صدر بتاريخ 10/11/2020م بيان ما يسمّى بهيئة كبار العلماء في السعودية يحرّم ويجرّم الانتماء إلى ما يسمى بالجماعات والأحزاب والفرق ويحذّر منها ومن شرورها، وقد نصّ بيان ما يسمى بهيئة كبار العلماء: على أنّ “في طليعة هذه الجماعات التي نحذر منها جماعة الإخوان المسلمين، فهي جماعة منحرفة، قائمة على منازعة ولاة الأمر والخروج على الحكام، وإثارة الفتن في الدول، وزعزعة التعايش في الوطن الواحد، ووصف المجتمعات الإسلامية بالجاهلية، ومنذ تأسيس هذه الجماعة لم يظهر منها عناية بالعقيدة، ولا بعلوم الكتاب والسنة، وإنما غايتها الوصول إلى الحكم، ومن ثمّ كان تاريخ هذه الجماعة مليئا بالشرور والفتن، ومن رحمها خرجت جماعات إرهابية متطرفة عاثت في البلاد والعباد فسادا مما هو معلوم ومشاهد من جرائم العنف والإرهاب حول العالم”. ثم ختم البيان بتصنيف “جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية لا تمثّل منهج الإسلام، وإنما تتبع أهدافها الحزبية المخالفة لهدي ديننا الحنيف، وتتستر بالدين وتمارس ما يخالفه من الفرقة وإثارة الفتنة والعنف والإرهاب. فعلى الجميع الحذر من هذه الجماعة وعدم الانتماء إليها أو التعاطف معها”.
أقول: بغضّ النظر عن السياق السياسي الذي صدر فيه البيان، وأنّ ما يسمى بهيئة كبار العلماء هم مجرّد عملاء للنظام السعودي المجرم يأتمرون بأمره ولا يخرجون عن خطّه المنحرف عن المنهج الربّاني، وبغضّ النظر عن الكذب والافتراء والتزوير المتعمّد في البيان حول حقيقة جماعة الإخوان ومنهجها وتاريخها، وبغضّ النظر أيضا عن تحريف الأدلة الشرعية التي ساقتها الهيئة لتحريم وتجريم الانتماء للجماعات، بغض النظر عن كل هذا: هل نسيت هيئة كبار علماء السعودة الوهابية، تاريخ حركتها الوهابية التي قامت عليها ما يسمى بـ”المملكة العربية السعودية”؟
قال ابن غنّام في تاريخ نجد: “فخرج الشيخ (محمد بن عبد الوهاب) سنة سبع أو ثمان وخمسين ومائة وألف من العيينة إلى بلدة الدّرعية. فنزل في الليلة الأولى على عبد الله بن سويلم، ثم انتقل في اليوم التالي إلى دار تلميذه الشيخ أحمد بن سويلم. فلما سمع بذلك الأمير محمد بن سعود، قام من فوره مسرعا إليه ومعه أخواه: ثنيان ومشاري، فأتاه في بيت أحمد بن سويلم فسلّم عليه، وأبدى له غاية الإكرام والتبجيل، وأخبره أنه يمنعه بما يمنع به نساءه وأولاده. فأخبره الشيخ بما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وما دعا إليه، وما كان عليه صحابته رضي الله عنهم من بعده، وما أمروا به وما نهوا عنه، وأن كل بدعة ضلالة، وما أعزّهم الله به بالجهاد في سبيل الله وأغناهم به وجعلهم إخوانا. ثم أخبره بما عليه أهل نجد في زمنه من مخالفتهم لشرع الله وسنة رسوله وبالشرك بالله تعالى والبدع والاختلاف والظلم. فلما تحقّق الأمير محمد بن سعود معرفة التوحيد، وعلم ما فيه من المصالح الدينية والدنيوية، قال له: (ياشيخ إن هذا دين الله ورسوله الذي لا شك فيه، فأبشر بالنصرة لك ولما أمرت به، والجهاد لمن خالف التوحيد؛ ولكن أريد أن أشترط عليك اثنتين: نحن إذا قمنا في نصرتك والجهاد في سبيل الله، وفتح الله لنا ولك البلدان، أخاف أن ترحل عنا وتستبدل بنا غيرنا، والثانية:أنّ لي على الدرعية قانونا آخذه منهم في وقت الثمار، وأخاف أن تقول لا تأخذ منهم شيئا). فقال الشيخ: (أما الأولى فابسط يدك: الدم بالدم والهدم بالهدم، وأما الثانية فلعلّ الله أن يفتح لك الفتوحات فيعوضك الله من الغنائم ما هو خير منهم).فبسط الأمير محمد يده وبايع الشيخ على دين الله ورسوله والجهاد في سبيله، وإقامة شرائع الإسلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فقام الشيخ ودخل معه البلد واستقرّ عنده”.
