بين تونس وليبيا: من يراهن على اللّعب بورقة الإرهاب؟

بين تونس وليبيا: من يراهن على اللّعب بورقة الإرهاب؟

وثيقة “سرّية” تجوب الفايسبوك

نقلت صحيفة “المرصد” الليبية يوم 22 أوت 2021 عن مصدر في وزارة الداخلية تأكيده صحة معلومات متداولة عن محاولة “100 عنصر إرهابي” التسلل إلى تونس انطلاقا من قاعدة الوطية الجوية.وأشار مصدر الصحيفة إلى وجود “مستند صحيح” صادر عن الإنتربول التونسي، يؤكد وجود “عناصر إرهابية في قاعدة الوطية”.

وجاء في المستند الذي حمل توقيع وزير الداخلية الليبي خالد مازن: “أفادنا رئيس مكتب الشرطة الجنائية العربية والدولية بأنهأخطر بموجب برقية وردت إليه من إنتربول تونس فحواها توفر معلومات لديهم باعتزام حوالي 100 عنصر إرهابي متواجدين في القاعدة الجوية الوطية التسلل إلى تونس”.

وطالب وزير الداخلية على ضوء البرقية المتداولة، باتخاذ ما يلزم من إجراءات وتكثيف عمليات البحث وجمع المعلومات، لإحباطأية مخططات تحاك للقيام بأي عمليات إرهابية.

هذه الوثيقة التي نُعتت بالسرّية، تم تداولها عبر شبكات التواصل الاجتماعي ونشرها في عديد المواقع كما أسالت الكثير من الحبر وأثارت تساؤلات عديدة حول مدى صحتها، وما لها من انعكاسات على الصعيد الأمني في تونس خاصة وأن قاعدة الوطية الجوية تقع جنوب مدينة العجيلات غرب ليبيا ولا تبعد عن الحدود التونسية سوى 27 كيلومترا. 

ليبيا تتبرأ من الإرهاب وتتهم أحد أطراف النزاع

لم تتأخر السلطات الليبية حتى تضع حدا لهذا اللغط الحاصل حول فحوى الوثيقة “السريّة” الموقعة باسم وزير الداخلية الليبي، حيث نفى وزير الداخلية الليبي اللواء خالد مازن في رسالة وجّهها إلى رئيس مكتب الشرطة الجنائية العربية والدولية، وجود 100 عنصر إرهابي في قاعدة الوطية بصدد الاستعداد للدخول إلى تونس، وذلك إثر القيام بالتّحريات اللازمة من طرف المصالح الأمنية.وشدد اللواء خالد مازن على أن قاعدة الوطية تخضع لسيطرة وزارة الدفاع الليبية.

كما سبق أن علّق المحلل السياسي الليبي عز الدين عقيل في برنامج أحلى صباح عبر إذاعة موزاييك يوم الاثنين 23 أوت 2021 على الخبر الذي تناقلته وسائل إعلام أجنبية ويفيد بمحاولة تسلل 100 عنصر متطرّف من قاعدة تركية بليبيا إلى التراب التونسي.

واستبعد عز الدين عقيل صحة هذا الخبر، مرجّحا أن تكون محاولة للدفع بمعلومات مضلّلة في إطار الصراع بين أطراف النزاع بالقطر الليبي، ”وكل يحاول أن يشوه الآخر”، على حد تعبيره. وهكذا، تم نسب الأمر إلى أحد أطراف النزاع في ليبيا، دون تحديد هذا الطرّف بشكل رسمي، مع أنه طرف مُدان ومُتورّط في فبركة وثائق رسميّة للدولة الليبيّة بما يهدد الأمن القومي للبلدين، كما يبدو واضحا مراهنة هذه الجهة على ورقة الإرهاب التي صار الغرب يستعملها كشماعة لاقتحام بلدان العالم الإسلامي من أجل بسط نفوذه والحفاظ على الدول الكرتونية الضامنة لمصالحه. 

