حديث في أزمة “تونس”..

حديث في أزمة “تونس”..

الأزمة، الخروج من الأزمة، الإصلاح، تصحيح المسار، تحقيق أهداف الثّورة… كلمات سيطرت على العناوين وشغلت العقول والقلوب. وكثر فيها القيل والقال. وفي هذه الأسطر القليلة حديث عن أزمة تونس. البحث في الأزمات وأسبابها ونتائجها وسبل الخروج منها، لا يكون إلا بالرّجوع إلى الثّوابت باعتبارها الحقائق القاطعة الراسخة، منها ننطلق لنرى:

 أوّلا أنفسنا فمن نحن؟ وما هي حقيقتنا؟ ثمّ ننظر في موقعنا أين نحن؟ وما هو الهدف الذي نريد تحقيقه؟ وبالإجابة عن هذه الأسئلة (المنطلقات)ندرك ملامح الطّريق الصّحيح ونستطيع بهذا الإدراك أن نتبيّن أزماتنا هل هي ابتلاء وتحدّيات ينبغي الصبر لتجاوزها؟ أم إنّنا سلكنا طريقا خاطئا وأنّ كلّ أزماتنا هي نتيجة خروجنا عن الطّريق؟ 

الثوابت:

  • نحن في تونس شعب مسلم وجزء من أمّة إسلاميّة.

  • وبما أنّنا مسلمون فالإسلام الذي أنزله الله تعالى بأوامره ونواهيه هو الذي يُحدّد لنا خطّ السّير. 

  • خطّ سيرنا ينطلق من الدّنيا نحو الآخرة حيث سنبعث يوم القيامة ويحاسبنا الله تعالى على التزامنا بأوامره ونواهيه في الدّنيا وهل التزمنا بدورنا الذي حدّده الله لنا باعتبارنا مسلمين.

ماذا يعني الانتماء إلى الأمّة الإسلاميّة؟

وصف الله تعالى الأمة الإسلامية بقوله: ( كنتم خير أمة أخرجت للناس) وخيريّة الأمّة الإسلاميّة لها علاقة ببقيّة الأمم، فالخيريّة هنا ليست تفضيلا ولا طبقيّة تجعل الأمّة الإسلاميّة قوميّة تنازع القوميّات الأخرى مراكز السيادة والنّفوذ في العالم، إنّما هي خيريّة لفائدة النّاس ولأجلهم. أمّا الوصف الأهمّ الذي يهمله كثير من المسلمين فهو في فعل “أُخرجت” المبنيّ للمجهول، ففاعل الإخراج معلوم هو الله سبحانه وتعالى الذي أخرج هذه الأمّة الإسلاميّة والإخراج هنا بمعنى التكليف لا التّشريف فالأمّة الإسلاميّة، إذن،  أمّة كلّفها الله تعالى أن تُخرج بقيّة الأمم من الضّياع والاستعباد وهذا يعني أن هذه الأمة أرادها الله أن تقود الأمم الأخرى، وتحمل لها رسالة الإسلام التي جاء بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وتوجّه العالم لتنقله من الظلمات إلى النور.

هذه هي حقيقة الأمّة الإسلاميّة التي يجب أن تكون عليها، وهذه الحقيقة المركزيّة هي التي يجب أن يعيها المسلمون جميعا ومنهم شعب تونس المسلم، يجب عليهم أن يدركوا تمام الإدراك أنّهم جزء من أمّة لا مجرّد أفراد، فالمسلم ليس مجرّد فرد يعيش ليأكل ويتنعّم ويحقّق الرفاه المادّي والاقتصادي، إنّما هو جزء من أمّة مكلّفة برسالة والرسالة هي أن يخرج النّاس كلّ النّاس من عبوديّة البشر والمادّة إلى عبوديّة الله تعالى. 

هذه الحقيقة هي التي ترسم للشعوب والأفراد خطّ السّير الصّحيح، هذه هي الحقيقة التي يجب أن ننطلق منها في تحديد مسارنا في تونس، فنحن في تونس مسلمون جزء من أمّة عظيمة وعظمتها تمثّلت في تحمّل رسالة ربّ العالمين بالانضمام إلى باقي الشّعوب المسلمة في إطار دولة واحدة كانت الدّولة الأولى في العالم، وكنّا هنا في تونس قادة الجناح الغربي لهذه الدّولة ومن هنا من تونس انطلقت الفتوحات إلى باقي بلدان شمال إفريقيا وجنوب أوروبا، من تونس من هنا كان الإشراف على حوض المتوسّط الذي صار تحت إشرافنا بحيرة إسلاميّة هادئة مطمئنّة. في كلمة كنّا أسيادا لا طغاة، أنقذنا شعوبا كثيرة وبدّنا ظلمات لفّت لقرون طويلة بلدانا كثيرة.

