمعها؟ 

والسّؤال هنا: أليست الدّعوة إلى تطبيق الإسلام فكرة؟ فأين حريّة الفكر التي بها يتباهون؟ أليس التّصدّي للفكر يكون بالفكر والدّليل؟ فلماذا لا يتصدّون لفكرة الخلافة والدّعوة إليها بأدلّة تُبطلها؟ أين أدلّتهم على بطلان فكرة الخلافة؟ بل أين أدلّتهم على صحّة الدّيمقراطيّة ومناسبة الدّولة المدنيّة للحياة اليوم وقدرتها على حلّ مشاكل النّاس؟ 

جرابهم خاوية من الحجج وأدمغتهم فارغة جوفاء، فانقلبوا إلى التحريض المشبوه ينادون بمنع حزب التّحرير ودعوته إلى الخلافة، ليكشفوا عن وجوههم القبيحة عن نفاقهم وتشدّقهم بمقولات حرّية الفكر والرأي تضليلا ورياء، فهم لا يُحسنون التّفكير ولا يعرفون معنى الاستدلال ومقابلة الحجّة بالحجّة، هم لا يُحسنون إلا الشّتائم وتلفيق التّهم الكيديّة، والتحريض على المنع بل السّجن والقتل لو استطاعوا ولو كانوا أغلبيّة لفعلوه كما فعله من قبل بورقيبة وبن علي.

ماذا فعلت حداثتهم ودولة الاستقلال التي يزعمون بالقيروان وأهلها؟ ألم تكن القيروان زهرة الدّنيا لعقود طويلة، فماذا فعلوا بها؟ حوّلوها مدينة هامشيّة ضعيفة، فالدّولة المدنيّة التي حكمت تونس منذ بورقيبة بل قبل ذلك، حوّلت كلّ تونس إلى مجرّد ملحق تابع لأوروبا.  أهذه الدّولة المدنيّة التي تريدونها؟ أهذه هي مدنيّة الدّولة التي تحاربوننا من أجلها؟ 

نقول للعلمانيين البؤساء، الإسلام جعل من القيروان مدينة علم وقطبا عالميّا يقصده العلماء من كامل أنحاء العالم، أمّا أنتم فجعلتم القيروان وأهلها في أسفل سافلين، حتّى تحوّلت معكم في العقود الأخيرة إلى مجرّد مدينة للمقروض والهندي (التين الشوكي). 

  العلمانيّون طلائع المستعمر

لقد نجحت ثورة الأمّة الإسلاميّة التي انطلقت من تونس في تعرية النخب العلمانية ودورها اللئيم في تونس وفي البلاد الإسلامية. ذلك أنّه عندما انطلقت الثّورة من تونس استنفرت كلّ الدّول الاستعمارية وأعلنت حالة طوارئ وسارعت بالاتّصال بالعلمانيين وحرّكتهم ليركبوا موجة الثّورة ويمنعوها من السّير نحو وجهتها: التحرّر من الاستعمار وتطبيق الإسلام.

 هذه النّخب العلمانيّة البائسة ما هي إلّا طلائع للمستعمر الحاقد على مبدأ الأمة ودينها وحضارتها. نعم لقد أجبرت الثّورة العلمانيين على مغادرة جحورهم ولعب آخر أوراق البقاء.

  وإنّ ما يبعث على التساؤل والدهشة حقيقةً هو هذه القدرة الرهيبة من العلمانيّين، على الاجتراء على دماء المسلمين والاستخفاف بهم وبما تريد الشعوبُ الإسلامية. فالعلمانيّون في بلادنا لم يتركوا طاغية دمويّا إلا ساندوه، ساندوا بورقيبة ومن بعده بن علي، وساندوا الانقلابَ في مصر، وباركوا ما ارتكبته القواتُ المصريّة من مجازر فظيعة بحق العزل المعتصمين في ميداني رابعة والنهضة وبقية أنحاء مصر، ووقفوا مساندين لجزّار الشّام بشّار الأسد وبراميله المتفجّرة لأنّ الشّعب السّوريّ المسلم أراد تطبيق الإسلام وإقامة الخلافة، فأيدوا سفكَ الدم الحرام وقتلَ المئات بل الآلاف وعموا عن تشريد الملايين. وهاهم اليوم يزداد سُعارهم ويزداد تحريضهم على شعوبهم وبخاصّة على العاملين من أجل إقامة الإسلام 

