إحتجّ عدد من مزارعي البطاطا أمام مقر الاتحاد الجهوي للفلاحة والصيد البحري بجندوبة وقاموا بإلقاء كميات من الصابة على الطريق احتجاجا على غياب مسالك الترويج, وهو ما تسبب في إتلاف المحاصيل من البطاطا, وحملوا الدولة ووزارتي الفلاحة والتجارة المسؤولية ما آل إليه الوضع في ظل غياب استراتيجيا للقطاع وعلى رأسها مسالة التصرف في فائض الإنتاج ومسالك التوزيع التي حولت الصابة من نعمة إلى نقمة حسب الفلاحين.
التعليق:
الفلاح يحتجّ.. وصابة بطاطا بـ250 ألف طن مهدّدة بالتلف
في ظل غياب مسالك التوزيع وتجاهل وزارتي الفلاحة والتجارة، تتالت في السنوات الأخیرة ظاھرة إتلاف المحاصیل الزراعیة بالولایات ذات الطابع الفلاحي بعد خسائر يتكبدها الفلاحون لأسباب عديدة أهمها غياب الدولة عن تحمل مسؤولية توفير سبل الترويج… ما خلّف العدید من ردود الأفعال الساخطة على الحكومة خاصة في ظل تدھور المقدرة الشرائیة للمواطن وغلاء أسعار الخضر والغلال، وفي ھذا السیاق أطلق عدد من مزارعي البطاطا بمدینة جندوبة نداءات استغاثة على إثر تلف كمیات كبيرة من محاصيل البطاطا وخرجوا محتجين على ما اعتبروه لامبالاة السلطات جراء ما يتعرضون إليه من خسائر بعد وفرة الإنتاج وعجزھم عن تسویق وتخزین المنتوج.
ويذكر أنّ ولایة جندوبة تحتل المرتبة الأولى على مستوى إنتاج البطاطا الفصلیة والتي تكون جاھزة أواخر شھري دیسمبر وجانفي فتخزن بالمخازن بطریقة تقلیدیة على أن یتم بیعھا مع بدایة شھر مارس, إلا أن جائحة كورونا أثرت سلبا على ھذا المنتوج الذي أصبح مھددا بالإتلاف وتحمل الفلاح مصاریف ذلك خاصة وأن اغلب الفلاحین بجندوبة یعانون من مسألة المدیونیة، ومع وفرة الإنتاج فان مسالك الترویج محدودة ما جعل المنتوج مھددا بالإتلاف، خاصة وأن عمر البطاطا الفصلیة محدود فیتم بیعھا خلال شھر مارس لكن المحصول ظلّ متواجدا إلى شھر ماي.
شهد الموسم الحالي تسجيل فائض في إنتاج مادة البطاطا، فتقديرات الخبراء تشير إلى أنّ صابة البطاطا خلال ھذه الفترة ستتجاوز 250 ألف طن. ويتحدّث المسؤولون في إتّحاد الفلاحة والصيد البحري أنّهم دعوا كلّا من وزارتي التجارة والفلاحة إلى الاستعداد جیدا وتحمّل مسؤولیتھا إزاء وفرة الإنتاج حتى لا یتضرر الفلاح والبحث عن حلول لترویج الصابة ولم لا البحث عن أسواق جدیدة من شأنھا أن تكون عاملا مساعدا ومشجعا للفلاح لمزید البذل والعطاء.
وفرة الإنتاج أمام أزمة الترويج
في حقيقة الأمر أثارت الحركة الاحتجاجية التي أقدم عليها عدد من الفلاحين، من إلقاء كميات من مادة البطاطا في الطريق العام، استياء الكثيرين وقلقهم من أن تتحول نعمة وفرة الإنتاج، إلى أزمة في الترويج، لعديد المنتوجات الفلاحية. وغالب المستائين من تلك الحركة لا يعلمون أن سبب الأزمة التي أوجدت في نفوس الفلاحين قهرا ومرارة هو خذلان السلطة وعلى راسها وزارة الاشراف لأولائك الفلاحين الذين صاروا مهددين بالسجن بعد تلف محاصيلهم وعدم قدرتهم على سداد ديونهم, عدا ما ستتعرض له عائلاتهم من الجوع والحاجة لمتطلبات لقمت العيش على مدى كامل السنة.
صحيح إنّ إتلاف كمیات من البطاطا بالطریق العام في وقت یعاني منه التونسي من غلاء أسعار الخضر والغلال والمواد الاستھلاكیة أمر غير مقبول عقلا وشرعا، ولكن بحسب هؤلاء المزارعين فإنّ ما قاموا به إنّما يعكس حالة من الشعور بالضيم والغضب التي يعانون منها، في ظل تكبدهم خسائر بمئات الملايين من الدنانير وما هي إلّا حركة رمزیة لإیصال رسائل إلى الجھات المعنیة وإنقاذ الفلاح من عواقب وخیمة، وأكّدوا أنه تم جمع الكمیّات التي تم اتلافھا في الحین، مذكّرين أنّه من حق الفلاح أن یحتج إذا كان محاصرا بالمدیونیة وحتى أحیانا السجن إذا لم یف بتعھداته تجاه البنوك.