وهكذا بدأ تاريخ الحركة الوهابية بالتحالف مع آل سعود على الحرب، فخرجوا على الخلافة العثمانية بحجة أنّها دولة شركية كافرة، وأعلنوا الجهاد، وكفّروا الناس، وأقاموا دولة بمساعدة الإنجليز. ولهذا وصف كثير من العلماء الحركة الوهابية/السعودية بأنّها فرقة خارجية، ومنهم العلامة قاضي المالكية بالديار التونسية أبو الفداء اسماعيل التميمي (1765-1832م) الذي ألّف في الردّ على الوهابية رسالة عنوانها “المنح الإلهية في طمس الضلالة الوهابية”، وقد جاء فيها قوله: “فإذا تأملت في هذا ظهر لك أنّ هذه الفرقة الوهابية إن لم تكن من الخوارج فهي أختها الشقيقة؛ لأنّ مناط التسمية وهو الخروج عن إمام الجماعة موجود فيهم؛ إذ نبذوا بيعة السلطان وأقاموا مقامه أميرهم سعود…”، ومنهم العلامة محمد أمين الشهير بابن عابدين الحنفي (1198-1252ه) الذي قال: “مطلب في أتباع عبد الوهّاب الخوارج في زماننا: قوله: (ويكفرون أصحاب نبينا صلى الله عليه وسلم) علمت أن هذا غير شرط في مسمى الخوارج، بل هو بيان لمن خرجوا على سيدنا علي رضي الله تعالى عنه، وإلا فيكفي فيهم اعتقادهم كفر من خرجوا عليه، كما وقع في زماننا في أتباع عبد الوهاب الذين خرجوا من نجد وتغلبوا على الحرمين وكانوا ينتحلون مذهب الحنابلة، لكنهم اعتقدوا أنهم هم المسلمون وأن من خالف اعتقادهم مشركون، واستباحوا بذلك قتل أهل السنة وقتل علمائهم، حتى كسر الله تعالى شوكتهم وخرّب بلادهم وظفر بهم عساكر المسلمين عام ثلاث وثلاثين ومائتين وألف…”.
ويبدو أن ما يسمى بهيئة كبار العلماء التي تعتقد الفكر الوهابي، قد نسيت هذه الحقائق التاريخية؛ نسيت أنّ أوّل فرقة أو حركة أو جماعة حملت السلاح وخرجت على الخلافة الإسلامية، وكفّرت الدولة والناس، وقتلت المسلمين بحجة الشرك والقبورية، هي الحركة الوهابية. ويبدو أيضا أنّها تعامت عن الواقع المشاهد المحسوس، وهو أنّ أغلب الجماعات المسلّحة منتمية فكريا وعقديا وفقهيا إلى السلفية الوهابية، وأنّهم يعتمدون في فتواهم على كتب ابن عبد الوهاب وابن تيمية وليس حسن البنا ومثال ذلك “الدواعش”؛ فالسلفية الوهابية هي أمّ الحركات الانقلابية الخارجية، والأصل أن يقال وفق منطق هيئة كبار العلماء أنها هي الداء ومن “رحمها خرجت جماعات إرهابية متطرفة عاثت في البلاد والعباد فسادا مما هو معلوم ومشاهد من جرائم العنف والإرهاب حول العالم”.
وفي الختام نقول: إنّ بيان ما يسمّى بهيئة كبار العلماء في السعودية هو تزوير للحقيقة التاريخية والدينية، وأنّ من البلايا العظام التي أبتلي بها المسلمون وجود أمثال هؤلاء العلماء العملاء الذي يبثّون الفتنة والفرقة بين المسلمين، ويدافعون عن الحكام الظلمة والخونة. قال الله تعالى: {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ}.