كلّ هذا تحقّق بحسب التزامنا بالإسلام خاصّة التزامنا بأداء الرسالة إلى باقي الشّعوب، وبحسن تطبيق أحكام الإسلام، ومن يقرأ تاريخنا يرى بوضوح أنّ كلّ أزماتنا في تونس كانت بسبب الظّلم الذي ارتكبناه وعمق أزماتنا كان على قدر الخروج عن دورنا، فيوم أن خرج بايات تونس وانفصلوا عن الدّولة الإسلاميّة، وركنوا إلى وسوسة قناصل أوروبا بحديث الإصلاح والتّحديث الذي لم يكن إلا تخلّي تونس عن دورها الأساسي والانحطاط إلى البحث عن الرفاه المادّي فكانت الأزمة بل الخراب والاستعمار. 

في أيّ طريق تسير تونس؟ 

هل نحن في الطّريق الصّحيح؟ وما يحدث من أزمات هلهو  عقبات الطّريق التي لا مناص من اجتيازها؟ أم نحن في طريق خاطئ؟

للجواب على هذا السّؤال، ننظر في ملامح الطّريق الذي رُسم لتونس ومن رسمه؟ 

قالوا: تونس كيان مستقلّ، ويظهر من هذا الكلام أنّه مستقلّ عن كلّ الدّول الأخرى وبخاصّة دول الاستعمار وأنّ أهلها هم أصحاب القرار فيها. وقالوا أقمنا علاقات جيّدة مع دول العالم الشقيقة والصّديقة ليدعمونا في مسيرتنا. 

قالوا: أنجزنا نصف المهمّة (قطعنا نصف الطّريق) بواسطة الدّيمقراطيّة وتركيز دولة القانون والمؤسّسات. 

قالوا: بقي نصف الطّريق الثّاني وهو الاقتصاد وتحقيق الرّفاه المادّي للشعب التّونسيّ، وهو الأصعب ونحن سنستعين ب”أصدقائنا” لنقطعه بسلام آمنين. وما يحدث من أزمات اليوم ما هو إلا تحدّيات وصعوبات وسنتجاوزها…. 

هذه هي خلاصة الأقوال التي يردّها السياسيّون والمثقّفون وهذا هو الطّريق الذي يريدون من شعب تونس أن يسلكه. هذا الطّريق رُسم لنا وفق تفكير الغرب، أمّا الأهداف فمن رسم قادة الغرب الذين اجتمعوا بعد الحرب العالميّة الثّانية ليُعلنوا هيمنة فكرهم وحضارتهم على العالم، ومن ثمّ وزّعوا الأدوار على شعوب العالم، الشّعوب الغربيّة تكون في الصّدارة لها الخلق والابتكار والتسيير أمّا باقي الشّعوب فخدم وتبع للغرب ويكفيهم أن يضمنوا أكلا جيّدا ومسكنا لائقا ….. وإن نبغ منّا عقل وبان من أبنائنا عبقريّة فيأخذونها عندهم لتصبح منهم ونبقى نحن مجرّد خزّان (احتياط استراتيجي) نمدّ الغرب باليد العاملة الرخيصة والعقول الفذّة.   

هذا ما يريدونه لشعب تونس وهذا هو الطّريق الذي يدعوننا إليه. فهل نسير فيه؟ وهل هو الطّريق الصّحيح؟ 

 بالرّجوع إلى الثّوابت نرى أنّها أقوال منحرفة تسوقنا إلى طريق العبوديّة للغير وتُبعدنا عن حقيقتنا وأهدافنا:

