أظهر الجدل السياسي حول موضوع تغيير النظام الانتخابي والفرق بين النظام البرلماني والرئاسي ان جماعة قصر قرطاج تبذل أقصى جهودها في مغالطة الرأي العام وصرف الاذهان عن السبب الحقيقي وراء عجزها وفشلها الكامل على حكم البلاد وإدارة شؤونها.
فالأزمة الاقتصادية والمالية المتفاقمة لا تحتاج الى بيان بعد ان أدت سياسة الخضوع للتوصيات الخارجية من الاتحاد الاوروبي وصندوق النقد الدولي الى حالة من الافلاس الغير المعلن, وهاهي الحكومة تعلن عبر شبكات التواصل الاجتماعي عن نيتها ببيع ما تبقى من مؤسسات بالبلاد كشركة الخطوط التونسية وشركة الكهرباء والغاز وشركة التبغ والوقيد تحت مسمى الاصلاحات الهيكلية.
ولم يكتف المفلسون من جماعة قرطاج والقصبة بجر البلاد الى هاوية الافلاس والفساد الاقتصادي بل سمموا الحياة الاجتماعية بين الرجال والنساء بما املته عليهم الدوائر الاوروبية من شروط بهدف الاستغلال الرخيص والمزايدة على حقوق المرأة في ما يتعلق بقوانين العنف ضد المرأة والمساواة في الميراث والسماح بزواج المسلمة من الكافر, وكل هذا تحت عنوان مقاومة التمييز ضد المرأة في حين تسمح قوانينهم بسجن الفتيات الشابات من اجل تدوينة على الفيسبوك.
اما عن الخدمات المتعلقة بالصحة والتعليم فالكل يعلم ان الاذعان الى الخطوط الحمراء التي فرضها صندوق النقد الدولي والمتعلقة بتحديد سقف الانفاق والانتدابات في هذه القطاعات أدى الى تدني مستوى الخدمات وتراكم المشاكل وهجرة كبار الكفاءات وسط لا مبالاة المسئولين بوضعية القطاعات المنكوبة ولا بتحركاتهم الاحتجاجية.
الدولة الفاشلة وسياسة الالهاء
لقد اصبح فشل حكام تونس في تقديم اية اصلاحات ايجابية او حتى ايقاف التدهور الحاصل مثالا دراسيا للدولة الفاشلة, فالأزمات شملت كل القطاعات والوضع الداخلي يغني عن اي توضيح والوضع الخارجي يتردد صداه على وقع تصنيفات القوائم السوداء للجنات الضريبية وتبييض الاموال وتمويل الارهاب. ولو كان لهذه الدولة سيادة حقيقية , ولها حزام من المفكرين المخلصين من ذوي العقول الرشيدة لكان هذا الوضع الكارثي دافعا لها نحو مراجعة عقلانية عميقة لسياستها وتقييم العلاقة مع الاتحاد الاوروبي واتفاقيات الشراكة المبرمة معه منذ عشرات السنين, وتقييم سياسة الاصلاحات الهيكلية مع صندوق النقد, واتخاذ قرار بإيقاف كل تلك الاتفاقيات بناء على مصلحة الامة سياسيا وحضاريا.
لكن ما نشهده خلال هذه الفترة هو عكس ذلك تماما, فقد عمد الحزب الحاكم وجوقته الاعلامية الى اعتماد سياسة المغالطة والإلهاء واستغفال الجماهير وذلك عبر اثارة فقاعات اعلامية كالحديث عن تغيير النظام الانتخابي وعن الفرق بين النظام البرلماني والرئاسي واثر ذلك على الحوكمة الرشيدة, وكأن حكام تونس تعودوا استشارة ممثلي الشعب المنتخبين قبل اتخاذ القرارات السيادية والاتفاقيات الدولية مثل اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي او صندوق النقد الدولي.
التغيير الشامل للنظام السياسي هو الحل
ان الازمة التي تعيشها تونس بهذا الشمول الواسع لكل المجالات وبهذا الاختراق الفاضح للنفوذ الأجنبي وبهذا الاستمرار منذ التأسيس على يد وكيل الاستعمار الاول “بورقيبة” , هذه الازمة لا يمكن اصلاحها بحلول ترقيعية جزئية بل لا بد ان يكون هذا الاصلاح جذريا وشاملا, وذلك بتغيير الاساس الفكري والعقائدي الذي بنيت عليه جميع المفاهيم والقوانين المطبقة في تونس. فهذه الدولة بناها الاستعمار الفرنسي بعد ان اقتطعها من محيطها ليكون سبب وجودها هو التبعية للغرب سياسيا وحضاريا, ولتكون السيادة العليا فيها للمفاهيم اللبرالية الرأسمالية على حساب كل ما دونها وخصوصا عقيدة وحضارة الامة الاسلامية.
ان المفاهيم والقناعات المؤسسة لدولة الاستعمار والتي يروج لها على انها قيم ” كونية ” هي في حقيقتها قيم غربية استعمارية جُعلت لخدمة النفوذ الغربي وهي السبب في ما نعيشه من اوضاع كارثية. ولن يتحقق التغيير الشامل لأوضاعنا الحالية إلا بالتحرر من التبعية السياسية والحضارية للغرب بقيمه النفعية المادية الميكيافلية , ونظامه الرأسمالي الربوي المتوحش, و اباحيته الغرائزية البهيمية, ثم العودة الى قيمنا الذاتية المستمدة من العقيدة الاسلامية ونظامنا الاقتصادي الذي يضمن حق الافراد والجماعات في الملكيات حتى لا تكون دولة بين الأغنياء ويصون كرامة الرجل والمرأة بأحكام الاسلام بعيدا عن المزايدات الرخيصة التي لا تخفى اغراضها.
فالجدية في التفكير تؤدي الى مراجعة السياسات ودراسة الاسباب للوصول الى حلول , أما إشغال الناس بالقضايا الوهمية المفتعلة ومغالطة الرأي العام واعتماد سياسة الهروب الى الامام فلن يزيد هؤلاء السياسيين إلا نقمة من قبل شعوبهم ليكون مصيرهم كمن سبقوهم مزبلة التاريخ .