تونس تتجه نحو “نادي باريس”. أما بعد؟
وزير الخزانة الفرنسي: زيارة في جنح الظلام
كشف موقع “أفريكا إنتلجنس” أن رئيس “نادي باريس” إيمانويل مولان قد أدى مطلع الأسبوع الماضي زيارة إلى تونس، بطلب من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
وجاء تكليف ماكرون لمولان بزيارة تونس باعتبار أن الأخير مدير عام للخزانة، حيث عبر في السابق عن دعم فرنسا للإصلاحات التي يجب على تونس القيام بها للحصول على قرض جديد من صندوق النقد الدولي.
وبحسب نفس الموقع، فإن مدير عام الخزينة الفرنسية قد التقى في زيارته بكل من وزيرة المالية سهام البوغديري نمصية ومحافظ البنك المركزي مروان العباسي.
هذا ولم تعلن مصالح الاعلام والاتصال بوزارة المالية والبنك المركزي عن الزيارة، فضلا عن عدم الكشف عن مضامينها ومخرجاتها.
تزامنا مع هذه الزيارة المشبوهة، فقد عقدت رئيسة الحكومة يوم الثلاثاء غرة فيفري 2022 اجتماعا له صلة مباشرة بزيارة “مولان” ولقائه ببوغديري نمصية والعباسي، حيث تناولت الملف الاقتصادي في نطاق متابعة برامج التعاون مع “الشركاء الفنيين والماليين” ضمن ثلاث جلسات متتالية، خصصت لبحث مدى التقدم في إعداد برنامج “الإصلاحات” ذات الأولوية، بهدف عقد اتفاق مع صندوق النقد الدولي وذلك بحضور الوزارات المعنية والبنك المركزي التونسي.
وقد أحدث زيارة المسؤول الفرنسي جدلا واسعا في تونس بسبب السياق العام المتأزم الذي انحدرت إليه البلاد، فضلا عن عدم الإعلان عنها من قبل الجهات الرسمية.وفوق هذا وذاك، فإن الزائر الخفي الذي يترأس “نادي باريس” ويلبس ثوب المنقذ، يلقب في بلاده بـ”رجل الأزمات” منذ أن شغل خطة مستشار اقتصادي في زمن الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي مرورا بالمهمات الخاصة التي تولاها من “نادي باريس” إلى الخزينة العامة لفرنسا.
وفي ظل غياب التصريحات الرسمية المتعلقة بالزيارة، صرنا نتابع أخبار بلادنا من مواقع السفارات الأجنبية، حيث أصدرت سفارة الجمهورية الفرنسية بتونس يوم الخميس 3 فيفري 2022، بلاغا أوضحت فيه طبيعة زيارة مدير عام الخزينة الفرنسي ايمانيول مولان، حيث أكّدت أنّ مولان زار تونس يوم 31 جانفي الفارط بدعوة من السلطات التونسية، وكان مرفوقا بميغالي زيزيناي Magali Cesena رئيسة قسم الشؤون الثنائية والدولية للشركات بالخزينة.وتنخرط الزيارة، حسب بلاغ السفارة الفرنسية، في إطار التبادل المستمر بين فرنسا وتونس.وقد تطرّقت المحادثات، بشكل حصري، للمسائل الاقتصادية والمالية، وخاصّة دعم فرنسا لتونس في الإصلاحات التي تعتزم تونس إجراءها في إطار المفاوضات مع صندوق النقد الدولي.
حقيقة نادي باريس
نادي باريس هو مجموعة غير رسمية مكونة من مسئولين ماليين ممولين من 20 دولة حاليا تعد من أكبر الاقتصاديات في العالم وتضم الولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وألمانيا، وسويسرا، واستراليا، والنمسا، وبلجيكا، وكندا، والدنمارك، وفنلندا، وإيرلندا، وإيطاليا، واليابان، وهولندا، والنرويج، وروسيا، وإسبانيا والسويد.
تقوم فكرة تجمع نادى باريس على تقديم خدمات مالية مثل إعادة جدولة الديون للدول المديونة بدلا من إعلان إفلاسها أو تخفيف عبء الديون بتخفيض الفائدة عليها، وإلغاء الديون بين الدول المثقلة بالديون ودائنيها.
تولدت فكرة نادى باريس من المحادثات التي عقدت في باريس عام 1956 لنقاش الأزمة بين الأرجنتين ودائنيها المختلفين.منذ ذلك العام، أبرمت الدول الدائنة الأعضاء في النادي ما يزيد على 433 اتفاقية تتعلق بـ 90 دولة مدينة، حيث مرّت بالنادي دول عدة منها روسيا ومصر والمغرب والعراق والأردن والسودان الذي تم شطب قسم كبير من ديونه للدول المدينة، خصوصاً فرنسا.
