بكفالة الدستور: الغوغاء تنكل بالبلاد والعباد

بكفالة الدستور: الغوغاء تنكل بالبلاد والعباد

الشغل, التعليم, الصحة, توفير الماء الصالح للشراب, المسكن اللائق..كلها حقوق يكفلها الدستور ولا يوجد حق إلا والدستور يضمنه ويكفله. هذا ما يردده الكهنة كلما أطلت أزمة ما برأسها وخيم شبحها على الأجواء في تونس. يكفي أن تستفحل البطالة أو تنعدم الرعاية الصحية وتسوء وضعية التعليم أو يستبد العطش بأكثر من مدينة, حتى يهرول الناعقون ويستعرضون فصول الدستور الجوفاء التي تنص على هذا الحق أو ذاك, ثم يرجعون أدراجهم إلى حين ظهور أزمة جديدة وما أكثر الأزمات التي تستوجب  التذكير بما يكفله الدستور.. ملوحين بذلك الكتيب الأحمر في المنابر الإعلامية والبلاتوهات. وباختصار شديد تسمع جعجعة والأصح تسمع خوار عجل ولا تجد ما يطعم من جوع أو يروي من عطش أو يخفف من وطأة مرض أو يحفظ كرامة. فكل الحقوق المكفولة بدستورهم الوضعي سراب يحسبه الواهمون والعاكفون على العجل –الديمقراطية- رعاية شؤون تقي من ضنك العيش وشظفه وتذود عن سيادة البلاد وهيبتها.

لقد أنفقوا من اجله المليارات وخاضوا المعارك الطاحنة ليكون في النهاية كافلا لشيء وحيد هو تثبيت الغوغاء وتمكينها من رقابنا وفسح المجال لها لتمعن في التنكيل بالبلاد دون أن يعكر صفوها حسيب أو رقيب فالدستور منح لها الحصانة وتكفل برعايتها والسهر على حسن سيرها بنا نحو الخراب.

والغوغاء في الأصل هي الجراد حين يخفّ للطيران, ثم حدث في اللفظ تطور دلالي فأصبح يعني السفلة من الناس والمتسرعين إلى الشر, ويقال غوغائيون لأنهم يحدثون جلبة لكثرة لغطهم وصياحهم وهذا ما نعيش على وقعه اليوم صباحا مساء خاصة في بؤرتهم الأساسية –البرلمان- والتي منها خرج هذا الجراد الذي أتى على الأخضر واليابس وأهلك الحرث والنسل بمنازعته لرب العزة في  حق خالص له وحده جلّ جلاله وهو التشريع ، ثم انقسم إلى فرق وأشياع يتنافسون فيما بينهم من يحدث الجلبة والضوضاء أكثر من الأخر. فهذه الفرقة محسوبة على المنظومة السابقة وتكفر بالثورة وكل ما نتج عنها ولم يجدوا أفضل من رئيس ما يسمى ب” الحزب الدستوري الحر” لتؤدي المهمة على الوجه الأكمل وفي المقابل جندوا لمواجهتها فرقة ألبسوها جبة الثورية وأركبوها صهوة مقاومة الاستبداد ومناهضة الظلم ونحوه, هذه الفرقة يقودها “ائتلاف الكرامة” مسنودة ب “حركة النهضة” دون أن ينسوا تجهيز فرقة أخرى  تخوض مع الخائضين وتقوم بالشيء ونقيضه, تحارب الفساد حينا وتدافع عنه حينا آخر. تناصر الثورة وفي الآن نفسه لا تجد غضاضة في كسر عظام ودق أعناق من رفعوا لواء الثورية  وتمترسوا في الصفوف الأمامية المدافعة عن الثورة ونعني بهذه الفرقة “حركة الشعب” والتيار الديمقراطي”, وفي الضفة المقابلة يقف رئيس الدولة “قيس سعيد” شاهرا سيف “الشعب يريد” ويهدد بإطلاق صواريخه ويتوعد بدك حصون العملاء والخونة وكل من يتربص بتونس وشعبها. وينذر بالويل والثبور كل من يحيد قيد أنملة عما حوته صفحات دستورهم صانع الغوغاء وحامي الرعاع المنتحلين صفة رجال الدولة والمتسللين خلسة لسدة الحكم. رئيس الدولة هذا العاض على الدستور الوضعي بالنواجذ يردد على أسماعنا بمناسبة أو بدونها أن ديدنه الوحيد هو السير على خطى الخليفة الراشد عمر بن الخطاب وأنه لا تغيب عنه ولو للحظة بأن الله سائله يوم القيامة عما استرعاه، متجاهلا أن الفاروق لم يحتكم إلا للوحي كتابا وسنة ولم يتخذ من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة, ولم يرم أحكام الإسلام وراء ظهره على عكس ” قيس سعيد” وغيره من الغوغائيين الذين يحق فيهم قوله صلى الله عليه وسلم “… وينطق فيها الرويبضة. قيل وما الرويبضة يا رسول الله: قال الرجل التافه يتكلم في أمر العامة”.

لقد انتهت مهمة جحافل الجراد المنتشر اليوم على طول وعرض الساحة السياسية بمجرد الانتهاء من صياغة دستورهم الجديد سنة 2014 ولم يبق لهم غير التصارع والتطاحن على ما ينثره المسؤول الكبير من فتات. لقد أدوا مهمتهم على الوجه الأكمل بإقصائهم لأحكام الإسلام وهم اليوم متفرغون تماما للصياح واللغط وإثارة الضوضاء وخوض المعارك الوهمية.. إنهم جميعا كالبرق الخلب لا يأتي منهم خير. جميعهم من منبت واحد وعلى شاكلة واحدة فلا فرق بين أزلام المخلوع “بن علي” وبين مناهضيه ولا اختلاف بين من يعادي الثورة منهم وبين من يناصرها إلا بما يحدثه من ضجيج وجلبة..

حسن نوير

CATEGORIES
TAGS
Share This