حديث الثورة

حديث الثورة

 أ.الأحمدي

قد يذهب في ظنّ البعض من النّاس حين الحديث عن الثورة إنّما هو الحديث عن مجرّد ذكرى لحدثٍ  قد حصل في بلادنا منذ فترة من الزمن, نروى أحداثها ونُدوّن تاريخها كماضٍ ذهب و ولّى , فنقف على رأي من يمجّدها و يمدح حدثها , أولائك الذين انتفعوا منها و انتهزوا الفرصة فيها , أو أن نسمع من أولائك الذين سخِطوا عليها لذهاب ريحهم فيها و تضرّرت مصالحهم منها , و في الحقيقة فإنّ هذا المذهب هو جزء من مذهب الاستعمار من الثورة في بلادنا , و هو الأمر الذي سعت إليه دوائره و عملاءه في التسويق له , و ذلك بالعمل على حصر زاوية نظر عامّة النّاس حين الحديث عن الثورة و حشرهم في الثقب الذي صنعته لهم , بغية توجيه الرأي العام و التحكم فيه , من أجل ضمان عدم انفلات الأمور من بين يديه , و إعدام الأمل و إشاعة اليأس عند أبناء الأمّة , و فرض التسليم بالأمر الواقع للحيلولة دون إعادة المحاولة للتغيير من جديد , و أمّا الجزء الثاني من هذا المذهب , فقد قام المستعمر و بمكر منه باللّف على الثورة عمليّا , بأن صنع  حزام أمان له من أبناء الأمّة مكوّن من شقين ,أمّا الشقّ الأوّل فهي تلك الطبقة من العملاء من الصفّ الثاني , فقد ألبسوهم لبوس الثورة و مكنوهم بالرجال و المال للتسلّل إلى السلطة ,  فيما اشتغل الشقّ الثاني بإحياء و تنشيط الوسط السياسي الموالي له عبر كلّ الوسائل الإعلاميّة المتاحة , في محاولة لإثارة نقمة عامّة الناس على الثورة , و إبعادهم عن الحديث عنها تفاديا لخطرها عليه و على مصالحه.

     إنّ الحديث عن الثورة لا يصحّ مطلقا أن يكون انطلاقا من الزاوية التي رسمتها الدوائر الأجنبيّة , و التي يروّج لها الوسط السياسي الموالي لها مدعوما من الإعلام المأجور ,  و إنّما يجب النظر إلى الثورة من الزاوية  الصحيحة , زاوية طبيعة الأمّة الإسلامية و العقيدة التي تقوم عليها من جهة , و مدى تقبلها للعلمانيّة و رضاها بالمخططات الاستعمارية من جهة أخرى , فهذه هي الزاوية التي يجب اعتمادها حين الحديث عن الثورة , لأنّ أصل الموضوع هو ملاحظة واقع العلاقة بين أمّة الإسلام و بين عدوّها , و مدى استجابتها لمخططاته الفكريّة والسياسيّة التي ما فتئ يحاول إنجازها في سائر بلاد الإسلام .

      و نظرة بسيطة إلى واقع الأمة و ما يجري فيها من أحداث , سواء في بلادنا أو في سائر بلاد المسلمين ( بحكم صفتها و بحكم نظرة  الاستعمار العدائيّة لها ) , تُرينا عمق القطيعة بين عموم المسلمين  و بين الأنظمة الجاثمة على صدورهم ,فأوّل علامات القطيعة هو عدم قناعة كلّ المسلمين بمّا يُطبّق عليهم من وجهة نظرٍ و قوانين و أنظمةٍ مخالفة لعقيدتهم و ما يؤمنون به من تشريعات , الأمر الذي أوجد عند أهل البلد حبّ مخالفة ما يُطبّق عليهم , وانتهاز كلّ فرصة تتاح لهم لتجاوز تلك القوانين , لشعورهم بغربتها عنهم و تعبيرا منهم عن عدم رضاهم عنها , حتّى أصبح عدم الانضباط الطوعي بأوامر الدولة أمرا مشهودا له عالميا , و بناء على ذلك  فقد تمّ الالتجاء إلى القمع والبطش لتسيير دواليب الحكم و محاولة فرض هيبة هذه الدولة بالقوّة على أهل البلد , ممّا جعل السّخط و التبرّم ظاهرين على وجوه كلّ النّاس , و قد صدق رسول الله صلّ الله عليه وسلّم حين وصف مرحلة الحكم هذه بالجبريّة لما فيها من عتوّ و قهر لعموم النّاس .                 