عام 1962، أصبح “نادي باريس” بجانب صندوق النقد والبنك الدوليين بمثابة أداة استراتيجية للدول المتقدمة كي يكون لها قبضة على الاقتصاد العالمي. حيث تتم جدولة ديون تلك الدول من قبل النادي بناء على توصية ضرورية من صندوق النقد الدولي. ولا بد من أن تكون الدولة عضواً في الصندوق وأبرمت اتفاقاً معه. وقبل جدولة الديون بواسطة النادي لا بد من أن تكون الدولة قد اعتمدت إجراءات “تقشفية” و”إصلاحية”. ويتم اللجوء إلى “نادي باريس” لإعادة جدولة الديون أو شطب جزء منها أو إلغائها بالكامل كملاذ أخير غالباً قبل التعثر في السداد.
يجتمع النادي بالدول المدينة التي تحتاج إلى دين عاجل والتي نفذت والتزمت بتنفيذ الإصلاحات اللازمة لتحسين وضعها الاقتصادي والمالي، وهذا يعنى من الناحية العملية ضرورة أن يكون للدولة المدينة برنامج مع صندوق النقد الدولي مدعوم باتفاق مشروط.
ما هي تبعات الارتماء في أحضان “نادي باريس”؟
إن تجمع “نادي باريس” لا يعدو أن يكون أداة استعمارية تعاضد جهود صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في نهب خيرات الشعوب وامتصاص دمائها عبر تركيع الحكومات وإخضاعها إلى وصفات اقتصادية قاتلة، تجعل الدول المدينة مجبرة على قبول شروط القوى الاستعمارية الكبرى المتحكمة في اقتصاديات العالم، من أجل شطب ديونها أو إعادة جدولتها.
وفيما يتعلق بتونس، فقد بدأ التسويق لحل توجهها نحو “نادي باريس” منذ العام الماضي عبر قناة التاسعة، حيث كان الفاضل عبد الكافي سبّاقا في دعوة حكومة المشيشي إلى التوجه نحو “نادي باريس” من أجل إعادة جدولة ديون تونس. ثم اعتبر لاحقا أن الطريق صارت معبدة نحو هذا الوسيط (أي نادي باريس) في مفاوضات حكومة نجلاء بودن مع صندوق النقد الدولي.
لا يمكن لأحد الآن أن يتصور الشروط القاسية التي يمكن فرضها على تونس، من أجل قبول جدولة ديونها أو إلغاء جزء منها، في الوقت الذي صار فيه المرور إلى “نادي باريس” أمرا وشيكا وشبه مؤكد.
وبين الضغوطات الدولية المتزايدة على تونس، والإرتماءات الإقليمية المشبوهة لقيس سعيد، فإنه لا يستغرب وضع إعلان التطبيع مع الكيان الصهيوني كشرط من شروط “نادي باريس” على تونس، خاصة وأن الغرب حريص على تكرار تجربة الإمارات والبحرين والمغرب والسودان في أماكن أخرى، تروج لنظرية السلام الديمقراطي مع الكيان الغاصب لأرض فلسطين، وتحول دون قيام نواة دولة الخلافة الراشدة التي وعد بها الله عباده المؤمنين وبشر بها نبي الأمة صلوات ربي وسلامه عليه.
إن الخروج من دوامة الأجندات الاستعمارية ومن متاهة التداين الخارجي، لا يكون مطلقا بجدولة الديون والتمادي في تطبيق نفس النظام الرأسمالي الفاشل الذي أوصلنا إلى هذه الحالة الكارثية، بل إن بعض الخبراء في تونس يؤكدون على أن التوجه نحو نادي باريس قد يمكنها من جدولة 20% فقط من ديونها على أقصى تقدير، ليتواصل العجز المالي والتجاري ويستمر مسار التضخم في الداخل وانزلاق العملة أمام العملات الخارجية، وبالتالي لا يمكن مطلقا اعتباره حلا حتى بالمنطق الرأسمالي النفعي، بل هو ضرر مؤجل وتحمي وفخاخ اقتصادية منصوبة للحكومات القادمة.
إنه لا حل للأزمة الاقتصادية والمالية الخانقة في تونس وفي غيرها من بلاد الإسلام، إلا بنظام اقتصادي ربّاني، يقوم على التوزيع العادل للثروات، وعلى تعبئة فعلية وحقيقية لموارد الدولة لا يتحكم بها رؤوس الأموال ومؤسسات النهب الدولي، بل يطبق بها الخليفة أحكام الشرع على الجميع على حد سواء، فتعود الثروات المنهوبة والإرادة المسلوبة بعيدا عن المنظومة الربوية التي تسوم الناس سوء العذاب، ولا يكون ذلك إلا بدولة تطبق الإسلام كاملا غير منقوص، هي دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة بإذن الله. حينها فقط، تنزل البركة ويتحقق الرضى ويخرج المسلمون من حالة التخلف والضياع والضنك والشقاء التي خلفها تطبيق الرأسمالية الفاجرة، وهذا ما يدعو له حزب التحرير الذي عاهد الله ألاّ يترك البلاد تسقط على أيدي الضعفاء والعملاء، وإنما سيظل يخاطب كل القوى الحيّة في المجتمع وفي مقدمتهم أهل القوة والمنعة لنصل جميعا إلى بر الأمان، بمبدأ الإسلام العظيم.
قال تعالى: “وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ”. صدق الله العظيم (الأعراف/96).
م, وسام الأطرش
CATEGORIES محلي