نظمت الإدارة العامة للتكوين وتطوير الكفاءات، يوم الثلاثاء 15/01/2019 ملتقى وورشات عمل حول “مأسسة الاستشراف والتخطيط الإستراتيجي: من أجل سياسات عمومية أفضل من خلال تنمية القدرات.
تمّ هذا الملتقى بإشراف ” لويزا دي سوزا” سفيرة بريطانيا في تونس، وحضره وزير الوظيفة العمومية وتحديث الإدارة والسياسات العمومية، كمال مرجان. وقالت المديرة العامة للتكوين وتطوير الكفاءات خولة العبيدي، إنطلق البرنامج منذ مارس 2018 بتمويل بريطاني في شكل هبة، لم تحدد بعد، وشمل 412 إطارا في المصالح المركزية بـ 22 وزارة، والغاية المعلنة: “تكوين وتطوير الإطارات بالوزارات والمؤسسات العمومية، بالاستعانة بخبراء ومراكز تكوين تونسية، وبالشراكة مع مؤسسة “أكتس استراتيجي”.
وفي هذا السياق انعقد الملتقى، للتباحث حول الرؤى والتصورات الكفيلة بمأسسة التخطيط الإستراتيجي، ومن المنتظر أن يتم تقديم مخرجاته، في شكل تقرير نهائي، إلى رئاسة الحكومة.
وصرحت سفيرة بريطانيا بتونس “لويز دي سوزا” في تصريح لإذاعة موزاييك ارتفاع قيمة دعم التعاون البريطاني التونسي الى 52 مليون دينار سنة 2019 بعد أن كان في حدود 37 مليون دينار في 2018 .
وقالت أنّ عقد ورشات عمل للإطارات التونسيّة يأتي في إطار برنامج “الإستشراف والتخطيط الإستراتيجي من أجل سياسات عمومية أفضل من خلال تنمية القدرات” حيث يتمّ تكوين أكثر من 200 موظفا في تقنية التخطيط الإستراتيجي في وزارات الداخلية والعدل والدفاع والماليّة.
وأشارت السفيرة البريطانية إلى أنّ رئاسة الحكومة التونسية وضعت دليلا خاصا ببرنامج هذا التعاون وتكوين أكثر من 204 إطارا في استعمال هذا الدليل.
أمّا كمال مرجان وزير الوظيفة العمومية، فأكّد في كلمته بالمناسبة ضرورة مأسسة التخطيط الاستراتيجي لضمان ديمومته لضرورة الاستشراف، وإنجاح السياسات العمومية المستقبلية، عبر تطوير قدرات وإطارات المنشآت التابعة للدولة.
أنّ أبرز مجالات التعاون التونسي البريطاني هو مجال الحوكمة الإدارية وخاصة ضبط التوجهات العامة لتسيير الدولة … من خلال دورات تكوين المسؤولين الإداريّين في أعلى مستوى.
التعليق:
هذا الخبر مرّ في وسائل الإعلام التونسيّ بشكل عادي وغطّته كأيّ نشاط عاديّ من أنشطة الحكومة بل هناك من اعتبره علامة من علامات التقدّم والتطوير المطلوب القيام به، والحقيقة أنّ هذا الخبر ينقل إلينا مصيبة بل كارثة فالخبر يثبت أنّ “حكّام” تونس جعلوا أنفسهم وبلدهم تحت الوصاية الشّاملة لبريطانيا.
قد يقول لنا المتابعون : هذه مبالغات وتشويه للحكومة وتشويش عليها، فما العيب في التّعاون مع أصدقاء تونس؟ وما العيب في البحث عن سبل التطوير الحديثة للتقدّم بالبلاد خاصّة وانّ السفيرة البريطانيّة أكّدت أنّ التّعاون سيكون في المجالات التّقنيّة.
وللجواب على ذلك رفعا للالتباس نقول:
أنّ بريطانيا سيطرت على تونس سيطرة مستعمر
استغلّت بريطانيا ضعف فرنسا الشّديد خاصّة منذ الحرب العالميّة الثانية فانقضّت على كثير من مستعمراتها ومنها تونس فتغلغلت فيها عن طريق بورقيبة وحزبه الدّستوري الحرّ الجديد وجعلت البلد تحت نفوذها لعقود طويلة، غير أنّ هذا النّفوذ كانت تهدّده أمريكا من حين لآخر وكانت بريطانيا تدرك اهتمام أمريكا المتزايد بتونس بل بشمال إفريقيا كله، فلمّا ضعف بورقيبة وعجز رتّب الإنجليز نقل السلطة من بورقيبة إلى بن علي، ثمّ لمّا بدأت الضغوط تكثر على بن علي خاصّة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 عمل الأنجليز منذ 2005 على احتمال انتقال السلطة من زين العابدين إلى خلف له ولنجاح الانتقال عند الانجليز شروط أهمّها:
أن يكون خلف بن علي مستمرّا في التبعية للإنجليز.
أن يكون مقبولا في الدّوائر الغربيّة وبخاصّة عند أمريكا لقطع الطريق على ضغوط أمريكا المتصاعدة على تونس وقتها. (وهذا تكتيك إنجليزي معهود لتثبيت نفوذها في بلد كلّما لاحظت ضغوطاً عليه).