“الترخيص المسبق للتصدير” في قفص الإتّهام
طالب رئيس الإتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري, السيد عبد المجيد الزّار, بإلغاء الترخيص المسبق للتصدير، من أجل توجيه فوائض الإنتاج نحو الأسواق الخارجية، وأفاد في تصريح لوكالة تونس إفريقيا للأنباء أن الموسم الحالي كما يشهد تسجيل فائض في الإنتاج في مادة البطاطا 250 ألف طن, يشهد كذلك فوائض في مادتي الدقلة والدجاج والغلال الموسمية، داعيا إلى السماح للفلاحين بتوجيه جزء هام من منتوجاتهم نحو التصدير كي لا يتعرضوا إلى خسائر مالية فادحة, وكشف أن المنظمة الفلاحية تتلقى شكاوى من منتجي الدقلة ومنتجي الدواجن، ممن تضررت أنشطتهم، بفعل نقص الطلب المحلي، معتبرا أن “الحل الوحيد لأزمة وفرة المعروض الفلاحي، يتمثل في استثمار فرص التصدير” .
وانتقد الزّار اشتراط الحصول على الترخيص المسبق للتصدير، من طرف وزارة التجارة، ملاحظا أن بعض الفلاحين توجهوا إلى هذه الوزارة للحصول على الترخيص ولم يتلقوا أي إجابة في الغرض.
وفي تعليقه على إقدام بعض الفلاحين على إلقاء كميات من البطاطا في الطريق العام، قال أنّ اتحاد الفلاحة والصيد البحري يقوم دائما بتأطير الفلاحين، في تنظيم تحركاتهم الاحتجاجية، “لكن أحيانا تحدث بعض مظاهر الإحتجاج والغضب التي لا يمكن التحكم فيها”، حسب قوله.
كما أكّد الزار في مناسبات عديدة على أن المؤشرات الحالية لا توحي بإدارة الحكومة في الإستثمار في القطاع الفلاحي… هذا مجرّد الاستثمار فما بالك لو نتحدث عن كون هذا القطاع يستوجب من الدولة أن تتخذه من بين القطاعات الحيوية الأساسية لامن البلاد والواجب عليها إدارته على الوجه الأكمل والعمل على إبقائه في حالة إنتاج كليّ على مدار السنة, وليس مجرد الاستثمار فيه فحسب.
البطاطا والكورونا
إن أزمة العجز عن ترويج بعض المنتوجات الفلاحية، بفعل جائحة كورونا ترجع إلى تعليق أنشطة بعض النزل وفنادق والمطاعم الجامعية التي كانت تستهلك نسبة من الإنتاج.
فمستوى الإنتاج يعتبر عاديا مقارنة بالمواسم الفارطة, إذ يتراوح ما بين 240 ألف و260 ألف طن لكن تراجع الاستهلاك، خاصّة، مع غلق النزل والمطاعم، تبعا لانتشار وباء كوفيد-19، جعل العرض يتجاوز الطلب، ممّا حدا ببعض الفلاّحين إلى إلقاء البطاطا على قارعة الطريق في مشاهد تكرّرت خلال الفترة الأخيرة على شبكات التواصل الاجتماعي.
المنظومة تثبت فشلها من جديد
من أهم وأخطر مصادر الاقتصاد: الفلاحة، إذ هو مصدر اقتصادي هام ومتعلق بالأمن الغذائي وأسّ من أسس تحقيق حاجات الناس الأساسيّة وإهماله سبب من أبرز أسباب غلاء المعيشة مع ما نلاحظه من توفّر للسلع والمنتوجات الزراعية، وبالتالي فإنّ هذا الإهمال المتعّمد كما تفعل الحكومة الآن سبب من أسباب ترسيخ الاستعمار والتبعية عن طريق ربط مباشر لأرزاق الناس بدول غربية لتصبح متحكّمة حتى في لقمة العيش وفي ثمن الخبز اليومي… فعندما نشاهد وزارة التجارة في حكومة الفخفاخ وحتى في حكومة الشاهد لا تعطي التراخيص المناسبة لتصريف فائض الإنتاج حتّى لإخواننا في ليبيا في مقابل فتح البلاد على مصرعيها أمام التوريد العشوائي، نفهم يقينا أنّ هاته الحكومات لا تقيم وزنا لا لجمهور المنتجين ولا لجمهور المستهلكين, ولا تعبأ بأحوالهم ولا تعنيها شؤونهم إلاّ بمقدار ما تنتفع هي لا هم، ولا نرى لها جديّة لحلّ مشاكلهم ولا أن تكون على مستوى تطلّعاتهم وآمالهم، وإنّما سلطانهم يظهر جليّا على بيوت الله فتغلقها وتمنع الدعاء أن يصعد إلى السماء. لذا لابدّ من الوقوف وقفة حاسمة وأن ندرك أوّلا أن لا خير مرجوّ من هؤلاء ثمّ نخطو خطى ثابتة لصدّ هذا العبث وايقاف النزيف الحاصل من ورائه والتقدّم خطوة نحو استقلال البلد والحفاظ على أمننا الغذائي بناء على أحكام نظام الإسلام المتعلّقة بالأرض والزراعة علما وأنّ أهل تونس مؤمنون بضرورة تطبيق الإسلام ولم يبق أمامهم وأمام تطبيق الإسلام نظاما راشدا سوى فهم أحكامه والتحرّك عمليّا من أجل فرض تطبيقها.