جولة وزير دفاع أمريكا في تونس والجزائر والمغرب: من أجل ماذا؟

جولة وزير دفاع أمريكا في تونس والجزائر والمغرب: من أجل ماذا؟

قام وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبر بزيارة تونس يوم 30\9\2020 في أول زيارة لبلاد شمال أفريقيا تشمل تونس والجزائر والمغرب، ووقع مع نظيره التونسي إبراهيم البرتاجي اتفاقا للتعاون العسكري لمدة 10 سنوات. فقال الوزير الأمريكي: “نحن مسرورون لتعميق التعاون من أجل مساعدة تونس على حماية موانئها وحدودها” وبين أن الهدف هو ” مواجهة المتطرفين والذين يمثلون تهديدا” وأيضا ” منافسينا الإستراتجيين الصين وروسيا بسلوكهما السيء”. فالمقصود من جولته لمواجهة المسلمين العاملين على التغيير وإقامة الدين ويطلقون عليهم متطرفين في عملية قديمة للأمريكا بدأت مع حربها على العراق تقسيم المسلمين إلى متطرفين ومعتدلين لتحريض المسلمين على بعضهم البعض وجعل المسلمين يستسلمون لمشاريعها الاستعمارية. وهذه خطة لتعزيز النفوذ الأمريكي في المنطقة التي جل أهلها من المسلمين ويتوقون لتطبيق الإسلام ورؤية دولته قائمة ووحدتهم ماثلة إذ مزقوا لدويلات تونس وجزائر ومغرب وغيرها.

وألقى الوزير الأمريكي كلمة في المقبرة العسكرية الأمريكية في قرطاج حيث دفن عسكريون أمريكيون قتلوا في الحرب العالمية الثانية. وقد استقبله الرئيس التونسي قيس بن سعيد في قصر قرطاج. (الجزيرة 1\10\2020) والجدير بالذكر أن أمريكا جعلت تونس حليفا استراتيجيا مهما خارج الحلف الأطلسي منذ عام 2015. فيظهر أن أمريكا رسمت خطة لبسط نفوذها على تونس خلال 10 سنوات. فسوف تقوم بشراء ذمم رخيصة في الجيش والأمن، ضمن التدريبات العسكرية المشتركة حيث تشارك قوات أمريكية مع الجيش التونسي في تدريبات بانتظام وقد خصصت دعما للجيش التونسي بحوالي مليار دولار منذ ثورة عام 2011 كما ذكرت قيادة أفريكوم الأمريكية الاستعمارية. ومثل ذلك حصل في مالي إذ إن الضباط الذين قاموا بالانقلاب مؤخرا في مالي يوم 27\8\2020 على الرئيس إبراهيم كيتا الموالي لفرنسا كانوا ممن اشترتهم أمريكا ضمن دورات التدريبات المشتركة بين القوات المالية والأمريكية.

 والجدير بالذكر أن  السفير الأمريكي السابق في تونس غوردن غراي كشف عن اتصالات سفارته وموظفيها بتنظيمات المجتمع المدني من جمعيات ونقابات وتقديم الدعم، أي شراء ذمم رخيصة، بجانب الاتصال بالأحزاب السياسية التي أغلب توجهاتها أوروبية في محاولة لكسب ذمم رخيصة أيضا فيها.

وقد أشاد وزير الدفاع التونسي البرتاجي على “أهمية الدعم الذي تقدمه أمريكا في مجال أمن الحدود ومساهمتها في تركيز منظومة المراقبة الإلكترونية” كما أوردت وزارة الدفاع التونسية” (أ ف ب 1\10\2020). فوزير الدفاع التونسي يوسع فتحة الباب أمام العدو حتى يرى في يوم من الأيام بلاده وقد بسط الأمريكان نفوذهم فيها، ولم يعمل على إعادتها إلى أصلها بلدا يحكم بدينه الإسلامي الحنيف وسيلقى ربه ويحاسبه مع أقرانه من الوزراء والمسؤولين حسابا عسيرا على ما فرطوا في جنب الله.

وأعلنت أفريكوم في بيان في أيار الماضي أنها حيال تأزم الوضع في ليبيا تعتزم إرسال فرق دعم إلى تونس ما أثار انتقادات واسعة من قبل الرأي العام في تونس ثم أعلنت في بيان ثان أن هذه الفرق ستكون للتدريب المشترك وليس للقتال. ولا فرق بين التدريب والقتال، إذ إن القوات الأمريكية وهي تقود التدريبات تدير المعارك بجنود من أهل البلاد وليس من رعايا كما فعلت في سوريا مؤخرا، حيث قادت ما سمي بقوات سوريا الديمقراطية المشكلة أغلبها من الحركات الكردية القومية. وتعني القوى الديمقراطية أنها القوى التي تقبل بالقوانين والتشريعات الغربية وتوالي القوى الغربية وترفض تطبيق الإسلام وتشريعاته وتعادي الحركات الإسلامية العاملة على تطبيق الإسلام.

