تفعيل الإستشارة الوطنية رغم الرفض العارم
انطلقت “الاستشارة الوطنية” الإلكترونية التي قدمها الرئيس التونسي قيس سعيّد على أنها المرحلة الأولى من مشروعه السياسي، منتصف جانفي ولم يتجاوز عدد المشاركين بها 534 ألف، وهو ما يعكس عدم اهتمام المواطنين المنشغلين بتدهور أوضاعهم المعيشية والاجتماعية.
وللتذكير فإن العدد النهائي للتونسيين الذين يحق لهم الانتخاب كان قد بلغ في العام 2019، 7 ملايين و155 ألف ناخب، وفق بيانات الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، وبالتالي يمثّل عدد المشاركين على موقع الاستشارة الإلكتروني نحو 6% من الجسم الانتخابي.
وقد سلّم وزير تكنولوجيات الاتصال التونسي تقريراً حول نتائج الاستشارة لرئيس البلاد قيس سعيد حيث:
– بلغ عدد المشاركين فيها 534 ألفا و915 شخصا.
– أظهرت النتائج رغبة 86.4 بالمئة من المشاركين (أي 462166 شخصا أي ما يمثل 6.4 بالمئة ممن يحق لهم التصويت) في التحول إلى نظام رئاسي في البلاد.
– اختار 60.8 بالمئة (أي 325228 شخصا أي ما يمثل 4.5 بالمئة ممن يحق لهم التصويت) تعديل القانون الانتخابي، و44.4 بالمئة (أي 237502 شخصا أي ما يمثل 3.3 بالمئة ممن يحق لهم التصويت) تعديل قانون الأحزاب
– فضّل 38 المئة من المشاركين (أي 203267 شخصا أي ما يمثل 2.8 بالمئة ممن يحق لهم التصويت) تعديل الدّستور الحالي مقابل 36.5 بالمئة (أي 195243 شخصا أي ما يمثل 2.7 بالمئة ممن يحق لهم التصويت) صوّتوا لوضع دستور جديد.
وستتبع هذه الاستشارة، عملية تأليف لمختلف آراء المشاركين فيها وذلك لتجسيد المقترحات المُعبّر عنها في الاستشارة في نصوص قانونية من قبل لجنة، وفق ما صرح به رئيس الدولة في 13 ديسمبر 2021، لدى إعلانه عن رزنامة المحطات السياسية القادمة والتي انطلقت بتنظيم استشارة شعبية الكترونية.
وبالرغم من الهزة العنيفة التي تلقاها الرئيس ومن يدعمونه جراء النتائج المخيبة للآمال الحاصلة من الإستشارة وإعراض الناس عنها إلا أنهم لا يزالون مصرين على المضي قدما في استثمار نتائجها الضئيلة جدا والعمل بالمخطط والبرنامج المرسوم سلفا.
إن رسائل الشعب قد بلغت حاكم تونس ومفادها أن الشّعب لا يرى خيرا في النظام العلماني البرلماني ولا في النظام العلماني الرئاسي فكلاهما وجه قبيح للديمقراطية خبرته جموع الناس عبر سنوات من الحكم الجبري الذي مارسه عملاء الاستعمار بدءا من بورقيبة وانتهاء بمن ورث الحكم اليوم.
ماعز ولو طارت:
كان حريّا بالرئيس بعد إجراء الإستشارة الشعبية وهو صاحب شعار “الشعب يريد” أن ينزل عند رغبة الجماهير التي رفضت مخرجات هذه الإستشارة وقالت كلمة الفصل فيها وهي: “مللنا النظام العلماني الديمقراطي ونبحث عن بديل كفيل بإخراجنا من بوتقة الفقر والضنك وننتظر مقترحا لنظام الحكم على غير شاكلة ما اعتدنا عليه وبات عاملا مؤرقا لحياة الناس…” كان حريا بالرئيس أن ينزل صاغرا عند إرادة الناس التي صوّتت له ذات يوم، ظنا أنه مُخلّصها, لكن يبدو أن شعار الرئيس “الشعب يريد” لم يكن إلا حصان طروادة ليبلغ المستعمر ما خطط له: القضاء على ما تبقّى من نفس ثوري وضرب معنويّات الشّعب وتركيعه للقبول بالعلمانيّة والرّضا بالوسط السياسي العميل.