ومن أجل القيام بهذه المهمّة “انتدبت” بريطانيا سنة 2005 كمال مرجان لكونه أكثر قبولاً بالنسبة إلى أمريكا من بن علي. وكمال مرجان، دبلوماسي تولّى وظائف خارجيّة، وبسبب تلك المهام الخارجية التي تقلدها سنوات طوال صار معروفا في الأوساط الدوليّة. هذا ولم يكن كمال مرجان قريبا من سياسات الدولة التونسية الداخلية فلم يظهر اسمه مع الذين باشروا جرائم النظام ضدّ تونس وأهلها لكنّه كان المدافع عن نظام بن علي في كلماته خصوصاً تلك التي ألقاها في الأمم المتحدة.
وجيء به وقتها ليشغل وزارة الدفاع وهو منصب من أشدّ المناصب حساسيّة، رغم أنّه لم يكن معروفا في تونس، وكان أوّل ما قام به كمال مرجان وقتها إرسال الرسائل المطمئنة حول شخصه وأنّه لن يعمل ضد المجتمع الدولي والمصالح الأميركية خصوصاً، آملاً أن يتمكن بذلك من تحييد أميركا عن القيام بأعمال ضده أو وضع عراقيل أمامه.
ثمّ قلّده بن علي في آخر سنوات حكمه وزارة الخارجيّة، ليكون له عونا وسندا في تبييض نظامه الأسود وتخفيف الضغط عليه.
ولكنّ الثورة فاجأت الجميع وأربكتهم ولم تستطع بريطانيا أن ترتّب انتقالا هادئا للسلطة إلى كمال مرجان كما فعلت مع بن علي، بل كادت تخسره نهائيّا خاصّة بعد فشله المتكرّر في الانتخابات التشريعيّة والرئاسيّة، رغم ما حاوله كمال مرجان من تبييض نفسه والظّهور بمظهر الدبلوماسي الهادئ الذي كان يخدم بلده في الخارج (والحقيقة أنّه كان يؤمّن دعما خارجيّا لبن علي ويخفّف عنه الضغط من القوى المناوئة).
وقد لوحظ مؤخراً أن كمال مرجان يبذل كل ما في وسعه لاستخدام كل وسيلة تلوح له من أجل ترويج نفسه أمام القوى التي يرى أنها ستكون ضده ليقبلوا به وبـ”خبراته” وبمكانته العالميّة.
في التحوير الوزاري الأخير أسند إليه يوسف الشّاهد وزارة على مقاسه، مع العلم أنّ هاته الوزارة تمّ إلغاؤها، ثمّ أعيدت وأُعطي لها اسم وزارة الوظيفة العموميّة ورسم السياسات …. والملاحظ أنّ إضافة صفة أخرى للوزارة تجعلها متحكّمة في مفاصل الإدارة التونسيّة لا من حيث النواحي الإداريّة كما قد يتبادر إلى الذّهن، بل إنّ المهمّة الموكولة إلى مرجان هي إعادة صياغة الإدارة من حيث التخطيط الاستراتيجي ورسم السياسات العامّة أي رسم مسار البلاد برمّته وطبعا لن يجد البريطانيّون من يخدمهم خيرا من كمال مرجان ذي الخبرة الطّويلة في العمل الدّبلوماسي أي الخبرة الطّويلة في تمرير الجرائم وتبييضها، فالبريطانيّون يعملون على التّحكّم المباشر في البلد فهم من سيباشر عمليّة التخطيط ورسم السياسات وتكوين الإطارات الإداريّة،
فماذا بقي؟ لم يبق إلا التنفيذ وفق التصميم الإنجليزي.
من سيرسم السياسات؟ الشركة البريطانيّة “استراتيجي أكتس”؟ ومن سينفّذ تلك السياسات؟ طبعا الموظّفون الذين ستكوّنهم الشركة البريطانيّة.
ولأجل هذا تقدّم بريطانيا هبات لتونس، هبات مسمومة تأخذ به البلد بأكمله وتسخّره لخدمة مصالحها.
وقد يقول القائل ما العيب في التّعامل مع بريطانيا والتعاون معها، والاستفادة من خبراتها من أجل تطوير بلدنا وتطوير الخدمات فيه.
نقول
هل بريطانيا صديق يمكن التعاون معه أم عدوّ يجب الحذر منه وصدّه إن هو اقترب؟
وجوابا على ذلك نقول
بريطانيا عدوّ والعدوّ لا يأتيك ليعينك بل يأتيك ليسيطر ويغنم، وعداوة بريطانيا للمسلمين لا تحتاج دليل بل إنّها العدوّ الأوّل ذلك أنّها حاربت الإسلام عقودا طويلة وجمّعت الدّول الأوروبيّة من أجل إسقاط الخلافة ومزّقت بلاد المسلمين وتقاسمتها مع فرنسا المجرمة، وبريطانيا هي التي اغتصبت أرض فلسطين وأدخلت فيها عصابات يهود الإرهابيّة وأمدّتهم بالسلاح ليمعنوا في المسلمين الذبح والتقتيل، ولا تزال بريطانيا تسعى للسيطرة والنفوذ، ونهب الثروات وشركاتها المنتشرة في تونس وغير تونس ماثلة للعيان
الاستفادة تكون في الأمور الماديّة في الوسائل والأساليب أمّا في رسم السياسات بما يعنيه من تحديد للأهداف ووضع للخطط بعيدة المدى ورسم للخطوات التنفيذيّة لتحقيق الأهداف وتنفيذ الخطط. وهذا يعني تحديد المصير بأتمّ ما في الكلمة من معنى. فهل يجوز أن نجعل حياتنا ومصيرنا بيد أعدائنا؟
فمن يفعل ذلك ماذا يُمكن أن نسمّيه؟ هل هو ساع في مصلحة تونس أم في خرابها؟