تقرير مجموعة الأزمات حول تونس: الهروب إلى الوراء
نشرت مجموعة الأزمات الدولية على موقعها على الانترنت يوم 11 جانفي 2018 تقريرا حول تونس بعنوان “منع الانجراف السلطوي في تونس”. هذا التقرير الذي صدر بمناسبة الذكرى السابعة للثورة قدم المشهد السياسي على نحو مغاير لما تسعى السلطة إلى إبرازه عبر الدعاية الكاذبة والنرجسية المفرطة.
فقد اكد التقرير أن البلاد تشهد عودة تدريجية للنهج التسلطي الاستبدادي وكأنه حنين إلى ما كانت عليه البلاد زمن “بن علي”, وقد ابرز التقرير جانبا من سلوك ” الباجي قايد السبسي”, والحالة التي عليها مجلس نواب الشعب لتأكيد النهج التسلطي للدولة.
الرئيس أول خارق للدستور
ففي ما يخص “السبسي” بين التقرير أن البلاد تُدار وكأنها في نظام رئاسي, في مخالفة واضحة للدستور الذي كتب منذ فترة قليلة, وأن تدخلاته المتكررة شجعت العديد من أتباعه في حزب ” نداء تونس” على المطالبة بإجراء تعديلات على فصوله بهدف توسيع صلاحيات الرئيس, في حين أن الكثير من مواد هذا الدستور لم تطبق بعد مثل إنشاء المحكمة الدستورية. وقد ذكر التقرير أيضا أن “السبسي” بتدخلاته المتكررة أصبح يشرف على كل القضايا ذات العلاقة بالأزمات الحاصلة في البلاد, وانه يقوم بمبادرات منفردة من اجل دعم موقع حزبه ضد “حركة النهضة”, و يفتعل في بعض الأحيان تصعيد حالة الاستقطاب معها متزعما بحزبه “نداء تونس” معسكر الحداثة. كما ذكر التقرير بأنه كان وراء الدعوة إلى “حكومة الوحدة الوطنية” وانه وراء فرض “يوسف الشاهد” رئيسا للحكومة بعد الإطاحة بحكومة “الحبيب الصيد”. ولكن رغم ذلك فان لقاءاته مع مختلف السياسيين والمسئولين والنقابيين لم تتوقف من اجل أن يبقى المسيطر على كل مجريات الحكم.
مجلس نواب صوري
أما في ما يخص مجلس النواب, فقد بين التقرير أن البحث عن التوافق بين كلا من “السبسي” و”الغنوشي” قبل تناول أي مشكلة مهما كان صغرها, جعل من أعمال مجلس النواب مجرد شكليات, بل أن المجلس أصبح مجرد مكتب تسجيل للقرارات السياسية الصادرة عن الحكومة كما كان زمن “بن علي”.
فمعظم النواب بالمجلس لا يمتلكون تصورا واضحا عن أعمالهم, وجدول أعمال المجلس يُفرض عليهم في أوقات ضيفة ودون اعتراض منهم, وتدخلاتهم شكلية للزينة, ومواقفهم تتغير بمكالمة تلفونية.
بعد هذه الصورة السوداوية للوضع السياسي في تونس يخلص التقرير إلى القول بان تعطيل إنشاء المحكمة الدستورية وزيادة الاستقطاب السياسي والتوجه القمعي التسلطي من جانب الحكومة هو عبارة عن هروب إلى الوراء وحنين إلى عهد الدكتاتورية زمن ” بن علي”, وأن هذا سوف يزيد في حالة الاحتقان وتردي الأوضاع والقلاقل الاجتماعية.
هذا بعض ما جاء في تقرير مجموعة الأزمات الدولية وهو مركز بحثي يتخذ من السياسة والحضارة اللبرالية الديمقراطية مصدرا لتقييم الأزمات في العالم. لذلك فهو شهادة من الغرب على ما سمي ” الانتقال الديمقراطي” في تونس. ويأتي هذا التقرير في الذكرى السابعة للثورة والبلاد تشهد احتجاجات عامة بسبب الفقر والتهميش وغلاء الأسعار، وليس هناك من شهادة على موقف الناس من أداء الحكومة وسياستها أكثر مما شاهدناه خلال هذه الأحداث.
الديمقراطية المشروطة
وبعد هذه الشهادة بالفشل المزدوج سياسيا واقتصاديا يتبين مرة أخرى لكل عاقل أن أي نظام مفروض على الناس ومدعوم من الاستعمار, لن يفلح في إحداث أي نهضة في المجتمع مهما طالت مدة تطبيقه, فالنظام الديمقراطي المفروض في تونس من طرف النخب العلمانية الموالية للغرب يتعارض مع عقيدة الأمة الإسلامية في تونس وحضارتها، لذلك فهو محكوم بالفشل. ومن جهة أخرى فإن الهدف من فرض النظام الديمقراطي في تونس ليس تحرير العمل السياسي والتنافس السياسي الحر والتداول على السلطة بين الأحزاب حسب أوزانها النسبية كما يظن بعض الناس, بل الهدف من تطبيقها في تونس هو تغيير الشكل الخارجي للسياسة، دون تحرير العمل السياسي، ودون اللمس من جوهر السياسة أي تسلطها على الناس وعمالتها للغرب. فالمطلوب هو ديمقراطية تأتي بنخب متغربة خادمة للغرب تطبق سياسته وتمرر مصالحه. لذلك من الطبيعي أن تكون النسخة المطبقة في تونس من الديمقراطية نسخة مشوهة لأنها مشروطة بإنتاج ما يريده المستعمر لا بما يريده الناس، وان يبرز هذا التشويه في مختلف أجهزة الحكم على النحو الذي تبيّن بعض وجوهه في تقرير مجموعة الأزمات.