 ووصل إسبر الجزائر يوم 1\10\2020 كأول وزير دفاع أمريكي يزور الجزائر منذ عام 2006 حيث أجرى محادثات مع الرئيس عبد المجيد تبون الذي يشغل أيضا منصبي قائد القوات المسلحة ووزير الدفاع. فذكر بيان الرئاسة الجزائرية أن” الرئيس الجزائري ووزير الدفاع الأمريكي استعرضا العلاقات بين البلدين وآفاق تعزيزها في مجالات عديدة في لقاء وصف بالمثمر، وأنهما بحثا تطورات الوضع في ليبيا والساحل الأفريقي واتفقا على ضرورة التشاور والتنسيق من أجل توطيد أركان الأمن والسلم في المنطقة في إطار احترام وحدة وسيادة دولها”.

وفي بيان للسفارة الأمريكية في الجزائر أن “إسبر عبر عن دعمه لتوسيع العلاقات العسكرية بين البلدين كما أبرز الدور الريادي الثابت للجزائر في مجال الأمن الإقليمي فذكر البيان أن ” إسبر جدد التزام الولايات المتحدة الأمريكية بمواصلة العمل يدا بيد مع الجزائر لترقية العلاقات العسكرية وتعزيز الأمن والاستقرار الإقليميين” (الأناضول 2\10\2020)

إن الجزائر استعصت على أمريكا منذ أن تسلم هواري بومدين الحكم عام 1965 وقلب عميل أمريكا أحمد بن بيلا وارتبط وربط الجزائر ببريطانيا وبأوروبا. وحاولت أمريكا العودة في ظل عبد العزيز بوتفليقة ولكنه أبعدها وبقي على ولائه الإنجليزي. والآن في ظل ضعف نظام الحكم واهتزازه عقب الاحتجاجات الشعبية التي أسقطت عبد العزيز بوتفليقة ورفضت كافة العملاء والعمالات والارتباط بأية جهة استعمارية تحاول أمريكا ابتزاز الجزائر واستغلال هذه الفرصة لاستمالة حكامها. وتأتي أمريكا بذريعة تعزيز الأمن والاستقرار أي استقرار أوضاع الأنظمة وعدم سقوطها واستقرار الهيمنة الاستعمارية الغربية، ولكن تتنافس القوى الغربية بينها، بل تتصارع وتستخدم أهل البلاد أدوات لتنفيذ مشاريعها.

  ويوم الجمعة يوم 2\10\2020 واصل الوزير الأمركي جولته في بلاد شمال أفريقيا حتى وصل الرباط ليناقش تعزيز العلاقات الوثيقية مع المغرب في المجال الأمني. واختتم زيارته للمغرب وهي حليف استراتيجي لأمريكا خارج حلف الناتو. فتهدف زيارته إلى تعزيز التعاون العسكري حيث يحتضن المغرب كل سنة مناورات الأسد الأفريقي تحت إشراف القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا (أفريكوم) واجتمع مع الوزير المنتدب المكلف بالدفاع عبد اللطيف لودي.

وهناك وقع الوزير الأمريكي اتفاقية إطار على تحديث الصناعات العسكرية والدفاعية في المغرب واتفاقية تعاون عسكري لمدة 10 سنوات ما يشبه ما فعله في تونس. فقال إسبر:” إن الاتفاقية ستفتح أبواب التعاون الثلاثي بين المغرب وأمريكا والدول الأفريقية” مستدلا على ذلك “بمناورات الأسد الأفريقي” والتي انطلقت عام 2007 بين المغرب وأمريكا بمشاركة بمشاركة عدو دول أفريقية. ووفقا لبيان وزارة الدفاع المغربية بحث لودي مع إسبر تعزيز التعاون العسكري والنهوض بالاستثمار الأمريكي في مشاريع الصناعة الدفاعية بالمغرب” وأوضح التزام بلاده بمكافحة الإرهاب والتدابير الإنسانية لحل أزمة الهجرة انطلاقا من دورها كفاعل في الاستقرار الإقليمي بمنطقتي الساحل والمتوسط”.

ومن المعلوم أن المغرب ما زال على ولائه لبريطانيا خاصة ولأوروبا عامة، وتعمل أمريكا على بسط نفوذها هناك، حيث قامت بمحاولات انقلاب على الملك السابق الحسن عام 1972 بواسطة الجنرال محمد اوفقير الذي كان يعتبر اليد اليمنى للملك فاشترته أمريكا وانقلب على الملك.

وهكذا تعمل أمريكا في هذه البلاد الثلاث التي تتبع النفوذ الأوروبي وخاصة البريطاني لتعزيز نفوذها، بل لتركيزه وطرد النفوذ الأوروبي والبريطاني خاصة، وذلك بشراء الذمم بين السياسيين والعسكريين وعقد الاتفاقيات العسكرية وعمل التدريبات المشتركة. فإن تعزيز النفوذ الأمريكي العسكري يمر بعقد الاتفاقيات وشراء الذمم وعمل التدريبات بجانب تقديم المساعدات. وفي الوقت نفسه تحارب تحرير البلاد من الاستعمار وعودة الإسلام. فما على أهل البلاد إلا أن يعوا ويثوروا على هؤلاء الحكام الرويبضات ويأتوا بحكم يستند إلى دينهم ورجال دولة صادقين واعين.

 أستاذ أسعد منصور

CATEGORIES
TAGS
Share This