فمن خلال القراءة المُعوجة لنسب التصويت يظهر بوضوح:
*أنّ تغيير نظام الحكم من برلماني إلى رئاسي، بقطب واحد يكون فيه البرلمان مجرد رجع صدى لصوت الحاكم الأوحد، الذي يسهل على المستعمر تسييره من وراء ستار أو من أمامه (لا فرق)، مع أن النظام الديمقراطي لا فرق فيه بين الرئاسي والبرلماني في الإجرام والبطش فكلاهما سواء حصل فيهما التفرد بالحكم أم التشارك، بقطب واحد أم بعدة أقطاب، نظام تابع لا يأتي من ورائهما أي خير أبدا.
*تعديل القانون الانتخابي وجعله على المقاس، لإفراز مشهد سياسيّ يبدو في الظّاهر جديدا لكنّه في حقيقته ترسيخ للمشهد القديم الذي أسّس له المستعمر منذ بورقيبة
*تعديل قانون الأحزاب لكي لا يبقى في الساحة السياسية إلا الأحزاب التي تخدم الأجندات الغربيّة، والغاية من هذا التعديل هو بالأساس فتح الأبواب مشرعة للنشاط الحزبي على أساس علماني لائكي والتضييق والمنع في حق كل نشاط حزبي على أساس الإسلام يستهدف التغيير الجذري على أساس الإسلام بإقامة حكم راشد ولعل تصريح أمين محفوظ أستاذ القانون الدستوري الذي قال فيه أنه لا مجال لذكر الإسلام في بنود الدستور كونه دين الدولة فالدولة لا دين لها (مع يقيننا أنه إنما وُضع بداية للمخاتلة فقط)، فيه إشارة إلى علمانية الدولة وقطعها مع دين الناس.
*تعديل الدستور في بعض الجزئيات والفروع فقط لكن الدستور بما هو مجموعة القواعد الأساسية التي تبين شكل الدولة ومصادر الأنظمة فيها ومدى سلطتها إزاء الأفراد، فهذه ستبقى على حالها منذ نشأت منذ عهد الأمان زمن الإستعمار الفرنسي إلى غاية دستور 1959 ثم دستور 2014 فالرئيس قيس سعيد سائر بإخلاص في حماية الإرث البورقيبي والوفاء للغرب في إنفاذ قيمه ودساتيره ويبقى ما يزعمه من إصلاحات لمجرد ذر الرماد في العيون وبذلك يحافظ على البيت العلماني من التصدع مع بعض تمويهات بالتغيير تُكسبه بعض الوقت في خداع الناس التي تتحرك بمشاعر منزوعة العقل والتفكير.
إن حكام الأمس وحكام اليوم كما دساتير الأمس ودساتير اليوم كما النظام الرئاسي والنظام البرلماني كلها تصدر من مشكاة الحكم العلماني الديمقراطي الذي ذاع صيته في الفشل والإجرام والتضييق على حياة الناس وآن للناس الإعراض عنه.
إن الوعي السياسي والذي هو النظر للمسائل من خلال زاوية معينة ووجهة نظر تجعل صاحبه بمنأى عن كل محاولة خداع ولو كان للناس بعض وعي لسهل عليهم الحكم على كل من يحاول امتطاء الظهور ولرموه عن قوس واحدة من محاولته الأولى فصاحب الوعي عصي عن الخداع.
إن الأمل في أمة الإسلام كبير وقد بدأت تتحسس طريقها نحو الخلاص بعد انكشاف العملاء ومخاتلتهم وخداعهم وكذبهم، وباتت مدركة لوجهة خلاصها وضرورة فكاكها من هذا المستعمر وأدواته المحلية القذرة وصار لها عنوانا بارزا تعمل له وتسعى به وهو استئناف الحياة الإسلامية وإقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة،وإنها مسألة وقت فقط لتكنس كل الماكرين وتقيم دينها من جديد كما كان .
قال تعالى: “أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ, وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُون”.
أ، علي السعيدي
CATEGORIES محلي