بالرغم من الوضع المفزع للاقتصاد التونسي، حكام تونس يستنكفون عن مشروع الخلافة
اعترف رئيس الحكومة في أول حوار له على الإذاعة الوطنية يوم الأحد 18 أكتوبر 2020 بأن الوضعية المالية العمومية صعبة جدا وبأن الحلول لا بد أن تكون من خارج الصندوق، وهو ما أكده وزير الاقتصاد والمالية ودعم الاستثمار التونسي علي الكعلي يوم الإثنين 19 أكتوبر 2020 بقوله أن الوضع الحالي في البلاد يتطلب اتخاذ قرارات لم تعرفها تونس من قبل، في ظل نسبة انكماش للاقتصاد في حدود 8 بالمئة العام الجاري ونسبة عجز في حدود 14 بالمئة في ميزانية 2020، وفي وقت تحتاج فيه الدولة إلى تعبئة مالية ضرورية لا تقل عن 11 مليار دينار في شكل قروض حسب قوله، حيث ينتظر أن يصل حجم الدين العمومي في نهاية سنة 2020 إلى 100 مليار دينار وهو رقم مرعب يعادل 90 بالمائة من الناتج الداخلي الخام تقريبا. وكان مسؤول في الحكومة صرح الجمعة 16 أكتوبر 2020 لرويترز بأن احتياجات البلاد من الاقتراض في العام المقبل تقدر بنحو 19.5 مليار دينار منها 16.5 مليار دينار قروض أجنبية وهو ما لم تجرؤ أي حكومة سابقة على اقتراضه.
المبادرة الحكومية لتعبئة الموارد
ولتعبئة الموارد المالية وسد النقص في ميزانيتي 2020 و2021، قال رئيس الحكومة بأن ذلك سيتم من خلال مواصلة الإصلاح الجبائي والاقتراض من الجهات المانحة، مؤكدا في هذا الخصوص بأن لا مناص من مراكمة علاقة الثقة مع هذه الجهات ويقصد بها المؤسسات المالية الدولية وعلى رأسها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، مع إمكانية الالتجاء للبنك المركزي لتوفير السيولة اللازمة وما يمكن أن يترتب عن ذلك من تضخم (5.6% حاليا) و تآكل في المقدرة الشرائية للناس، باعتبار أن ضخ أوراق نقدية في السوق بدون زيادة في ثروة البلاد سيؤدي بالضرورة إلى غلاء الأسعار وسرقة مدخرات الناس النقدية.
وبالرغم من تأكيد المشيشي ووزير ماليته بأن الحل لا بد أن يكون غير مسبوق ومن خارج الصندوق أي مخالف لما اعتادت عليه الحكومات السابقة إلا أن سياسة الجباية والتداين والتضخم التي يسيرا حسبها هي عين الآليات المتبعة سابقا وهي جزء من النظام الرأسمالي الذي أوصل البلاد إلى الإفلاس الغير معلن، فالإصلاح الجبائي سيؤدي إلى إثقال كاهل الشعب التونسي المسلم بالضرائب وهو جزء من أملاءات صندوق النقد الدولي اتبعها رئيس الحكومة السابق يوسف الشاهد وكانت سببا في احتجاجات جانفي 2018.
أما سياسة الاقتراض من المؤسسات المالية فهي سياسة قديمة اتبعها بورقيبة وبن علي واشتدت وتيرتها بعد الثورة، فقد درجت الحكومات المتعاقبة على إتباع سياسة التداين من المؤسسات المالية الدولية كخيار استراتيجي، حيث صرح بذلك وزير التنمية والاستثمار والتعاون الدولي السابق زياد العذاري بمجلس النواب في 28 جويلية 2018 عندما دعى النواب المشككين في الاقتراض إلى تقديم حلول غير التوجه إلى الاقتراض، وهو ما أكده في 17 جويلية 2019 رضا شلغوم وزير المالية السابق في حكومة يوسف الشاهد أثناء مصادقة مجلس النواب على قرض تم الاتفاق عليه مسبقا بقوله ” مافماش حل كان نتسلفو”، أي ليس هناك حل أمام تونس سوى الاقتراض، أما حكومة إلياس الفخفاخ فقد بدأت حكمها بعقد اتفاقا مع صندوق النّقد الدّولي ضمن “برنامج كورونا” للحصول على مبلغ يتجاوز 400 مليون دولار، وأعلنت حكومته يوم 10 أفريل 2020 على موافقة الصندوق منحها قرضا بقيمة 743 مليون دولار، وبالنسبة للحكومة الحالية فقد وقعت عدد من اتفاقيات التمويل مع الوكالة الفرنسية للتنمية بحضور مسؤولين من الطرفين وعلى رأسهم هشام المشيشي رئيس الحكومة والفرنسي جون ايف لودريان وزير الشؤون الأوروبية الخارجية. ويقدر القرض ب350 مليون أورو يقع استلامها على مدار ثلاث سنوات. والحكومة تستعد للدخول في محادثات مع صندوق النقد الدولي الذي أبدى استعدادا لإقراض تونس إذا التزمت بالإصلاحات الكبرى التي اتبعها رئيس الحكومة السابق يوسف الشاهد.
