تونس دولة العزّ بالإسلام لا دولة التبعيّة

تونس دولة العزّ بالإسلام لا دولة التبعيّة

أثار مؤتمر حزب التحرير، ولاية تونس، الثاني عشر لهذه السنة، ولا زال يثير، عاصفة غير مسبوقة من الاستنكار والتّنديد على إقامته، وحملة دنيئة من التّحريض على الحزب بالافتراء عليه، ووسمه بما ليس فيه، وتشويه سمعته عمدا وجهلا، من قبل من تولّوا كبر هذه الجريمة النكراء، وقد بلغ بهم السفه حدّا أن صاروا يطالبون بحلّه.(هكذا) والتّحريض على منتسبيه في بلادنا ومناصريه ومؤيّديه. وقد تولّت جهات إعلاميّة، وبعض منظّمات ما يسمّى بالمجتمع المدنيّ، التي لا تخفي ارتباطها الفكريّ والعضويّ بمختلف الجهات الاستعمارية، قيادة الحملة الإعلامية، بصورة ممنهجة: فقد عقدت حولها المنابر الحواريّة وفتحت أمامها أعمدة الصّحف وعناوينها الرئيسيّة. ويقينا أنّ موضوع المؤتمر وعنوانه المركزي، أصاب من الجهات الخارجيّة الرّاعية لأذنابها في بلادنا مركز تنبّههم، فرفعوا عنهم حضر الحديث عن حزب التحرير وأعماله ونشاطاته، ووجدوا أنفسهم مكرهين على تناول المؤتمر بالعمل على منع انعقاده ومحاولة التّضليل عن المضامين التي تناولها، بعد أن كانت توجيهاتهم تأمرهم بعدم التعرّض للحزب لا بالسلب ولا بالإيجاب، للحيلولة، بزعمهم، دونه وتحريك وعي الناس على حقيقة واقعهم والزّاوية التي عليهم النظر من خلالها لقضاياهم، وما تقتضيه من معالجات جذريّة، يدركون هم يقينا أنّ المؤتمر وسائر أعمال الحزب سيفضح تهافت مقولاتهم ويعرّي صغارهم أمام أسيادهم، وخذلانهم لأهلهم في تونس وسائر الأمة. وبموقفهم الأخير الذي لم يقدروا على المداورة فيه أو محاولة التغاضي عن انعقاد مؤتمر، كان يمكنهم اعتباره أحد الطروحات التي يمكن أن تكون حلا، ممكنا، لأزمة، جرّوها على البلاد والعباد، يدّعون أنهم يسعون في حلها، إلاّ أنهم ارتكبوا خطيئتين لا تقلّ إحداهما خطرا عن الأخرى:

1 ــ جرأتهم على الله سبحانه وتعالى، بأن جاهروا دون حياء أو خوف منه، فأعلنوها صراحة أنهم يرفضون الحلول الشرعية، في عملية تضليليّة دنيئة، بزعم أنّ الإسلام السياسي هو غير الإسلام، كأنّهم لم يبلغهم قوله صلى الله عليه وسلم: “كَانَت بَنُو إسرَائِيلَ تَسُوسُهُمُ الأَنْبياءُ، كُلَّما هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبيٌّ، وَإنَّهُ لا نَبِيَّ بَعدي، وسَيَكُونُ بَعدي خُلَفَاءُ فَيَكثُرُونَ، قالوا: يَا رسول اللَّه، فَما تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: أَوفُوا بِبَيعَةِ الأَوَّلِ فالأَوَّلِ، ثُمَّ أَعطُوهُم حَقَّهُم، وَاسأَلُوا اللَّه الَّذِي لَكُم، فَإنَّ اللَّه سائِلُهم عمَّا استَرعاهُم” متفقٌ عليه. تسليما للكفار واتباعا لهم بما يتقوّلونه عن الإسلام، وقبولهم بأن يكون دين الله الذي أنزله لعباده متهما بالقصور، في هزيمة فكرية منكرة، أمام أفكار الكفر والإلحاد. ثم في ادعائهم أنّ الأخذ بأحكام الإسلام يبقيهم خارج حركة التاريخ وأنّ الأخذ به تخلّف وعجز عن إدراك الحلول العملية للمسائل الحادثة، والله سبحانه وتعالى يحذّر من أعرض عن ذكره بقوله جل في علاه: أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ ۚ بَلْ أُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (50) ـ النورـ

2 ــ مكرهم بأهل البلاد بتزيين التبعيّة للغرب الاستعماري، واعتبار ذلك من حسن السياسة والرعاية، والقبول بتدخّل القوى الغربية في كلّ شأن من شؤوننا حتى عدّ الخروج عن أيّ جزئية من جزئيات نظمهم، جريمة تقتضي الإدانة والتجريم، وتبرّر العقوبة على مخالفتها. فغدت العلاقات بين أبناء الإسلام مفصولة عن أحكام عقيدتهم بعد أن أحلّوا مكانها العلاقات الرأسمالية، حتى اصطبغ نمط حياتنا بنمط حياة المجتمعات الغربية الرأسمالية. فزينوا للناس القبول بنظم وقوانين المنظمات الدولية والمعاهدات التي تفرضها القوى الاستعمارية، والتي وضعت لتأبيد هيمنتهم على الشعوب المستضعفة والتحكم في مصائرها.

إنّ دولة الحداثة التي أقاموا جنائز الصراخ والعويل على جيفتها، والتي أبت بصائرهم أن ترى تحلّلها وخواء ماهيتها عند من أسس لها عند أسيادهم قبل أن تصلهم هم. وما حديث الحزب عن انهيارها، إلاّ إشارة إلى فشل المشروع في أصله، بعد أن عجز عن الاستجابة لمتطلّبات الإنسان على وجه البسيطة، بعد أن أشقت المليارات من البشر بجرائمها ولم يبق لها من مجال تخوض فيه إلاّ كلّ شأن شاذّ، ومناقض للفطرة. فجوقة الناعقين على دولة حداثة أسيادهم، لا يضيرهم أن تكون تونس التي يتباكون عليها، والتي أذاقت دولتهم هذه أهل البلاد الويلات والضنك، حتى صاروا يمنّون عليهم بالسعي لتوفير الزيت والسكر، وقعدوا بهم عن المعالي، لا يضيرهم أن تكون سنّا في دولاب الاستعمار الغربي يحدّد دورها في الحياة، وتلقم فتات موائد مرابي وسماسرة حيتان المال العالميّين، على أن يقوموا هم بمهام النواطير والعسس.

     تونسهم تلك نرفضها، ويأبى الله لها، ورسوله، والإسلام، والمؤمنون الذلّة والمهانة، بل إنّ قدرها منذ أن حمل أهلها قاطبة الإسلام عقيدة ونظاما، وبوأها حمل رسالته إلى العالمين، فكانت نقطة الارتكاز المحورية في الجناح الغربي للعالم الإسلامي سيدة قائدة منيعة تحمل الخير لمن يليها من خلق الله، طاعة له وامتثالا لأمره. تونس بوأتها عقيدة الإسلام عظيم المعالي بما حبتها به من السموّ الرّوحي والتقدم الماديّ، والقيادة الفكرية والعظمة السياسية، ممّا يجعل العلاقات المجتمعية في أسمى تجلّياتها بقيامها على أساس أحكام الشرع الحنيف، مصداقا لقول العزيز الحكيم: “وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ” (153) ـ الأنعام ـ

أ, عبد الرؤوف العامري

CATEGORIES
Share This