تونس… أزمات متراكمة تغطّي الجريمة

تونس… أزمات متراكمة تغطّي الجريمة

منذ 25 جويلية والرئيس يزعم أنّه سيصحّح مسار الثّورة، ولكنّ الأيّام والأسابيع والأشهر تمرّ ولا تزداد الأوضاع إلا سوء فمن المسؤول؟ الرئيس يُحمّل الدّولة العميقة المسؤوليّة، ويزعم أنّ القضاء هو الذي عطّل مسيرة الإصلاح، فحلّ المجلس الأعلى للقضاء، ليتجدّد الجدل حول إجراءات الرئيس وتدابيره الاستثنائيّة، وحول الدّيمقراطيّة التّونسيّة النّاشئة، وتُطلّ الدّول الرأسماليّة السبعة من جديد ببيان يبدي قلقا على تونس وديمقراطيّتها وشعبها، وينطلق وزير قيس سعيّد “عثمان الجرندي” في “حملة تفسيريّة” لإجراء الرئيس فيلتقي بسفراء مجموعة السبع يطمئنهم أنّ الدّيمقراطيّة بخير.
هكذا أثار خبر حلّ المجلس الأعلى للقضاء وما تلاه من ردود أفعال من الدّاخل والخارج غبارا كثيفا حجب عن الأسماع والأنظار أخبار الجريمة، نعم جريمة قتل ثورة مع سابقيّة الإصرار والترصّد.
الجريمة هي رهن البلاد بالكامل وجعلها رسميّا تحت وصاية صندوق النّهب الدّولي وهذه المرّة بموافقة الجميع، الرئيس ومعارضوه والاتّحاد العام التونسي للشغل واتّحاد الأعراف…
وقولنا جريمة ليس من باب المبالغة أو المزايدة ولنعرض بعض ما جاء في الأخبار وغطّاه الرئيس بحكاياته عن فساد القضاة والقضاء ووجوب تطهيره حتّى تستقيم الثورة، وأغفله المحتجّون والغاضبون
الخبر الأوّل:
صدر بالرائد الرسمي عدد 014 للجمهورية التونسية، قرار من وزيرة الصناعة والمناجم والطاقة مؤرخ في 3 فيفري 2022، يتعلق بإحداث لجنة فنية مكلّفة بوضع آليات التقليص التدريجي والمستدام في الدعم الموجه لأسعار الكهرباء والغاز الطبيعي وضبط مهامها وتركيبتها وطرق سيرها.
الخبر الثّاني:
حدّدت تونس وصندوق النقد الدولي يوم 14 فيفري 2022، لمواصلة المحادثات بشأن اتفاق مالي جديد.
مع العلم أنّ حكومة الرئيس أعدّت وثيقة لهذه المحادثات، وقد رصدت وكالة تونس إفريقيا للأنباء أهمّ التعهّدات التي ستقدّمها تونس لصندوق النّقد الدّولي لتنفيذها خلال الفترة الممتدة من 2022 الى 2024. نذكر منها:
– أوّلا: التحكم في كتلة الأجور وإعادة هيكلة الوظيفة العمومية ب”ترشيد” الزيادات في الأجور والانتدابات وإعادة النظر في برمجة تطبيق اتفاقية 6 فيفري 2021 بين الحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل دون مفعول رجعي فضلا عن تأجيل العمل بالقانون عدد 38 لسنة 2020 المتعلق بالأحكام الاستثنائية للانتداب في القطاع العمومي، وترشيد الزيادات عندهم لا يعني إلّا تجميدها أمّا عن الانتداباتفهي مجمّدة منذ 2016.وما تأخير صرف جرايات الموظّفين العموميين إلا من قبيل الترويض النفسي للأجراء حتّى يقبلوا بتجميد الأجور لسنتين على الأقلّ.
– ثانيا، التخلّي عن الدّعم في عدة مجالات من خلال المرور من دعم الأسعار الى الدعم المباشر مما يتطلب بلوغ الأسعار الحقيقية للمحروقات في افق 2026 ومواصلة العمل بآلية التعديل الآلي لمنتجات الوقود الثلاثة. وهذا يعني أنّ سعر المحروقات سيتضاعف وستتضاعف معه الأسعار. فهل سينفع معها تخصيص تحويلات لفائدة المستحقّين الذين سيتحصّلون على منحة هزيلة لن تغطّي شيئا.
