تونس تابعة للفضاء الفرنكفوني… هل هذه هي تونس التي تبشّرون بها؟
رئيس الدّولة الواصل حديثا إلى قرطاج (بالتشاور مع رئيس الحكومة) يكلّف كاتب الدّولة صبري الباش طبجي بتسيير وزارة الخارجيّة، ثمّ يُرسله ليُمثّل تونس في المؤتمر الوزاري للمنظّمة الدّوليّة للفرانكوفونيّة، وهناك تسلم رئاسة المؤتمر الوزاري للمنظمة الدولية للفرنكوفونية مساء يوم خميس 31/10/2019، من أرمينيا وذلك بانتهاء اشغال الدورة الوزارية 36 للمنظمة الدولية للفرنكوفونية المنعقدة يومي 30 و31 أكتوبر الجاري بإمارة موناكو. لتمتد الرئاسة التونسية للمنظّمة لسنتين، تحتضن خلالهما القمة الثامنة عشر لهذه المنظمة في نوفمبر 2020.
وهنا نريد أن نسأل هل تونس جزء من أمّة الإسلام العظيم أم هي تابعة للفضاء الفرنكفوني الاستعماري؟؟؟
الواضح أنّ الفئة السياسيّة ما زالت تعتبر تونس جزء تابعا للغرب المستعمر، فكاتب الدّولة ومن ورائه رئيس الدّولة ورئيس الحكومة لا يرون غضاضة في الفرنكفونيّة وها هو الباش طبجي يعبّر عن فرحه وابتهاجه ويُلقي كلمة يجدّد شكره للفرنكفونيين لأنّهم اختاروا تونس لتحتضن القمة ال18 لهذه المنظّمة في نوفمبر 2020 .
قد يقول القائل وما العيب في ذلك؟ ألا ينبغي أن تكون لتونس علاقات جيّدة مع دول شمال المتوسّط كما قال قيس سعيّد في خطاب تنصيبه؟ وهل نحن بلاد معزولة؟
نقول أن تكون لدولة مّا علاقات مع الدّول الأخرى فهذا عاديّ، لكن أن ننكر انتماءنا الحقيقيّ وامتدادنا الطّبيعيّ، فتلك تبعيّة عمياء مقيتة تجعلنا تابعين أذلّاء، وأن نعتبر العدوّ صديقا ونبذل الجهود والأموال لخدمته والتمهيد لأجنداته في العالم فتلك خيانة لا تُغتفر، وحتّى لا يعجل علينا المتعجّل نذكر التالي:
-
في القرن الحادي عشر كانت مدينة كليرمونت الفرنسية منطلقا لأول دعوة لـ”تحرير” القدس من المسلمين، تلك الدّعوة التي أسست للحروب الصليبية بقيادة البابا أوربان الثاني، وفي أواخر القرن الثامن عشر قاد نابليون بونابارت حملة نحو مصر كانت فاتحة للاستعمار الفرنسي الحديث وبخاصة استعمار بلاد المسلمين وتمزيقها، ثمّ احتلّت فرنسا الجزائر وعملت على محو الإسلام منها. وفي تلك الأثناء كانت تعمل في تونس من أجل فصلها عن الخلافة الإسلاميّة لتكون دويلة هزيلة يسهل عليها ابتلاعها، وهكذا كان حيث استقلّ بايات تونس منذ النّصف الأوّل للقرن الـ19 عن الخلافة وصاروا فريسة سهلة للمستعمر الفرنسي الذي فرض “عهد الأمان” الذي به ضمن تدخّل الدول الأوروبيّة في البلاد التونسيّة ثمّ كان دستور 1861 الذي كان الخطوة الأولى نحو التخلّي عن الإسلام وتكريس الأحكام الوضعيّة وخلال كلّ ذلك أغرقت فرنسا تونس بالدّيون إلى أن عجزت عن سدادها فكان الكومسيون المالي ثمّ كانت معاهدة باردو 1881 والاستعمار العسكري الإجرامي لتونس ومعه كان التخلّص من الإسلام،
-
أونيسيمركلوس عالم جغرافي فرنسي من القرن التاسع عشر لمّا رأى مناطق نفوذ فرنسا تتوسّع ابتكر لها مصطلحا جامعا لها “العالم الفرنكفوني“. وكتب: “سوف نقبل كل من توجهوا أو بدا أنهم قد توجهوا ليشاركونا لغتنا، باعتبارهم فرنكوفونيين“ (أونيسيمركلوس، فرنسا والجزائر والمستعمرات ، 1880). هذا عن أصل المصطلح فهو أصل استعماريّ، كما يكشف عن غاياته وغاية الغايات أن ينسلخ الفرنكفونيّ عن لغته وحضارته وأن “يتوجّه ليُشارك فرنسا لغتها وثقافتها وحضارتها” تماما كاللقيط الذي لا أصل له.
