منذ بدأ انتشار فيروس كورونا واعتباره وباء عالميا، اتخذت الحكومة التونسية إجراءات لمنع انتشار الفيروس، بلغت إلى حد الحضر الصحي العام، ومع أن الإجراءات والتعليمات الصحية الخاصة بمكافحة هذا الوباء ومنع انتشاره ليست محل كفاح سياسي، فالكل مطالب بالالتزام بها، لأنه من الأذى والضرر المتحقق الواجب دفعه، لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار)، أي لا يجوز إلحاق الضرر بالنفس أو بالغير، ومع هذه القناعة نجد تصرفات الدولة يظهر فيها التخبط والارتجالية وعدم المسؤولية، في إتخاذ إجراءات منع التجمع أو غلق الحدود مع الدول الموبوءة، فإلى وقت قريب ضلت وسائل النقل مزدحمة بالرغم من أنها تشكل أهم أماكن العدوى وانتشارها ما يعرض مصير الناس للخطر.
هشاشة دولة الحداثة
يأبى فيروس كورونا إلا أن يكشف هشاشة المنظومة الغربية التي شيدت دولة الحداثة على أساسها إبان توقيع وثيقة الاستقلال، فدولة الحداثة التي أسسها بورقيبة واستثمرت في التعليم والصحة على حساب قطاعات أخرى بقيت مهمشة، تجد نفسها اليوم عاجزة عن التصدي لهذا الوباء، فالكل يجمع على عدم قدرة الدولة ومصحاتها الاستشفائية على استيعاب المرضى والمصابين، ليبقى السلاح الوحيد بيد الشعب ومدى وعيه بضرورة الالتزام بوسائل الوقاية، وحتى هذه تعجز المنظومة القيمية الغربية على تحقيقيها إلا بقوة الجند وصرامة القانون، ففاقد الشيء لا يعطيه والفكر الغربي الذي تقوم عليه دولة الحداثة، يقدم القيم المادية على باقي القيم الإنسانية والأخلاقية والروحية، لذلك فهو عاجز عن دفع الناس تلقائيا بالالتزام بالحضر الصحي.
ومما يبعث على الحزن والأسى، عدم وجود قاعدة علمية بحثية تمكن الدكاترة والباحثين في بلادنا من العمل الجاد لإيجاد العلاج الناجع لهذا الداء، بل عجزت حتى عن توفير بعض مستلزمات الإنعاش ووسائل الحماية، وهو ما يشكك في صدق ما يروج له أنصار دولة الحداثة من أن دولة الإستقلال استثمرت في التعليم الذي لا ينفصل عن مراكز البحث العلمي ومتطلباته، إذ لا يعقل أن تبقى بلادنا متخلفة، تنتظر بيانات مخابر البحث الأمريكية والأوروبية والصينية بعد مرور أكثر من 64 سنة عن توقيع وثيقة الإستقلال الذي نوه بذكراها رئيس الجمهورية يوم الجمعة 20 مارس 2020.
إعلام الكورونا
والأنكى من ذلك أن يحمل بعض الإعلام التونسي عجز الدولة العلمانية التي اغتصبت سلطاننا وفرضت علينا أنظمة الكفر بالقهر، أن يحمل المسلمين عجزها عن توفير العلاج لهذا الوباء وكأن الإسلام مطبق والخلافة قائمة. ولم يكتفي هذا الإعلام الحاقد على الإسلام وأهله بهذا القذف، بل واصل بث سموم حقده على الإسلام وشعائره حتى أضحى أشد فتكًا من الكورونا، فصور التجاء المسلمين لله بالدعاء على انه شعوذة و تخلف رغم أن سيدهم ترامب دعا الكنائس للتضرع لرب العباد من اجل رفع الوباء، كما استهزأ من اطمئنان المسلمين وإيمانهم بقضاء الله وقدره، رغم أن مناعة الإنسان التي تضعف بحالة الهلع التي يبثونها هي السلاح الوحيد لمقاومة الكورونا.
انهيارات اقتصادية
لا شك أننا لا زلنا في بداية الأزمة التي تعصف باقتصاديات دول العالم وسيكون لها تداعيات وخيمة على اقتصادنا المتهالك، لأن الساسة في بلادنا أبوا إلا أن يربطوا عجلة اقتصادنا بالأقطاب العالمية ومؤسساتها المالية منذ زمن المقبور بوقيبة، الذي جعل الإسلام وراء ظهره بالرغم من أنه الحل الواجب والأمثل لمشاكلنا.
إذا استمرت الوضعية على ما هي عليه دون القيام بحلول نابعة من عقيدتنا وديننا فإن سلسلة من الانهيارات المتتالية تنتظرنا، وما هي إلا فترة قصيرة حتى تعجز كثير من الشركات والمؤسسات المالية عن دفع ديونها للبنوك التي تقتات على الأقساط الربوية. فشركات الطيران، والنقل البحري، والفنادق والمطاعم، ومصانع النسيج والجلود، وغيرها كثير سوف تصبح عاجزة عن دفع فوائد ديونها، ما يؤدي إلى سلسلة من انهيارات بنكية، ومن ثم عجز عن دفع ضرائب للحكومة والتي بدورها ستعجز عن دفع ديونها الربوية. وهكذا فإن هذه الأزمة مرشحة أن تكشف عن الضعف الكامن في المنظومة الغربية التي بنيت عليها دولة الحداثة، والخراب المخفي في النظام الاقتصادي الرأسمالي.
وجوب التغيير
إن ما يحصل في تونس والعالم يجب أن يكون محفزا للبشر جميعاً للتخلص من المنظومة الغربية المتحكمة في العالم، أي من النظام الرأسمالي قبل أن يجرهم إلى كساد اقتصادي أشد فتكا مما حصل في الكساد الكبير عام 1929م، حيث يتوقع خبراء حصول إفلاس مالي وبطالة لمئات الملايين من الأشخاص.
لقد كشف فيروس الكورونا هشاشة النظام الدولي وعدم قدرته على التعاطي مع ما يهدد البشرية، وأن الإسلام بقيمه الرفيعة التي تجعل القيمة الإنسانية أعلى من القيمة المادية هو القادر على إنقاذ البشرية، واسألوا شعب إيرلندا عن دور الخلافة العثمانية في إنقاذهم من مجاعة مهلكة.
لذلك فإننا نتوجه إلى الخبراء والمفكرين والاقتصاديين في بلادنا أن يُعملوا عقولهم وأن يتفكروا بعمق في المبدأ الإسلامي الذي وضعه الله عز وجل وعالج مثل هذه الأوبئة بنجاح كوباء الطاعون، وانزل منهاجا ونظاما كان بمثابة المنقذ للعرب وللشعوب الأخرى من الغرق حين طبقوه وعملوا به حتى أبناء الديانات الأخرى، وفصلّ فيه نظاما اقتصاديا يوزع الثروات ويمنع تكديسها ويحفز الإنتاج والاقتصاد الحقيقي, ويخلو من الربا والبورصات وأسواق الاقتصاد الوهمي, ويغطي العملة بالذهب والفضة وليس بالورق المحمي بالغطرسة والقوة.