بين تونس وبنما جنان ضريبية خازنها الاتحاد الأوروبي
تناقلت وسائل الإعلام خبر إدراج تونس ضمن قائمة “سوداء” تشمل 17 ملاذا ضريبيا يوجد خارج الاتحاد الأوروبي تمّ اعتمادها يوم الثلاثاء 05 ديسمبر الجاري من قبل 28 وزير مالية أوروبي خلال اجتماع عقد ببروكسيل. واعتمد مجلس الإتحاد الأوروبي خلال اجتماعه على استنتاجاته بشأن قائمة المنظومات التشريعية غير المتعاونة في المجال الضريبي.
وظهرت تونس ضمن هذه القائمة الملحقة للمجلس الأوروبي، الذي اعتبر أن هذه البلدان “تقر أنظمة ضريبية تفاضلية سيئة ولم تبد انخراطها لتغييرها أو إبطالها”.
ومن جهتها تناقلت عديد وسائل الإعلام الفرنسية تصريحا لوزير الاقتصاد والمالية الفرنسي برينو لو مار مفاده “لقد صادقنا اليوم، على مستوى الإتحاد الأوروبي على قائمة الدول التي لا تقوم بما يلزم لمقاومة التهرب الجبائي”.
وقد تم إعداد هذه القائمة “السوداء” باعتماد ثلاثة معايير تتعلق بالشفافية الضريبية والعدالة الجبائية وتطبيق إجراءات منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية مقابل إرساء نظام ضريبي “عدائي”.
حقيقة الملاذات الضريبية : حاضنات الفساد السّرية
والملاذ الضريبي أو الجنة الضرائبية هي منطقة تفرض بعض الضرائب أو لا تفرض أي ضرائب على الإطلاق أو هي دول تتمتع أنظمتها المصرفية بقوانين صارمة لتحافظ على سرية حسابات عملائها الأجانب فتساعدهم على التهرب من دفع الضرائب في بلادهم الأصلية.
وبهذا يمكن للأفراد أو الشركات أن تجد نفسها تحت ضغط الإغراء للانتقال إلى المناطق التي تنخفض فيها معدلات الضرائب.
كما تعرّف الملاذات الضريبية الآمنة بأنها الدول أو المناطق التي تمنح إعفاءات أو تخفيضات ضريبية للأثرياء من الأفراد والشركات لجذب الأموال والاستثمارات إليها، وتمنح هذه الملاذات حماية وحصانة للأثرياء من ملاحقات محققي ومحصّلي الضرائب الدوليين، إذ يصعب على هؤلاء متابعة أموال الأثرياء التي يمكن أن تكون خاضعة لضرائب كبيرة في بلدانهم الأصلية.
ردود أفعال الحكومة وإتّحاديّ الشغل والأعراف: إنسجام وتناغم: “واحد يسرق والآخر يخبّئ”
أمّا بالنسبة لردود الفعل الرسمية فقالوا أن تونس لن تكون بأي شكل من الأشكال “ملاذا جبائيا” وأنها رفضت رسميا الاستجابة لطلب أوروبي بإيقاف الإمتيازات الجبائية الموجهة للمؤسسات المصدرة كليّا حفاظا على النسيج الصناعي ومواطن االشغل.
وقال وزير المالية رضا شلغوم إنّ إدراج تونس بالقائمة السوداء للملاذات الضريبية، التي اعتمدها وزراء مالية الاتحاد الأوروبي يوم الثلاثاء غير ملائم ولا يتماشى مع مستوى الشراكة مع هذه المجموعة الاقتصادية.
من جهته قال اتحاد الشغل أن إدراج الاتحاد الأوروبي لتونس ضمن القائمة السوداء للملاذات الضريبية يعتبر نوعا من الضغط والمساومة لفرض شروط الاتحاد الأوروبي في المفاوضات حول اتفاق الشراكة المعمّق بين الطرفين، معتبرا أنّ إدراج تونس ضمن هذه القائمة السوداء حيفا واعتداء على البلاد وضرب للمسار الديمقراطي الذي طالما أعلنت الدول الأوروبية دعمه، وأنّ ذلك يعتبر كيلا بمكيالين خاصة مع إدراج البلاد ضمن دول تعتبر ملاذات ضريبية في وقت لم يتم إدراج دول أخرى معروفة بأنها جنات ضريبية ضمن هذه القائمة.
ومن ناحية أخرى, سارعت منظمة الأعراف بوصف هذا القرار بالخطير، مُؤكدة انه ستكون له تداعيات سلبية جدا على علاقات تونس بالاتحاد الأوروبي وعلى برامج التعاون بينهما، وعلى سمعة تونس وصورتها رغم نجاحها في عملية الانتقال الديمقراطي وعلى الاستثمار الأجنبي والترقيم السيادي لتونس.