ولم يكتف الجانب الليبي بذلك فحسب، بل قامت السلطات الليبية بإرسال وفد إلى تونس، يتضمن كلا من وزيرة الخارجية نجلاء منقوش ووزير الداخلية خالد التيجاني مازن.ومع أن الناطق باسم حكومة الوحدة الوطنية الليبية محمد حمودة كان قد أكد أن وفدا وزاريا رفيع المستوى سيصل يوم الخميس 26 أوت 2021 إلى تونس للتباحث حول البروتوكول الصحي وفتح المنافذ البرية وعودة الرحلات الجوية، إلا أن ما وقع تداوله لاحقا جاء ليؤكد على أن ملف الإرهاب يأتي على رأس قائمة الملفات المطروحة للتداول بين البلدين، حيث نشر الناطق باسم الحكومة الليبية محمد حمودة، على “فيسبوك”، عقب هذا الاجتماع الذي جرى في تونس ما نصّه: “فيما يتعلق بالأخبار المتداولة بشأن الأوضاع الأمنية في ليبيا وتسلل إرهابين إلى تونس نفى الجانبان هذه الأخبار جملة وتفصيلا فهي مجانبة للصواب وأريد بها تعكير العلاقات الثنائية”.

كما أكّد وزير الشؤون الخارجية عثمان الجرندي في تصريح للقناة الوطنية اليوم الخميس 26 أوت 2021 أنّه تمّ خلال اجتماع تونسي ليبي رفيع المستوى مناقشة عدد من الملفات المتعلقة بالمجالين الأمني والصحي، نافيا وجود أطراف إرهابية في ليبيا تحاول التسلل إلى تونس.وشدّد وزير الخارجيّة على اليقظة العسكرية والأمنية من الجانبين التونسي والليبي في تأمين حدود البلدين.

وهكذا، تم نفي خبر وجود التهديد الإرهابي رسميّا من كلى البلدين. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل أكد رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبد الحميد الدبيبة في كلمة وجهها للشعب الليبي مساء الجمعة 27 أوت 2021 أن الإرهاب قادم إلى ليبيا من الخارج وخاصة من دور الجوار، وأن الشعب الليبي شعب حر ولا يقبل اتّهامه بالإرهاب.

كما بيّن الدبيبة بأنه أرسل وفدا إلى تونس لتوضيح الموقف الليبي والحكومة ساعية لبناء علاقات طيبة مع دول الجوار بعيدا عن كيل الاتهامات والخلط بين السياسة والإرهاب، حيث قال في هذه الكلمة: “إننا فطنّا جيدا بالألاعيب الدولية ولا نقبل تكرار المشاهد السابقة ولن يضحك علينا أحد مرّة ثانية”. 

ويبدو أن الأمور الآن تسير نحو فتح الحدود مجددا بعد تبرأ ليبيا من تهم “الإرهاب” وتعلل تونس في قرار الغلق بالإجراءات الاحترازية لمجابهة وباء كورونا، حيث أكد الملحق الإعلامي بالسفارة الليبية في تونس جمال الكفالي، أن الحدود التونسية الليبية مؤمّنة بشكل كامل من قبل قوات الجيشين التونسي والليبي، نافيا الشائعات المتداولة حول تسلل إرهابيين لتونس.

وأضاف الكفالي في مداخلة في قناة ليبيا الأحرار، أن الجانبين التونسي والليبي يعملان حاليا من خلال اللجان المشتركة على توحيد الجهود والتنسيق فيما بينهما بشأن البروتوكول الصحي على المنافذ، من أجل إعادة فتح المعابر الحدودية واستئناف الرحلات الجوية بين البلدين خلال الأيام القادمة.

وأشار الكفالي إلى أن وجود الوفد الوزاري الليبي في تونس، كان تتويجا لعدة اتصالات ببن البلدين لنفي الإشاعات وتأكيد أن العلاقات بين البلدين والشعبين الشقيقين علاقات أخوة وجوار.

ورغم كل محاولات التطمين الرسميّة، والتأكيد على أن الوثيقة “السرية” المسربة تتضمن إشاعات لا وجه لها من الصحة، فإن بعض القنوات مستمرة في ضخ المادة الإعلاميّة التي تحاول إقناع مشاهديها بأن هناك مؤامرة حقيقية تحيط بالرئيس قيس سعيد قصد اغتياله، وذئاب منفردة تتربص به انطلاقا من ليبيا، حيث صرح النائب في البرلمان الليبي علي التكبالي بأن مسؤولا ليبيا كبيرا “متورط في محاولة اغتيال الرئيس التونسي قيس سعيد”.

