جلمة / سيدي بوزيد: كالعيس في البيداء يقتلها الضمأ والماء فوق ظهورها محمول

جلمة / سيدي بوزيد: كالعيس في البيداء يقتلها الضمأ والماء فوق ظهورها محمول

الخبر:

سيدي بوزيد: فك اعتصام بالقوة وإيقاف 4 أشخاص

تدخل فريق من وحدات الحرس الوطني بسيدي بوزيد، يوم الثلاثاء 31 أوت 2021، لفك اعتصام وتفريق عدد من المحتجين والمعتصمين أمام معملي تعليب المياه المعدنية بمنطقة باطن الغزال الشمالية التابعة لمعتمدية جلمة من ولاية سيدي بوزيد باستعمال الغاز المسيل للدموع، كما تم إيقاف 4 أشخاص من المعتصمين.

ويشار إلى أن مجموعة من سكان المنطقة اعتصموا منذ 10 أيام أمام مقر معملي تعليب المياه المعدنية بصفة مسترسلة، كما تعمّدوا أحيانا غلق الطريق الوطنية رقم 3 الرابطة بين القيروان والقصرين وسيدي بوزيد ومنع الشاحنات والسيارات التي تنشط في نقل المياه من المرور ونقل الماء مما تسبب في أزمة في إيجاد المياه المعدنية بكامل ولاية سيدي بوزيد.

هذا وطالب المحتجون بتزويدهم بالماء الصالح للشرب وتفعيل الاتفاقيات المبرمة بين صاحب المعمل وأهالي المنطقة المتمثلة في تخصيص نسبة من المياه التي يقع إخراجها من الآبار العميقة والتي يتزود بها معمل التعليب منذ سنة 1994.

التعليق:

تتكون بلدية “باطن الغزال” التابعة لمعتمدية جلمة بولاية سيدي بوزيد (الأبيض) من عمادات (الأبيض، العضلة، باطن الغزال الجنوبية، باطن الغزال الشمالية، سلتة، زغمار) ويبلغ عدد سكانها 16180 ساكنا, وتتوزع المناطق غير المزودة بمياه الشرب على 4 عمادات وهي أولاد يوسف 1 – أولاد يوسف 2 – دوار المناصرية -العمايمية -الجنايوية -البراهمية -عمادة باطن الغزال الجنوبية -دوار البشتية العليويات -دوار عبو، فيما تبلغ نسبة التزود بمياه الشرب في عمادتي زغمار وسلتة مائة بالمائة.

تتواجد بمنطقة “الأبيض” 3 معامل لتعليب المياه (“حياة” – “تيجان” – “دليس”) ومعمل رابع في طور التركيز, كما توجد بها 4 آبار عميقة مخصصة لتزويد مناطق وولايات مجاورة بمياه الشرب، إلا أن سكان منطقة الأبيض يعانون لسنوات متتالية تتجاوز في بعض المناطق 60 سنة من عدم توفر مياه الشرب.

على ضوء هذه المعطيات يحق لنا أن نتساءل: كيف لمنطقة صغيرة بهذه المقدرات المائية الهائلة أن تعاني العطش في البيوت والزراعات ؟ وكيف تمنح الدولة رُخصا لأربع معامل تعليب مياه لتستحوذ على كل المخزون المائي ولا تبقي للأهالي غير العطش والموت ؟

ونعرض للنقاط التالية حتى نتبيّن الأمر ونكشف عن حقائق لا بد من معرفتها حتى ينجلي الأمر وتنفك السالفة.

1- خروج الأهالي للاحتجاج لم يكن للمرة الأولى بل سبقته احتجاجات واحتجاجات.. ولكنها جميعها لم تفضي إلى حل رغم العهود والوعود. وظل الأمر يراوح مكانه وكان التدخل الوحيد دائما من قبل الدولة هو عبر ذراعها الأمني للبطش والهرسلة وإجبار الناس على قبول الأمر الواقع وإخراسهم وإلزامهم بيوتهم, وبعض الاعتقالات والقضايا والسجون. ورغم تشدق السلط باحترامها لحق التظاهر والإحتجاج وطلب الحقوق لكنها تعود على صنمها عجوة التمر فتأكلها وتتبخر الحقوق وتحل العصا محلها.

وهذا إنما يكشف عن تهاوي وفشل منظومة الحكم وعدم قدرتها على الرعاية الحقيقية والاستجابة لحاجيات الناس, ولعمري سلطة بهذا المستوى وهذا التردي غير جديرة بالبقاء, والواجب كنسها لتترك المكان للأقدر.