     و أمّا ثاني العلامات فهي الإحساس المتنامي بين أوساط العامّة بغربة كلّ من تربّعوا على سدّة الحكم في هذا النّظام الديمقراطي , فأنفاس هؤلاء الحكّام كأنفاس الوسط السياسي الذي نبتوا فيه ليست متجانسة مع ما تشعر به الأمّة و ما تطمح إليه ,  و لذلك  فهي تفرح لقدوم أيّ جديد منهم للسلطة طمعا في أن يكون على قدر ما تصبو إليه , و تذمّ كلّ تلف منهم لخيبة الأمل فيه , نعم , لقد بدأ الوعي السياسي يأخذ دوره الطبيعي إذ أصبح الكشف عن زيف كلّ من تولّى السلطة أمرا سريعا , و لا يحتاج إلى ما كان يحتاج إليه من  طول وقتٍ , و هو ممّا يدلّ على تدفّق الحياة في جسم الأمّة و علوّ سقف الوعي فيها , و أنّها في طريق الحسم السّريع مع كلّ الأجسام المزيّفة قريبا إن شاء الله تعالى .

أمّا ثالث العلامات , و هي العلامة الفارقة التي تدلّ على عدم رضاء أهل البلد على هذا النّظام و على كلّ رجالاته , هو انكفاء الغالبية العظمى من النّاس عن المشاركة في أيّة محطّة من المحطّات الانتخابيّة لتجديد هياكل الدولة و محاولة بثّ روح النّشاط و الحيويّة فيها , و مع ذلك و رغما عن المجهودات الجبّارة التي ما فتئت تبذلها  كلّ الدوائر المشبوهة بغية شدّ النّاس إلى هذا النّظام و تحفيزهم للانخراط في دورته , و رغما عن الأموال الضخمة المرصودة و الضخّ الإعلامي الذي لا يكاد يفارق أنفاس النّاس , فإنّ الانخفاض المستمر في نسب المشاركة ما فتئ يدلّل عن العزوف المتنامي عند عامّة النّاس من هذا النّظام , و هو الأمر الذي أثار قلق و تخوّف الدوائر الاستعماريّة الأمر الذي دفع بهم إلى التوجه سريعا و بكلّ ثقلهم إلى إنشاء الجمعيات المشبوهة في بلادنا , قصد تركيز وجهة نظرهم في الحكم و عن كيفية القيام بمحاسبته في محاولة لتوظيف طاقات أبناء الأمّة للحفاظ على مشاريعه السياسية في بلاد الإسلام .

إنّ الثورة في حقيقتها وقبل أن تكون فعلا منجزا , إنّما هي خَلجان في الصدور, و توقّد في الشعور , و حلما يراود العقول و هاجسا ينتاب المخلصين , و هذه الصفات النبيلة ليست غائبة في أمّة الإسلام , بل هي بارزة و ظاهرة للعيان , فلا تخفى إلا على المثبّطين و الكسالى الخانعين أولائك  الذين حصروا وجهة نظرهم في الزاوية التي صنعها الاستعمار , و إنّه لمن الخطأ الشنيع النظر إلى هذه الأمّة نظرة ازدراء و استخفاف و اتّهامها  بالجمود , و بخسها بين الأمم , و إنّ كلّ من يفعل ذلك , لا يعدو أن يكون عاقّا لها , راكبا موجة الاستعمار فيها , فأمّة الإسلام بعقيدتها إنّما هي أمّة عريقة لا تلبث أن تنهض بعد كبوتها , و إنّ رغبتها لجامحة في تغيير حالها بالإسلام , و إنّه لمن الخطأ الفادح تصوّر حالها على غير ذلك , فإنّه و رغما عن عجزها في كثير من الأحيان عن التعبير الدقيق عن سبب نكبتها , و عن وصف سبيل خلاصها , إلا أن أبسط مخاطبةٍ لها بالإسلام كما و أنّ كلّ حدث يلمّ بالمسلمين ليجد التفاعل و المدّ العظيم بين المسلمين في دلالة واضحة على تأثير العقيدة الإسلامية  فيهم و في تعبير واضح بأنّهم لا ينظرون إلا إلى الإسلام على اعتبار أنّه  السبيل الوحيد لخلاصهم  , و بناء على ذلك فهي لا تنتظر إلا المخلصين ليأخذوا بيدها وينيروا لها طريق عزّها و مسلك  مجدها ,طريقا لا طاعة فيه إلا لله تعالى , يغيّر حالهم تغييرا جذريا تكون نتيجته إقامة شرعه سبحانه في ظلّ خلافة على منهاج النبوّة , تزيل عنهم كلّ كوابيس الأنظمة العلمانيّة و تحرّرهم من إجرام حكامهم , أميرهم فيها منهم و إليهم , يحبّهم ويحبونه , فرحهم فرحه و أوجاعهم أوجاعه . فكونوا معنا طاعة لله تعالى يحقّق على أيدينا النصر و التمكين و السّنا والرفعة و الدين ورضوان منه بحوله تعالى .

CATEGORIES
Share This