وأفاد علي التكبالي في تصريحات عبر قناة العربية أن هناك شخصية سياسية ليبية موالية لتركيا ومتواجدة في الغرب الليبي تسعى لاغتيال الرئيس قيس سعيد، ثم أضاف بأن الأمن التونسي كان على علم بهذه العملية وأن قرار إغلاق الحدود لم يكن عبثا.وأضاف التكبالي أن هناك دواعش يتدربون في ليبيا وأن قاعدة الوطية واقعة تحت سيطرة تركيا، متابعا أن “رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبد الحميد الدبيبة متورط بدوره لأنه قال إن الوطية تحت سيطرة وزير الدفاع الذي يمثله”.

من يقف وراء اللعب بورقة الإرهاب بين البلدين؟

رغم أن جل التصريحات الرسمية صارت تدندن حول الجهة التي تراهن على ورقة الإرهاب في هذه الفترة بالذات دون تسميتها، إلا أن مفتي ليبيا المعزول من مجلس النواب الصادق الغرياني صرح عبر قناة “التناصح” التي يمتلكها وتبث من تركيا أن اتهام ليبيا بأنه يوجد بها في منطقة الوطيةدواعش وإرهابيون وتقديم شكوى للانتربولمن أجل استعداء الدول الكبرى المهيمنة الراعية للمشروع الصهيوني على أهل ليبيا هو عمل غير موفق من الجانب التونسي. 

 وأضاف الغرياني، قائلاً: “هذا الاتهام من حيث موالاته للظالمين ظاهر وواضح لأنه هو الاتهام عينه الذي كان يتخذه (القائد العام للقوات المسلحة المشير خليفة) حفتر شعارا على مدى سنوات لقتل الليبيين بدعم كبير من دول الإمارات وفرنسا”. 

وبغض النظر عن هذه التصريحات، فإن سياق الأحداث يدل على وجود محاولات أمريكية بريطانية للحسم في ملف العلاقة التونسية الليبية تحت مظلة الأمم المتحدة، بعد أن استقر الوضع للأمريكان في ليبيا وسُحب البساط من تحت أقدام الانجليز، وهو ما لم يرق على ما يبدو لفرنسا التي وجدت نفسها خارج اللعبة تقريبا، مما دفعها للمراهنة على ورقة قيس سعيد في سباق مع الزّمن من أجل إعادة ترتيب الأوراق وتقسيم الغنائم في ليبيا، بما يضمن لها نصيبا من الكعكة الليبيّة. 

وليس أدل على هذا السياق، من مسارعة وزير الداخلية الليبي خالد مازن إلى لقاء ممثل الأمين العام للأمم المتحدة لدى ليبيا “يان كوبيش” لبحث نتائج زيارته الأخيرة إلى تونس وما حملته من أهميّة للبلدين خاصة فيما يتعلق بموضوع الحدود وبملفات أمنية أخرى حسب ما ورد على الصفحة الرسمية لوزارة الداخلية الليبية. 

هذا فضلا، عن لقاء وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة بالمبعوث الأمريكي الخاص إلى ليبيا، السفير “ريتشارد نورلاند” على هامش زيارة العمل التي قام بها ‏إلى تونس يوم 23 أوت 2021، حيث استعرض الجانبان آفاق العملية السياسية لحلالأزمةالليبيةتحت رعاية الأممالمتحدة، إلى جانب مساهمة دول المنطقة من خلال الاجتماع الوزاري لبلدان الجوار المزمع عقده بالجزائر.

ويبقى السؤال مطروحا على أشباه الحكام الذين يمارسون وهم الحكم ويتظاهرون يوميّا بأنهم على دراية بالألاعيب الدوليّة وبحقيقة الإرهاب الدّولي دون التجرؤ على كشف خيوطه والجهات الراعية له، لسبب بسيط هو استنادهم على أحد أطراف النزاع على بلدانهم وارتماؤهم في حضن جهة استعمارية دون أخرى مع أنّ ملّة الكفر واحدة. قال تعالى: “ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا”. صدق الله العظيم.

المهندس وسام الأطرش

CATEGORIES
TAGS
Share This