خطر القروض الأجنبية
والخطر الذي يكمن في هذه القروض هو أنها الوسيلة المعتمدة لإحكام القبضة على اقتصاديات الدول الضعيفة، فالدول الاستعمارية تفتح لك شاهية التداين حتى تتراكم الديون وتصبح مبالغ ضخمة تعجز البلاد عن تسديدها، فيبدأ تدخل الدول المقرِضة إما مباشرة أو عن طريق المؤسسات المستخدَمة في الإقراض، ويجري فرض برنامج للتصحيح الاقتصادي يتضمن شروطاً مهلِكة مثل تخفيض سعر العملة، وتقليص الإنفاق الحكومي، وخصخصة المشاريع العامة، وتعويم أسعار العديد من السلع، ورفع الرسوم على بعض المواد والخدمات مثل المحروقات والمياه والكهرباء، وفرض ضرائب جديدة، وغيرها من الإجراءات التي تجعل اقتصاد البلد والسياسة المالية فيه في قبضة الدول المقرِضة.
ويكفي في هذا الخصوص أن نرجع إلى قانون الاستثمار وقانون استقلالية البنك المركزي لنعرف حجم الكوارث التي ترتبت عما يسمى بالإصلاحات الكبرى التي فرضها صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي على حكومة الشاهد السابقة.
الإجراءات الغير مسبوقة؟؟؟
وبما أن نفس السياسة هي المتبعة في تعبئة موارد الدولة المالية، فماذا يقصد رئيس الحكومة ووزير ماليته بالإجراءات الغير مسبوقة!؟
يظهر من تصريحات رئيس الحكومة ووزير المالية أن الحكومة ستطمع في جيوب الناس لتسلبهم أموالهم وتزيدهم فقرا على فقرهم بما يسمى الإصلاح الجبائي، فبالإضافة للضرائب الغير مباشرة على الاستهلاك وضريبة الدخل التي تطال الفقراء، فإن الحكومة ستطمع في المزيد لتطال يدها أصحاب المهن الحرة حتى المساكين الذين يبيعون الخبر على الطرقات وأمام المساجد.
كما يمكن للحكومة أن تلتجئ إلى تدابير خفض الدعم التي يشترطها صندوق النقد الدولي لاستئناف المحادثات التي توقفت في شهر جويلية بسبب استقالة رئيس الحكومة الأسبق إلياس الفخفاخ، وهو إجراء صعب لأنه يواجه معارضة شعبية ومن النقابات العمالية.
كما يظهر من خلال محادثات الحكومة مع رئيس البنك المركزي أن الدولة قد تلتجئ للبنك المركزي للاقتراض (باعتباره مؤسسة مستقلة حسب قانون 2016 الذي فرضة الاتحاد الأوروبي على تونس)، فقد أعلن رئيس الحكومة أن أولوية الدولة اليوم هو إعادة الثقة وذلك بدفع مستحقاتها المالية للدائنين في الداخل من مؤسسات عمومية وغيرها التي بلغت 4 مليارات من الدينارات وهو مبلغ كبير عدى مبالغ أخرى تفوق 6 مليار دينار تحتاجها الحكومة لإعادة هيكلة بعض المؤسسات العمومية، بالنظر إلى المصاريف والنفقات التي تحتاجها للعودة إلى الصفر. فالحكومة تحتاج أكثر من 10 مليار دينار، وهو احتياج آني غير قابل للتأجيل على الأقل في الوقت الحاضر، فإذا لم تجد الدولة من يقرضها في الخارج فإنها ستلتجئ للبنك المركزي، وضخ هكذا مبلغ في السوق بدون زيادة في الثروة سيؤدي إلى تضخم غير مسبوق وانهيار للدينار أمام العملات الأجنبية.
منوال تنمية عقيم
إن السبب الأساسي للأزمة الإقتصادية في تونس اليوم هو النظام الرأسمالي الذي مكّن من خلال تشريعاته الاقتصادية من وضع اقتصاد البلاد تحت الهيمنة الغربية وأذرعتها المالية، حتى فرضت هذه الدول:
-
سياسات اقتصادية عقيمة تحت عنوان الإصلاحات الاقتصادية التي تشترطها المؤسسات المالية عند منح القروض
-
نهب ثروات البلاد ومقدراتها الاقتصادية باسم الاستثمار الخارجي