بين الدولة التابعة للغرب والأمة الإسلامية… هوّة سحيقة
منذ ان أُعلن عن “اقتراحات لجنة الحقوق الفردية والمساواة” ومحاولات فرض المزيد من القيم الغربية في الواقع الاجتماعي في تونس حتى ازدادت الشكوك والريبة من الطبقة السياسية الحاكمة, ومن عزمها على استهداف دين وعقيدة الامة . فحكام تونس لم يكفهم انكشاف فشلهم امام الشعب وعجزهم عن تحقيق أي نتائج على مستوى البطالة او ارتفاع الأسعار وتدني الخدمات الصحية, ليندفعوا بكل غباء نحو اصطناع معارك وهمية وتغيير الأعراف الاجتماعية المنبثقة من الشريعة الإسلامية والتي نظمت العلاقات الاجتماعية منذ فجر الإسلام.
دولة ضد الامة
لقد كشف إصرار حكام تونس على اتباع توصيات الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي وقبولهم بتدخلاتهم السافرة والمهينة في الشأن المالي والاقتصادي والاجتماعي , وآخرها توصيات الاتحاد الأوروبي الصادرة في 14 سبتمبر 2016 الواردة في مقترحات “لجنة الحقوق الفردية والمساواة”, أن هذه الدولة لم تقم في حقيقتها على أي عقد اجتماعي مع الأمة بل فُرضت عليها وعلى ثقافتها، دون أن تنبع منها أو تعبر عنها بأي درجة. فالسمة البارزة للدولة القائمة حاليا انها من الناحية العملية أنها دولة تعادي الامة الإسلامية وتعادي موروثها الثقافي والتشريعي وتحاول تفكيك وتغيير هويتها الاسلامية.
نخبة الدولة والتبعية للغرب
وفي ظل دولة تابعة تشكلت أيضا نخبة تابعة أصبحت جزءا من النظام السياسي تعبّر عن توجهاته وتبرّر خياراته الكبرى وتبعيته للغرب , وانه ليس لنا خيار آخر في هذا الزمان , وحتى لو أبدت هذه النخبة بعض المعارضة فهي معارضة لتحسين أداء بعض الحكام والوزراء وليست معارضة للنظام.
هذه النخبة المسيطرة على أهم المنصات الإعلامية في تونس , تقوم على قيم العلمانية المادية المخالفة لقيم الامة الإسلامية , لذلك فهي تعاديها وتعتبرها تخلّفا, وقد تكشّفت حقيقة نظرتها المتعالية والمتكبرة على الامة بعد الرفض الشعبي الواسع لمقترحات ” لجنة الحريات الفردية والمساواة” والذي اثار امتعاضها وغضبها.
الدولة الديمقراطية دولة شمولية
لقد كشفت محاولة الدولة الأخيرة للتدخل في الشأن الاجتماعي والأسري عن الطبيعة التسلطية والشمولية للدولة المدنية الديمقراطية المستوردة من الغرب. فبالرغم من ان نموذج الدولة المدنية تم الترويج له على انه يمكّن من تفادي الدولة الاستبدادية الشمولية , إلا أن الممارسة العملية بينت ان الدولة الديمقراطية ليست ضمانا للتسلط والاستبداد والشمولية.
فلا أحد ينكر الطبيعة الاستبدادية لنظام “نابوليون” ونظام “هتلرّ” واللذان جاءا عبر أنظمة ديمقراطية. ولا أحد يستطيع انكار أن الدول الديمقراطية في وقتنا الحاضر هي أنظمة شمولية تتدخل في كل كبيرة وصغيرة تهم حياة الفرد والمجتمع , وأنها توسعت وتغوّلت بقوانينها الشمولية حتى حاصرت الدين بل أصبحت تحتل مكان الدين في المجتمع.
فالقوانين الديمقراطية لم تكتف بالتدخل في التعليم والصحة والعلاج والغذاء والزواج والطلاق, بل تجاوزته الى سن القوانين التي تحدد إنسانية الجنين بقانون, فتقرر متى يحق الإجهاض بالقانون, وتحدد جواز القتل الرحيم للمرضى بالقانون, وتجيز أنواع المخدرات بالقانون, وتحاسب الناس على أفكارهم بالقانون مثل انكار الهولوكوست او إبادة الأرمن. فالديمقراطية في الغرب احتلت مكان الدين , وعلى هذا النهج تسير الدولة التابعة للغرب في تونس.
الدولة الإسلامية: سلطة بالوكالة عن الامة
أما الناظر إلى سياسة دولة الخلافة الإسلامية ، فإنه يجد أنها كانت تتحمل مسؤولية الأدوار الرئيسية والمركزية في رعاية شؤون الناس, ولم تكن دولة قابضة في أي مرحلة من تاريخها, فلم تكن بالدولة المتسلطة أو المتغوّلة التي تسيطر على كل مجالات الحياة كما هي الدولة الديمقراطية, ولم تكن تتدخل في الشأن الاجتماعي و الأسري طالما لم يكن هناك حاجة لذلك, بل كان للمجتمع مساحة هامة من الإدارة الذاتية شمل حتى غير المسلمين الحاملين للتابعية للدولة.
فالدولة الإسلامية تعمل في إطار حاكم لها وهو الشريعة الإسلامية, وهي تملك سلطات أكثر مما تملك من صلاحيات, وفي أغلب الحوادث الجارية لم تكن الدولة مصدر القانون، بل كانت تطبق الاحكام الشرعية المتعلقة بتلك الاحداث. فصلاحيات الدولة والسلطة السياسية ليست مطلقة كما هي الدولة الديمقراطية, بل هي صلاحيات مشروطة وقابلة للمراجعة طبقا لقواعد الشريعة الإسلامية.
وهكذا يظهر الاختلاف الواضح بين الدولة الديمقراطية المتغوّلة صاحبة السلطة المطلقة، وبين الدولة الاسلامية صاحبة السلطة بالوكالة عن الامة ، أي السلطة المشروطة.