تونس، بين حضور القبضة الأمنية وغياب الأمن القومي

تونس، بين حضور القبضة الأمنية وغياب الأمن القومي

 انطلقت يوم الأربعاء 2 مارس2022، تحت رعاية الرئيس قيس سعيّد رئيس الجمهورية التونسية، الدورة التاسعة والثلاثون لمجلس وزراء الداخلية العرب، وقد تفضلت رئيسة الحكومة نجلاء بودن رمضان بافتتاح أعمال الدورة وألقت كلمة قيمة في مستهلها، كما تحدث أيضاً في جلسة الافتتاح الأمير عبد العزيز بن سعود بن نايف بن عبدالعزيز آل سعود، وزير الداخلية في المملكة العربية السعودية، الرئيس الفخري لمجلس وزراء الداخلية العرب، والدكتور محمد بن علي كومان الأمين العام لمجلس وزراء الداخلية العرب، وهو بالمناسبة أمين عام هذا المجلس منذ عهد الطاغية بن علي.

وشارك في الدورة وزراء الداخلية العرب، وممثلون عن عدد من المنظمات العربية والإقليمية والدولية، بالإضافة إلى وفود أمنية عربية رفيعة المستوى. 

وألقى عدد من الوزراء كلمات تطرقوا فيها إلى التهديدات الأمنية التي تواجه المنطقة العربية، وفي مقدمتها الإرهاب والمخدرات وجرائم تقنية المعلومات، والهجرة غير الشرعية وسائر أنماط الجريمة المنظمة عبر الوطنية، والظروف التي تمر بها المنطقة العربية اليوم بسبب جائحة كوفيد19، مؤكدين الحرص على مواصلة العمل على تعزيز وتطوير مسيرة العمل الأمني العربي المشترك، وتحقيق المزيد من الانجازات لما فيه توفير الأمن والاستقرار للشعوب العربية كافة.

—–

بمثل هذا الكلام المنمق، تمت تغطية الدورة 39 لمجلس وزراء الداخلية العرب، التي سبقتها اجتماعات مكثفة في مقر وزارة الداخلية مع عدد من السفراء الأجانب، من بينهم سفير أمريكا وسفير فرنسا، كما كان لوزير الداخلية توفيق شرف الدين لقاء مع سفير مصر بتونس إيهاب مصطفى فهمي الذي يقود حملة لمكافحة الإرهاب والتطرف في العالم العربي تحت مظلة الأمم المتحدة ضمن منصبه كنائب مُساعد وزير الخارجية مدير وحدة مُكافحة الإرهاب الدولي. 

وإذا عدنا إلى كل هذه اللقاءات وإلى اجتماع مجلس وزراء الداخلية العرب، نجد أنها لا تكاد تخلو من الحديث عن مجابهة الإرهاب والتطرف، وفق نفس المفهوم والرؤية التي وضعتها أمريكا لهذا المصطلح كغطاء لإعلان الحرب على الإسلام كنظام للحياة والمجتمع والدولة.

في هذا السياق، تتالت دعوات تجفيف منابع الإرهاب والقضاء على الظاهرة الإرهابية (التي صنعتها المخابرات الدولية) من جذورها، وذلك من خلال مراقبة شبكات التواصل الاجتماعي وتعقب أصحاب دعوات التطرف و”الإرهاب” وتعديل مناهج التعليم نحو مزيد من الحداثة والانفتاح على الحضارات الأخرى، ونحو تجديد الخطاب الديني.

ولذلك لم يفت الرئيس قيس سعيد نفسه خلال لقائه الأخير برئيسة الحكومة نجلاء بودن لدى استقبالها بقصر قرطاج أن يؤكد على ضرورة تحقيق الأمن والقضاء على الإرهاب من جذوره عبر تجديد الخطاب الديني، ما ينسجم ويتوافق مع الرؤى الغربية بزعامة أمريكا التي ترى أن الإرهاب مصدره إسلامي، وقادحه هو الخطاب الديني الذي تعتمده الجماعات الإسلامية الراديكالية.

إن الحديث عن الأمن القومي لبلدان العالم الإسلامي، يجب أن ينطلق من أسس ذاتية جامعة، بما يحقق السيادة والريادة والتقدم على جميع المستويات والأصعدة، ويجب أن يمر عبر تحقيق الحصانة الذاتية التي تمنع كل أنواع الإختراق الأمني، سواء على المستوى الميداني أم على المستوى السيبراني، أما تناول موضوع الأمن وفق مفاهيم ومصطلحات يضعها أعداء الأمة، وتناول ظاهرة العنف المسلح وفق تعريف الأمريكان للظاهرة الإرهابية التي قامت بنشرها وعولمتها ونسبها إلى الإسلام والمسلمين، فذلك تمكين للكافر المستعمر من رقابنا، وإعطاؤه الفرصة للتدخل في الشؤون الداخلية للدول تحت ذريعة مكافحة الإرهاب، بل لاختراق أمننا وانتهاك سيادتنا واغتيال علمائنا من قبل الموساد وغيره، وما نشر القواعد العسكرية الأمريكية عبر العالم وفرض أجندات التدخل السافر في تسليح الدول وفي نفقاتها العسكرية وفي نوعية المساعدات الأمنية والعسكرية إلا مظهر من مظاهر التبعية الفكرية والسياسية التي ينعدم بوجودها تحقيق الأمن القومي للدول.

إن مفهوم الأمن القومي، أشمل بكثير من أن يختزل في مجلس أمن قومي يرأسه شخص يفكر وفق القواعد الفكرية للاستعمار ويسير عمليا وفق أجندات الاستعمار وإملاءاته، بل لا بد أن ينطلق من عقيدة الإسلام الجامعة المانعة، وأن يشمل مفهوم الأمن القومي، الأمن الداخلي والأمن الغذائي والأمن السيبراني، وكل ما من شأنه أن يحقق الأمن والأمان للمجتمع المسلم، بعيدا عن المتاجرات السياسية الرخيصة لأنظمة العمالة في المنطقة.

إن الإسلام أوجب الرعاية على الدولة، فهي مسؤولة عن رعاياها، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: “فالإِمَامُ الذي على الناس رَاعٍ وَهو مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِه” (متفق عليه). فيجب على الدولة أن توفر الحاجات الأساسية لكل فرد، وهي: المأكل والملبس والمسكن، بالعدل والإنصاف، من غير تفريق بين مسلم وغير مسلم؛ فللكل حق الرعاية والعناية.

وكذلك واجب على الدولة توفير الحاجات الأساسية للجماعة وهي: الأمن والصحة والتعليم، فالأمن على رأس الأولويات، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: “من بات منكم آمناً فى سربه، معافى فى بدنه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها”. (صححه النسائي). فتوفير الأمن من أهم واجبات الحاكم في الإسلام.

ولكن بعد أن هُدمت دولة الإسلام -دولة الخلافة- أصبحت الأمة بلا أمن ولا أمان، بل أصبح المسلمون كالأيتام على موائد اللئام، وما أرخص الإنسان في بلادنا اليوم! فلا قيمة لنا في ظل أنظمة وضعية، وقوانين بلا هُوِّية ولا مرجعية، ولا خير في ديمقراطية هالكة متهالكة، لا تنبع من عقيدتنا، ولا تحفظ لنا كرامتنا ولا دماءنا.

المهندس وسام الأطرش

CATEGORIES
Share This