“تكتيك صنع في تونس” إذا سألوك عن الإصلاحات الكبرى.. فاشغلهم بالمواريث

“تكتيك صنع في تونس” إذا سألوك عن الإصلاحات الكبرى.. فاشغلهم بالمواريث

عندما ينساق الحاكم والمعارضة وبقية النخبة معا إلى طرح الصراعٍ الإيديولوجيٍ مجالا للتنازع ومحلاّ للاستقطاب بدلاً عن التنافس على الكفاءة في رعاية شؤون الدولة ومصالح النّاس فاعلم أن الدولة هي الآن  بلا هويّة وفي أزمة سياسية وتتجه بثبات صوب الانفجار.

يقول من هو في أعلى هرم الدولة (يجب تغيير مجلة الأحوال الشخصية) – بناءً على ما جاء في تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة، ويضيف (نحن ليس لنا علاقة بحكاية الدين أو بحكاية القرآن أو الآيات القرآنية.. نحن نتعامل مع الدستور المتضمن لأحكام آمرة، ونحن في دولة مدنية.. والقول بأن مرجعية الدولة التونسية هي مرجعية دينية يعتبر خطأ فاحشا.. أنا أقترح أن تصبح المساواة في الإرث قانوناً) أي تقنينها.

وفعلا فقد صادق مجلس الوزراء التونسي برئاسة السبسي يوم الجمعة 23نوفمبرعلى مشروع رئاسي يقضي بالمساواة في الميراث بين النساء والرجال، وهو مشروع قانون أساسي متعلق بإتمام مجلة الأحوال الشخصية ويتعلق بإتمام الكتاب التاسع من مجلة الأحوال الشخصية بباب سابع مكرر تحت عنوان أحكام تتعلق بالتساوي في الميراث وفق ما أفاد بيان للرئاسة التونسية صدر في إبّانه وكذلك قرار الرئيس السبسي إحالته على مجلس النواب لمناقشته والمصادقة عليه.

ما أثاره الرئيس هو عينه ما يروج له العلمانيون في تونس، فقد أثار مشاعر كافة مسلمي العالم لا في تونس فقط؛ إذ يطعن مباشرة في حكم من أحكام الله تعالى المتعلقة بكيفية تقسيم الميراث بين الرجل والمرأة.

وما هو جدير بالملاحظة فعلاً،هو أنه في الوقت الذي تطالب فيه الشعوب الإسلامية ومنها الشعب التونسي، خاصة من فئة الشباب، بمستوى معيشي أفضل يضمن لهم، على الأقل، إشباع حاجاتهم الأساسية من مسكن عملٍ وزواجٍ، تطل عليهم حكوماتهم ورؤساؤهم بخطابات وممارسات توسع دائرة الأزمات وتعمقها.

وهذا من قبيل قوله تعالى :(اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ). وقوله عزّ وجلّ : (وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا ) .  لأنّ الذي صار إنّما هوالتشكيك في حكم من أحكام الله غير القابلة للتأويل والطعن فيها؛ وكون أن المسألة لا تتعلق بحكم نابع عن اجتهاد عالم أو جماعة إسلامية ، بل هو حكم الله سبحانه لا يحتاج لتبرير من قبل المسلمين وغير قابل للتأويل، وهذا يدلّ على أنّ البلاد قائمة على توجه علماني مصرّ على إبعاد شرع الله تعالى عن أن يكون مطبّقا بل يتجاوزه إلى أبعد من ذلك إلى الغلوّ في التمسّك بهاته العلمانية حين تضرب القاعدة العقائدية للمسلمين في بلادهم و الخلفية الفكرية لكلّ مشروع حضاري يريد النهضة بهاته الأمّة والإرتقاء بها قائدة للبشرية جمعاء بتبنيها مشروع الخلافة العظيم محرّرة العالم من ظلم واستعباد الأنظمة الرأسمالية الغاشمة الجاثمة فوق صدور الشعوب بالحديد و النار مرّة والخداع و الضلال مرّة أخرى .

الاصلاحات الكبرى في تونس: إعادة انتاج الفشل والخراب

وفي سياق متّصل بالمغالطات أكد الوزير المكلف بالإصلاحات الكبرى لدى رئيس الحكومة السيد توفيق الراجحي “أن تونس دولة الاصلاحات الكبرى بامتياز” وذلك في معرض ردّه على اسئلة النواب المتعلقة بمشروع ميزانية رئاسة الحكومة في جلسة يوم الثلاثاء 27 نوفمبر وكرّر الوزير كلمة «اصلاحات» في كل فقرة وفي كل جملة وايضا في كل كلمة لنخرج بقناعة وحيدة أنّ تونس هي نموذج ناجح «لإصلاحات كبرى» هذه «الاصلاحات الكبرى» والتي بفضلها انزلق الدينار الى أدنى مستوياته، وتدهور الاحتياطي من العملة الصعبة في البلاد الى أضعف المستويات، وارتفعت نسبة الفائدة المديرية الى مستوى غير مسبوق، وتفاقم عجز الميزان التجاري إلى مستويات قياسية، وارتفعت نسبة البطالة وهجرة الشباب الى الخارج، وتدهورت المقدرة الشرائية للمواطن الذي أصبح عاجزا عن توفير الحليب والتعليم والادوية لأبنائه .

هاته الاصلاحات الكبرى هي في تقديره من أجل تمرير القوانين التي ستتقدم بالبلاد “خطوات عملاقة “على غرار قانون النظام الاساسي للبنك المركزي الذي سلب هذه المؤسسة النقدية صلاحية تمويل ميزانية الدولة والدفع بها الى أحضان البنوك الأجنبية للاقتراض بنسبة فائدة عالية إثقالا للميزانية بأعباء مالية إضافية، فبفضل هذه «الاصلاحات الكبرى» ارتفعت نسبة الدّين الخارجي مستويات عالية .

هاته الاصلاحات الكبرى هي اجراءات وخيارات، تداعياتها سلبية لم تساهم في إنقاذ الاقتصاد و المقدرة الشرائية والضغط على ارتفاع الأسعار كما عمّقت عجز الميزان التجاري وميزان الدفوعات، وزال الإعلام عن مزيد من “الإجراءات المؤلمة ” في قادم الأيام مقابل تسريح صندوق النقد الدولي  للقسط الخامس من قرض تسهيل الصندوق الممدد لتمويل ميزانية الدولة.

وهكذا فحكّام تونس فاشلون ، هم كباقي حكّام المسلمين لم يستطيعوا أن يدركوا تطلّعات شعوبهم ولا أن ينطلقوا من ثوابتهم وعقيدتهم، وإن حكموا فنيابة عن غيرهم و قدّموهم عن مصلحة شعوبهم ،فيتحوّلون بذلك من جزء من الحلّ والصّلاح كما هو مأمول نظريا إلى جزء من المشكل والأزمة، فآن لهم أن يتقهقروا ويأفل نجمهم فهم ليسوا فقط جزء من المشكل والأزمة هم صميم المشكل والأزمة.

محمد زروق

CATEGORIES
TAGS
Share This