-
وما زال هذا هو الاعتبار في المنظّمة الفرنكفونيّة إلى اليوم، ففي القمّة ال17 التي انعقدت في أرمينيا برئاسة رئيس فرنسا “ماكرون” التي حضرها رئيس تونس وقتها “الباجي قايد السبسي” حيث كان نجم القمّة الظّاهر حيث شكره رئيس فرنسا لكونه تحدّى كتاب الله وقدّم مبادرته سيّئة الذّكر (المساواة في الميراث التي كانت أصلا بطلب ملحّ من الاتحاد الأوروبي) وهناك وقف الجميع يصفّقون للسبسي ولتونس “الجديدة” التي يريدها الأوروبيّون، وفي نفس تلك القمّة كان التركيز على الحرب ضدّ الإرهاب والتطرّف، أي الحرب ضدّ الإسلام وعودته إلى الحكم.
-
ذكرنا هذا لنذكّر من ينسى أو يغفل أنّ المنظّمة الفرنكفونيّة هي منظّمة استعماريّة عملها أشدّ خطرا من عمل الجيوش والمال، عملها سلخ الشّعوب والدّول ومسخها لجعلها تابعة للمستعمر تبعيّة ثقافيّة وحضاريّة، وذكرنا هذا ليرى من بنظره قصر أو عشى أنّ المنظّمة الفرنكفونيّة هي امتداد للحملات الصّليبيّة التي انطلقت ذات يوم من فرنسا الصليبيّة وما زالت فرنسا إلى اليوم صليبيّة تعادينا.
والسّؤال:
هل تونس جزء من العالم الغربي الفرنكفوني؟؟ هل هذه تونس التي تحلمون بها أيّها التّعساء؟ هل مصلحة تونس في تبعيّتها؟ وجعلها في ذيل الأمم؟
ما جوابك أيّها الرئيس “الجديد”؟ هل هذا ما كنت تعنيه باستمراريّة الدّولة؟ هل كنت تقصد استمراريّة تبعيّتها؟
محمد الناصر شويخة
ولتنشيط ذاكرة المغفّلين:
“من الناحية اللغوية علينا أن نعمل مباشرة على الانتقال من البربرية إلى الفرنسية.. فليس علينا أن نعلم العربية للسكان الذين امتنعوا دائماً عن تعلمها. إن العربية عامل من عوامل نشر الإسلام، لأن هذه اللغة يتم تعلمها بواسطة القرآن بينما تقتضي مصلحتنا أن نطور البربر خارج نطاق الإسلام“
دورية الجنرال ليوطي حول لغة التعليم بالمغرب بتاريخ 16/6/1921
بعد أونيسيمركلوس لم يستعمل مصطلح الفرنكفونية إلى أن جاء الجنرال شارل ديغول في خطابه سنة 1944 وليتردد صداه بعد ذلك في خطاب ليوبود سيدار سنغور ابتداء من سنة 1962 حيث كانت مجلة الروح الفرنسية هي المنبر المؤسس للمشروع الفرنكوفوني، وليكون سنده في ذلك الرئيس التونسيّ الحبيب بورقيبة الذي خاطب الرئيس الفرنسي ديغول بنبرة حادة حينما رأى ضعف حماسه في دعم المشروع الفرنكفوني، قائلا:
“إذا استمرت فرنسا في مراعاة التحفظ نفسه، كي لا يبدو أنها تشجع، لا أدري أي نوع جديد من الاستعمار، فليكن. فلن يحدث شيء إطلاقا وستطوى الصفحة…
الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة، جامعة لافال-كيبيك بتاريخ 24سبتمبر/ أيلول 1966
وحسب الموقع الرسمي لمنظّمة الفرنكفونيّة, تمثل المنظمة مجالا من أكبر المجالات اللّغوية العالمية, فهي ليست مجرّد تقاسم لغة لأنها تعتمد أيضا على أساس الاشتراك في القيم الإنسانية التي تنقلها اللغة الفرنسية. ويمثل هذان العنصران الدّعائم التي ترتكز عليها المنظمة الدّولية للفرنكوفونية.
من هنا يتبيّن القصد الأساسي من هذه المنظمة, إذ تلعب دورا محوريا في نشر اللغة الفرنسية في العالم, وبما تحمله اللغة من أفكار ومدلولات ومشاعر ومقاييس أعمال فهي المحمل الأساسي للثقافة الفرنسية بما تحمله من وجهة نظر حول الكون والانسان والحياة, فالثقافة الفرنسية مرتكزة أساسا على مبدأ قوامه فصل الدين عن الحياة, وكل الأفكار منبثقة عن هذه الفكرة الكليّة من حرية ومساواة وحقوق انسان وتحرر المرأة ومواطنة… وهذه الأفكار هي التي لعبت عليها فرنسا الإستعمارية عندما استعمرت البلدان ومن ضمنها تونس.