تحريم الربا ومعالجة المديونية

تحريم الربا ومعالجة المديونية

 القروض الأجنبية سلاح الاستعمار الجديد

لعل أكبر سلاح تستخدمه الدول الكبرى في هذا الزمان ضد الدول الضعيفة هو سلاح المديونية، فعن طريق القروض الربوية القصيرة والطويلة الأجل يتم ربط الدول الضعيفة بعجلة الدول الغنية، فلا تملك الانفكاك عنها لأنها تستنزف ما يزيد عن ثلث دخلها في سداد القروض وخدمة القروض كما هو الحال في بلادنا، حيث صرح زوير العلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الانسان المستقيل مهدي بن غربية للقناة الفرنسية فرانس24، في 12 جانفي 2018، أن 75% من القروض التي تحصلت عليها تونس سنة 2017 وقع صرفها لخدمة الدين الخارجي.

ووفقا لبيانات وزارة المالية التونسية، تصل قيمة خدمة الدين في موازنة العام المالي لسنة 2018 إلى 7.972 مليارات دينار، منها 5.185 مليارات دينار لسداد أصل الدين ومبلغ 2.787 مليار دينار لسداد الفوائد.

مديونية هائلة واستسلام للأجنبي

وتمضي الأيام وتمر السنون وتجد الدول الضعيفة نفسها غارقة في بحر هادر من القروض القديمة والجديدة وفوائدها، فمع نهاية العام المالي لسنة 2018، وصل قيمة إجمالي ديون تونس إلى أكثر من 76 مليار دينار (زهاء 29 مليار دولار)، تمثل أكثر من 71% من الناتج المحلي الإجمالي.

وكلما همت الدول الضعيفة بالانعتاق من ديونها أغرتها الدول الغنية بقروض جديدة، وهكذا تستمر العلاقة بين الدول الغنية والفقيرة حتى تدرك الدول الفقيرة أنها لا تملك الانفلات من تبعيتها لها، فتسلم زمام أمورها لها بشكل تام.

مبررات المديونية والخضوع

غير أن أخذ تونس للقروض على شكل يربطها بالدول الاستعمارية ومؤسساتها المالية، لا بد أن توجد له مبررات يمكن تسويقها لدى الناس، ومن أجل ذلك أوجدوا الرأي العام عن التنمية الاقتصادية في البلاد وبخاصة في المناطق الداخلية والمحرومة، لإيجاد حافز عند أهل البلاد لرسم المخططات الاقتصادية، والتنمية الاقتصادية، أي لأخذ الأموال الأجنبية ولا سيما الغربية، ليجري بواسطتها فرض السيطرة على هذه البلاد لاستغلالها.

ولا أدل على ذلك مما قاله وزير التنمية والاستثمار والتعاون الدولي زياد العذاري، يوم السبت 28 جويلية 2018، في ختام الجلسة التي صادقت على قانون اتفاق القرض المبرم في 29 جوان 2018 بين تونس والبنك الدولي لتمويل برنامج دعم الميزانية بقيمة 1280 مليون دينارا، أي ما يعادل 492 مليون دولار، “إن إيقاف التداين الخارجي في تونس يشكل تعطيلا لعجلة التنمية”، داعيا المشككين في الاقتراض إلى تقديم حلول غير التوجه الى الاقتراض. وقد كرر هذا القول في نفس المجلس في أواخر 2018.

ولهذا فإن التداين من الخارج من أجل التنمية الاقتصادية، هي جريمة كبرى يراد منها فتح الطريق للأموال الأجنبية لتحل محل الجيوش والقوى العسكرية في فرض السيطرة على البلاد.

القرض الممدد واملاءات صندوق النقد الدولي

ومن آخر ما حصل من قروض بين تونس وصندوق النقد الدولي، ما يسمى بالقرض الممدد، والذي تبلغ قيمته 2.9 مليار دولار يقدم على أقساط كل ثلاثة أشهر إلى غاية 2020، حيث أصبحت وفود صندوق النقد الدولي بقيادة روتر بيورن لا تكاد تغادر البلاد، لرفع التقارير حول مدى التزام تونس باملاءاته.

فقد اتخذ صندوق النقد الدولي من القرض الممدد وسيلة فعالة لإخضاع الحكومة وجعلها فاقدة للإرادة السياسية ، بحيث لا تخطو أي خطوة إلا وفق توصياته، وأي خروج عن الخط المرسوم يؤدي إلى حجب القسط القادم من القرض الممدد، فتونس لم تتحصل على الأقساط الخمسة السابقة على سبيل المثال، إلا بعد سير الحكومة قدما في الإصلاحات الكبرى وعلى رأسها:

  1. تخفيض سعر الدينار مقابل الدولار، فقد خسر الدينار أكثر من 50% من قيمته في أربع سنوات، وهو ما أدى إلى ارتفاع أسعار السلع بسبب انخفاض القيمة الشرائية للعملة المحلية. وبالمقابل لن تستفيد الصادرات التونسية من انخفاض العملة، بسبب قلتها، وكل ما هنالك أن هذا سيؤدي إلى بيع طاقات وثروات البلاد بسعر زهيد.