– ثالثا مراجعة سياسة مشاركة الدولة في رأس المال المؤسسات العموميّة عن طريق شراكات مع القطاع الخاص أو التفويت في المساهمات في المؤسسات غير الاستراتيجية. وهذا يعني مزيدا من بيع المؤسّسات لفائدة الشركات الخاصّة وسيؤول الأمر في النّهاية إلى انتصاب كبرى الشّركات العابرة للقارّات لتصبح شركاتنا بل مقدّراتنا تحت تصرّف حيتان المال العالميين الذين لا يعرفون إلا الربح أضعافا مضاعفة
– رابعازيادة الضّرائببتوسيع قاعدة الضريبة عبر مواصلة توسيع ميدان تطبيق الأداء. وهذا يعني أن الدّولة لا تُحسن جني الأموال إلا من جيوب النّاس وأرزاقهم.
هذا ما أعدّته حكومة الرئيس وتعهّدت به للأجانب، تفقير للشّعب وتنكيل به وتفريط في مقدّراته، ففي الوقت الذي تذهب فيه الحكومة إلى صندوق النّقد يخرج الرئيس ليُثير الغبار الكثيف ويخطب خطبه العصماء حول الفساد وتطهير البلاد واسترجاع أموال الشّعب. وهنا نتساءل الرئيس يرتمي على أعتاب المستعمرين موسّلا ومتسوّلا وفي الوقت نفسه يشغلنا بحروب وحملات تطهير لا فائدة محسوسة من ورائها.
ثمّ إنّ المتابع الواعي ليرى أنّ ما حصل إلى الآن بعد خاصّة بعد 25 جويلية ليرى:
أنّ مسألة تدخّل الصّندوق في تونس مرّت من مسألة خلافيّة إلى محلّ إجماع بين جميع السياسيّين. فلا حلّ عند جميعهم إلّا الارتهان إلى الصّندوق، وصندوق النّقد الدّولي يتمنّع، ووصل بنا الحال إلى أن يُصبح مجرّد الحديث مع صّندوق النّهب “بشرى” فوزيرة ماليّة سعيّد خرجت “تبشّرنا” بأنّ الصّندوق سيتحدّث معنا وأنّه مع نهاية شهر أفريل سيكون الاتّفاق معه قد تمّ.
هل تحتاج تونس إلى عدوّها كي تخرج من الأزمة؟
ما تزعمه الحكومة والفئة السياسيّة من أنّ تونس مضطرّة للاقتراض، هو محض خداع بل تواطؤ وجريمة يشترك فيها الرئيس وخصومه، لأنّهم بزعمهم ذلك ينكرون أن يكون لتونس أيّ مورد آخر لتمويل المشاريع، ما يعني أنّهمجميعا قد صرفوا النّظر عن استرجاع ثروات البلاد التي تسيطر عليها شركات النهب الاستعماري، فليس من برنامج الرئيس وحكومته ولا الفئة الحاكمة استرجاع ثروة الملح التي تهيمن عليها الشركة الفرنسيّة – منذ زمن الاستعمار الفرنسي – دون وجه حقّ، ولا في نيّتها استرداد حقول الغاز التي سلّمها بن علي بالمجان لشركات بريطانيا.أمّا عن الأموال المنهوبة فقد حصرها الرئيس في قائمة الـ 460 رجل أعمال، ويبشّر بقانون الصّلح الجزائيّ، والحال أنّ الخبراء والعارفين قد أكّدوا مرارا أنّ هذه القائمة لم يعُد لها من وجود وأنّ الملفّ الذي يُشهره الرئيس في كلّ حملة يشنّها إن هو إلا ملفّ فارغ، أمّا عن الأموال المنهوبة فعلا في البنوك الأجنبيّة فهل تكلّم فيها الرئيس؟ هل أوقف دفع الدّيون للدّول التي أمّنت خروج أموال الشّعب بآلاف المليارات وهل طالب بها أو سأل عنها؟ وكانت هذه الأموال وحدها كافية لتغنينا عن هاته القروض المهلكة، ثمّ أين هي الأموال المنهوبة التي كشفها نواب المجلس التأسيسي وتقدّر بعشرات الآلاف من المليارات منها؟ فلماذا لا تحصّلها الحكومة وتقينا شرّ هذا الارتهان؟! لماذا يصمت الرئيس ومعارضوه عن ثرواتنا المنهوبة؟
الفئة الحاكمة رئيسا ومعارضة لا يرون أنّ الثروات الموجودة في تونس هي حقّ لأهلها، ثمّ يزعمون أن الحلّ الوحيد هو في الالتجاء إلى العدوّ والاستسلام له! فهل هذه فئة جديرة بقيادة تونس؟!
أستاذ محمد الناصر شويخة

CATEGORIES
Share This