 ما يدلّ على أنّ العلمانيين في تونس وفي كلّ بلاد المسلمين أقلية منبوذة تحمل حقدًا أسود على كل ما ينبع من الموروث الإسلامي، ويدل أيضًا على ارتباطها الوثيق بصانعها الغربي، وهو ما دفع إلى أن تتولد لديهم حالة نفسيةٌ هي أقرب إلى الهيستيريا كلّما ذُكر الإسلام أو رأوا من يعمل للإسلام نظاما للحكمٍ!!.

الخلاصة: 

    لن يبذل المتتبع لتاريخ العلمانيين في تونس وفي البلاد الإسلامية، وخاصة العربية منها، كبيرَ جهد ليكتشف ارتباطهم بالاستعمار. فالعلمانيّة والعلمانيين هم من رسّخ أقدام الاستعمار في بلادنا وأطال عمره، إذ سخّروا أنفسهم مرتزقة يواصلون الحرب على الإسلام والمسلمين ويواصلون التفرقة بين المسلمين وتجزئة بلادهم لتكون دويلات هزيلة ضعيفة، فلم يخرج المستعمر إلّا بعد أن ترك صنائعه العلمانيين الذين ركبوا موجة مقاومة الاستعمار بالخديعة والمكر وتسلمت النخبةُ العلمانية العميلةُ مقاليد الحكم والتسيير، مدعومةً من طرف الأجنبي المستعمِر ومستفيدةً من وضع الشعوب الرازح تحت وطأة الجهل وغياب الوعي السياسي. فجاء هؤلاء الحكام الجدد مطبقين النظم الأجنبية الدخيلةَ في عملية تهدف إلى إحلال نظم اجتماعيةٍ واقتصادية وثقافيةٍ جديدة، بعضها يساري اشتراكي، وبعضها ليبرالي رأسمالي، فكانت كلها في جميع الأحوال تناقض العقيدةَ الإسلامية، اعتُمد في تثبيتها وترسيخها على سلطان الدولة وبطش الجند وأجهزةِ المخابرات.

  النخب العلمانيةَ في تونس تطبعت بكل طبائع المدرسة التي نهلت منها، فالشعوب الأوروبية التي أصمت آذان العالم بتغنيها بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان هي نفسها التي اقترفت أبشعَ الجرائم والمجازر خلال القرنين الماضيين، ومارست القتلَ والعنصرية والاستعباد في جميع القارات، وفي كل مكان دخلته دفعت بالسكان ليصبحوا مجرد أهالٍ (بشر من الدرجة الثانية!) محرومين من أبسط حقوق الحياة، واعتبرت نفسها طبقةً متحضرةً، ومَن دونها مجرد متوحشين متخلفين. وعلى نفس النهج سار العلمانيون العرب بعدها.

    بقيت مسألة، وهي هل سيكون لهؤلاء العلمانيين تأثير في ظل دولة الخلافة القادمة؟ وهل سيكونون حجرَ عثرة في طريق نهضة المسلمين؟ هؤلاء العلمانيّون بؤساء، شواذ هم صنيعة الاستعمار وربائبه ليسوا منّا ولسنا منهم. نبذهم الشّعب وسحب كلّ ثقته منهم، وما بقاؤهم وتسلّطهم إلا بسبب ارتباطهم بالسّفارات الأجنبيّة، ولم يبق إلا أن يقوم المسلمون في تونس ويتوحّدوا خلف قيادة منهم وهم منها ليستردّوا تونس من يد المستعمر وحينها لن نجد لهم من أثر فهم جبناء منبتّون، وفي ظلّ دولة الإسلام سينفك ارتباطهم بالأجنبي، وتنقطع حبالهم معه، ولن يجدوا نصيرا

     قال الله تعالى مخبرًا عن أمثال هؤلاء ﴿لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى…﴾ [آل عمران111]. 

أ, محمد الناصر شويخة

CATEGORIES
Share This