  2. الضغط على النفقات العمومية، لرفع الأعباء عن الميزانية ويكون بغلق باب الانتداب في المؤسسات العمومية وتجميد الأجور وتخفيض أو إلغاء المصروفات والخدمات التي تقدمها الحكومة للناس، مما يزيد في تكاليف الحياة على الأفراد.

  3. زيادة أسعار المحروقات، وهذا يزيد الأسعار في البلد من مواصلات إلى غلاء في المعيشة، وركود اقتصادي، وتضخم في العملة.

  4. زيادة موارد الميزانية عن طريق فرض الضرائب، مما يزيد الأسعار، فيلحق الضرر بالمستهلك والمنتج حيث يقل الإقبال على السلع فيلحق الضرر بالمنتِج، ويزيد الأعباء على الناس، فالنظام يعيش على دماء الرعية، قال صلى الله عليه وسلم :”إن من أعظم الخيانة أن يتاجر الراعي في رعيته”.

  5. الخصخصة، وذلك ببيع المنشات والمؤسسات العامة للقطاع الخاص (خاصة للشركات الأجنبية) لتمويل الموازنة، وهى سياسة فرضها هذا الصندوق الاستعماري، وهي أبرز ما يتناوله برنامج الإصلاحات الكبرى الذي قدمه يوسف الشاهد قربانا لصندوق النقد الدولي، حيث وقع التفويت في 14 بنكا، ويجري العمل قدما على التفويت في مصانع الاسمنت والحديد والتبغ والمؤسسات الخدمية وغيرها، واللائحة قد تطال 104 مؤسسة حكومية.

  6. وضع برنامج تقشف تلتزم به الدولة، ويشمل ذلك رفع نسبة الربا، زيادة الضرائب، تخفيض المصاريف على البحث العلمي، زيادة التعرفة الجمركية للسلع من بينها سلع أساسية وغذائية وضرورية، تقليص النفقات، مما من شأنه تحميل الناس فوق طاقتهم.

جريمة السلف يستنسخها الخلف

اتجه الباي في تونس للاستدانة من أوروبا، وفي أقل من سبع سنوات بلغ الدين مائة وخمسين مليون فرنك فاتخذت الدول الأوروبية ذلك حجة للتدخل واقترحت فرنسا تشكيل لجنة مالية ووافقتها إنجلترا وإيطاليا وصدر مرسوم من الباي سنة 1870 بتشكيلها من فرنسيين وإنجليز وإيطاليين يرأسها موظف تونسي وجعلت مهمتها توحيد الدين وتحديد الفوائد وإدارة المرافق التي خصصت لهذا الدين. وعن هذا الطريق وصل الفرنسيون لاستعمار تونس. وكانت هذه على العموم طريقة الدول الغربية.

واليوم يسير حكام تونس على نفس منوال سلفهم في بيع البلاد ومقدراتها للأجنبي ووضع الأجيال القادمة في حالة من التبعية لا انفكاك منها، ولا خلاص لنا إلا بمشروع حضاري من خارج المنظومة الغربية، حتى نستطيع استرجاع سيادتنا وامتلاك قرارنا، وبالتالي إنفاق الأموال على المشاريع المنتجة التي توفر المال الكافي لرعاية شؤون الناس.

 ولن يكون هذا إلا تغيير النظام الرأسمالي العلماني بنظام الاقتصاد في الإسلام الذي يقضي على أساس الفساد، التي نبتت منها كل الشرور، من مؤسسات ربوية، ونظام احتكاري، وتحكمات اقتصادية…

 المديونية جريمة منع الإسلام ارتكابها

 ومن رحمة اللـه سبحانه وتعالى علينا أن ديننا الإسلامي قد حمانا من هذا الوباء ووفر على أمتنا مثل هذه المطبات المالية المهلكة، فبتحريم الربا في الإسلام فإن هذا السلاح اللعين يُرَدُّ بكل بساطة على أهله ويتحرر المسلمون منه تحرراً كاملاً، ولا يضيق المجتمع والأفراد والدولة بعبء المديونية الثقيل الذي يغرق من يتعامل به في بحر لجي من الظلمات الاقتصادية القاتمة.

سداد الديون

أما علاج المديونية فيكون بالامتناع عن تسديد فوائد الدين (الربا) والاقتصار على تسديد أصل الدين، لأن الفوائد ربا، والربا حرام في ديننا، ويمكن تسديد أصل الدين من فائض أموال كل من شارك في الحكم منذ الاستقلال وتسبب في رهن البلاد، فكل من شارك في الحكم ولوحظ عليه الثراء بسبب موقعه في الحكم يؤخذ ما زاد عن حاجته، لأنه ألحق ضررا بالناس برهنه البلاد، والضرر وجب رفعه ويتحمل تكاليف إزالته كل من شارك في جلبه وهم الحكام وحاشيتهم من رؤوس المال الفاسدين.

أما مسألة الاستثمار وتمويل المشاريع فهو ما سنتناوله في العدد القادم بإذن الله.

والحمد لله القائل: {و من أحسن من الله حكماَ}

د. الأسعد العجيلي

CATEGORIES
TAGS
Share This