التصنيف الجديد: مزيد من الضغوط والابتزاز يقابله رضوخ واستسلام
وهكذا حال الحكومة الحالية,متشبثة بالمضي في ركاب المتسلّطين, مستميتة في تنفيذ مطالب الإتحاد الأوروبي ومن ورائه الصناديق المقرضة والتي لا تنتهي إلا بتحويل البلاد ضعيفة وهزيلة يسهل ابتلاعها متى أرادوا ذلك ! فهل غيّر ذلك من نظرة الأوروبيين الاستعمارية تجاهنا؟
إنّه بالرغم من فشل كلّ الحكومات المتعاقبة وبيان عجزهم عن التعاطي مع أبسط ابجديّات العمل السياسي الذي يحفظ هيبة البلاد وكرامة أهلها وعد قدرتهم على توفير الضروريات التي لا تستقيم الحياة إلا بها ومن دونها يحصل الشقاء للناس؛ وبالرغم من إتّباع هاته الحكومات – الحالية والسابقة – للنظام الرأسمالي وخضوعها التّام لشروط صندوق النقد والبنك الدوليين، تلك المؤسستين الاستعماريتين اللتين أسّستا لمص دماء الفقراء ونهب ثروات البلاد المستعمَرة وبلاد المسلمين جزء منها، وبالرّغم من تنفيذ حكومة الشاهد تعليمات الإتحاد الأوروبي وإملاءاته بصورة غير متوقعة لدى الرأي العام حتى أرهقت كاهل أهل البلد، وبالرّغم من عدم دعم الدولة للسلع الإستراتجية، والتعليم والصحة، والعمل على تحرير كامل لسعر الصرف وإتباع سياسة التحرير الاقتصادي، وبالرغم من أنّ تونس تمرّ اليوم بأسوأ حالات الانهيار الاقتصادي وضيق المعيشة ومعاناة العباد، وبالرغم من كلّ ما ذكر وما لم يذكر من شواهد وبيّنات, فما زالت الحكومة مصرّة على المضيّ قدما في الاستجابة التامّة لتوجيهات الجهات الإستعمارية المقرضة, التي لا تزال ترى أنّ كلّ ما قدّمته الحكومة الحالية غير كاف وتطالب بالمزيد، وستضلّ كذلك, وما حكاية تصنيف تونس كملاذ وجنّة ضريبية إلّا شماّعة لتقديم المزيد من منافذ الولوج إلى أركان البلاد التونسية لأخذ خيراتها وثرواتها قربانا لرضا من يرى فيهم الشاهد سادة للبحر المتوسّط بضفتيه، فهذا باتريس برغاميني، رئيس بعثة الإتحاد الأوروبي في تونس قال _بعد توسّل من حكومة البلاد الموقرة_ أنّ وزراء مالية الاتحاد الأوروبي سيستأنفون المحادثات مع تونس لرفع تصنيفها من القائمة السوداء للبلدان المتهربة ضريبيّا في شهر جوان المقبل، وهل يا ترى سينتهي الأمر؟ الأكيد لا، فبحوزة هؤلاء العشرات من الطرق والوسائل للضغط على الحكومات وابتزازهم، وذلك كله بسبب سياسات الحكومات المتعاقبة التي اختارت رسم طبيعة العلاقة مع دوائر الاستعمار الأوروبية على أساس الترضيات والرضوخ بلا حدود, في بلد غني برجالاته و بثرواته وخيراته .
كفانا ذلاّ وهوانا وتبعيّة
أقول، سواء أكانت هذه إملاءات الإتحاد الأوروبي على الحكومة، أم كان خيارا ذاتياً و(وطنياً) كما يصفه الشاهد وائتلافه الحاكم، فإنّ هذا التوجه لا يمُتُّ للحكم الرشيد الذي يرتضيه الله للناس في تونس وفي أي رقعة من بلاد المسلمين، ولا يرتضيه أهل تونس باي حال من الأحوال, ودليل ذلك حالة الثورة القائمة في كل القطاعات بالبلاد وحالة الامتعاض التي يشهدها الراي العام إزاء حالة الحكم والقائمين عليه, فالأمة الإسلامية قد نفضت عن نفسها غبار الذلّ، والهوان، والتبعية، وكشفت عورات النظام الإقتصادي الرأسمالي وفشله في الحفاظ على خيرات البلاد وثرواتها، وضمان الحياة الآمنة المستقرة فيه، وانطلقت نحو عقيدتها، ترنو إلى العيش في كنف الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، تعتصم من خلالها بحبل الله المتين، تملأ الدنيا عدلاً ورحمة وإحساناً.
فمشكلة الاقتصاد في تونس مبدئية, حيث غرقت الحكومات في وصفات صندوق النقد المسمومة وإتباع سياساته الرأسمالية في بلدٍ أهله مسلمون يعتقدون عقيدة فيها أعظم نظام للحياة ويقدم المعالجات لرعاية شؤون الناس جميعاً, نظام الإسلام عندما طبقه المسلمون أقاموا أعظم دولة بسطت العدل وعالجت مشاكل الناس وأوجدت الاستقرار في الاقتصاد بفضل أحكام الإسلام وتشريعاته. ولن تحلّ مشاكل تونس إلّا بالتخلّص من هيمنة المستعمرين ونفض الأيادي من نظامهم الرأسمالي الفاشل، وإقامة حكم الله عبر دولته الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة.
محمد زروق