2 – إن حالة العطش وفقدان الماء الصالح للشراب وانقطاعه المتكرر في جل مناطق البلاد صار خبرا عاديا نسمعه كل حين وبشكل متكرر وهذا يكشف عن مستوى العجز الذي وصلت إليه الدولة, وعدم قدرتها على حل هذه الأزمة متعللة بانخفاض مستوى السدود وهروب المائدة المائية.. وهذا كله محض كذب وافتراء, فالله الذي خلق الأرض قدّر فيها أقواتها لكل البشر والكائنات إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها, والغيث النافع لا ينقطع والمائدة المائية متوفرة والحمد لله, لكن انحسارها في عمق معين لا يعني انعدامها نهائيا بل هي في مستوى آخر، الأمر الذي يتطلب تنقيبا وبحثا وبالتالي نفقات وهذا ما لا تريده هذه الدولة الفاسد نظامها وقانونها, لأنها لا تهتم إلا بما تجبيه من جيوب الناس وليس من مهامها الإنفاق وبذل الجهد في الرعاية والسعي وراء متطلبات الحياة الكريمة لأهلها.

3- هناك أمر في غاية الأهمية، وجب المرور عليه وهو طبيعة الماء، هل يجوز تملكه من قبل الأشخاص والشركات أم هو للدولة أم هو ملكية عامة؟

جعل الشارع (رب العالمين) بعض الأعيان والمنافع ملكية عامة، فلا يستطيع أحد من الناس أن يحوزها لنفسه، ولا يحق للدولة أن تؤثر بها أحداً، أو أن تحميها لنفسها، أو أن تعطي بها امتيازاً لأحد أو لشركة. ويحق لأي فرد من الجماعة الانتفاع بها مهما كان عجزه أو فقره. فالملكية العامة ترجع إلى الأفراد، إذ هي تمكين للجميع من الانتفاع بأعيانها، إما تملكاً للعين كالاحتطاب، والأخذ من المياه، وإما انتفاعاً من غير تملك كالانتفاع بالطـرقات أو البحار والشطآن والصيد وما شاكل ذلك. والملكية العامة هي إذن الشارع للجماعة بالإشتراك في الانتفاع بالعـين. 

والملكية العامة هي كل ما هو من مرافق الجماعة بحيث إذا لم تتوفر لبلدة أو جماعة تفرقوا في طلبها. قال: (المسلمون شركاء في ثلاث: في الماء والكلأ والنار)، فالماء والمراعي ومصادر الطاقة كلها ملكية عامة فهي ليست ملكية أفراد ولا ملكية دولة وبالتالي لا يجوز شرعا تملكها للدولة أو إعطاؤها لأشخاص ولشركات للإنتفاع بها وبيعها للناس كما فعلت الدولة التونسية بمنحها تراخيص انتفاع لرؤوس أموال، الناس في أشد الحاجة إليها… وبالتالي ما أقدمت عليه السلط من منح التراخيص لشركات تعليب المياه هي جريمة لا تُغتفر وهي مساهمة منها في تجويع الناس والتضييق عليهم في سبل عيشهم. فالدولة في النظام الرأسمالي لا تهتم بحق العامة وأهل البلاد بقدر ما تهتم برؤوس الأموال الذين يقدّمون الدعم للوسط السياسي ويوصلونهم للحكم  لقاء رعاية مصالحهم وتمكينهم من ثروات البلاد للمتاجرة بها والاستثراء منها.

4- عودة على رجال الأعمال وحيتان المال الذين لا همّ لهم سوى الكسب بأي طريقة كانت، فهم لا يعنيهم عطش الناس وموت مواشيهم وهلاك زراعاتهم بقدر ما يعنيهم استمرار تدفق الأرباح الطائلة, لذلك توافدوا على منطقة الأبيض المعروفة بجودة مياهها وحصلوا على التراخيص بصفقات مشبوهة والتزموا باتفاقيات على الورق فقط وكل ثقتهم أنهم فوق القانون ولا خوف عليهم وعلى مصالحهم طالما الطبقة السياسية وقوانين البلد في الخدمة، وبذلك تواصل النزف ولم تحرك الدولة ساكنا إلا بعد خروج الأهالي وغلق الآبار والمسالك ومنع الاستثمار، لكن ماذا فعلت الدولة ؟ لجأت إلى “الحل” السهل وهو قمع المتظاهرين وتفريقهم بقوى الأمن, فلم يعد لها من خيار تتفاعل به مع الناس غير البلطجة وهي بذلك توجه رسالة لهذا الشعب أن أمركم لا يهمّني بقدر ما يهمّني أمر أصحاب رؤوس الأموال أسياد السياسيين ومشغليهم. وأن هذا التصرف يأتي وفق الدستور, الدستور الذي يقضي برسملة جميع الثروات الباطنية وتمليكها للشركات وبضعة من المستثرين بأموال الناس والعاملين في دولاب الرأسمالية وقوانينها الجائرة.

خلاصة: هذا حال البلاد منذ تربع على عرشها النظام الوضعي الرأسمالي، وسيستمر الشقاء طالما بقي وبقيت قوانينه نافذة، ولا حل لأهل تونس وغيرها من البلاد الإسلامية غير تفعيل نظام رب العالمين وتطبيق أحكام الإسلام العظيم التي تقطع مع التشريع الوضعي فتعود الحقوق لأصحابها ويعم خير الله على عباده ظاهرا وباطنا, ويزول كل ضنك مسّ أهل تونس وأهل الأرض قاطبة.

قال تعالى: (وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقا).

أ, علي السعيدي

CATEGORIES
TAGS
Share This