  • فالقول باستقلال تونس، هو قول زور وباطل، فتونس مازالت تحت الهيمنة الغربيّة وقرارها ليس بأيدي أهلها، والأخطر أنّ حديث الاستقلال هذا هو في حقيقته القول بانفصال تونس عن جسمها الطّبيعيّ، الأمّة الإسلاميّة وهذا الانفصال هو ما جعل تونس تقع فريسة للدّول الأوروبيّة منذ قرنين تقريبا، وهو ما جعل تونس اليوم كيانا هزيلا ومسرحا لصراعات دوليّة يصطفّ فيها السياسيّون في تونس كلّ وراء سيّد أوروبيّ أو أمريكيّ، حتّى تحوّلت الساحة السياسيّة في تونس إلى حروب بالوكالة وتحوّل معها السياسيّون إلى مرتزقة مأجورين. فهل نواصل؟؟؟ 

  • والقول بأنّنا قطعنا نصف الطّريق باتّخاذنا الدّيمقراطيّة نظاما سياسيّا. وسؤالنا هنا هل خفّت حدّة الأزمة أم إنّها زادت وتضاعفت؟ الجميع يشهد أنّ الأزمة صارت أزمات وأنّ الأمور تعقّدت. قالوا إنّهم نظّموا أمور الدّولة فإذا هي تضيع وتتلاشى فأين هي الدّولة؟؟؟ وواضح هنا أن الانحراف عن الإسلام الذي يمثّل حقيقة الشّعب التّونسيّ، قد أخرجنا من الطّريق الصّحيح إذ الإسلام هو الطّريق المستقيم وما دونه طريق الضّلال والضياع. فالشّعب التّونسيّ شعب مسلم، فما له وما للدّيمقراطيّة التي تجعل التشريع للبشر وتجبرنا على أن نكون عبيدا لحفنة من أصحاب المصالح والمرابين؟ واضح أنّ طريق الدّيمقراطيّة هو طريق الاستعباد. فلماذا نواصل السّير فيه؟ وواضح أنّ طريق الدّيمقراطيّة يُغضب الله، فماذا سنقول يوم القيامة حين نُبعث؟ الله أنزل إلينا نظاما كاملا عادلا، هل سنقول تركناه وأعرضنا عنه واخترنا بشرا يُشرّعون مكن دون الله؟ أليس هذا هو الهلاك المبين؟ 

  • أمّا القول بأنّ الأولويّة اليوم في تونس هي التنمية بخلق الثروة وتحقيق الرّفاه الاقتصادي للشعب، فهو طريق غاية في الانحراف والخطورة. فهو قول ينحرف بنا عن الثّوابت فالمسلمون ما خلقهم الله فقط لتحقيق الرّفاه الاقتصادي وما جعلهم “خير أمّة..” ليكونوا أغنياء مرفّهين. إنّما حُمّلوا رسالة لتخليص أنفسهم وسائر البشريّة من عبوديّة ذليلة هي عبوديّة لأصحاب المال والنّفوذ إلى عبوديّة ربّ البشر وحده لا شريك له. فالرّفاه الاقتصادي ليس غاية للمسلمين إنّما هو تحصيل حاصل ولا ينبغي للمسلم أن يجعله غاية، وقولنا تحصيل حاصل راجع إلى أنّ الله تكفّل لنا بالرّزق بمعنى أنّه خلق ثروة في العالم تكفي النّاس جميعا ويكفي أن نلتزم بأوامر الله ونواهيه حتّى يكون التوزيع عادلا وحتّى يتحقّق الرّفاه الاقتصادي، ولذلك لم يكلّفنا الله عناء “خلق الثّروة” إذ هو المتكفّل بذلك إنّما كلّفنا بتطبيق الإسلام وجعل البشريّة تخضع لنظام الإسلام ومنه نظام توزيع ربّانيّ للثروة التي خلقها الله تعالى، وهو بلا ريب العدل والرحمة. وكلّفنا بأن نحمل هذا النّظام لتتعرّفه باقي الشعوب والأمم حتّى تنعم بعدله ورحمته. هذا هو حقيقة دورنا أن نكون قادة للخير والسّلام في العالم. وهذا الأمر حقيقة تاريخيّة وواقعيّة:

 فأمّا تاريخيّا فبعد أن كانت تونس مستعمرة بيزنطيّة ومطمورا لروما وكان أهلها عبيدا، جاءها الإسلام وجاءها الصّحابة ومن بعدهم فأنقذوها وأهلها وصارت جزء من كيان عظيم وصار أهلها أعزّة ومن ثمّ خرجوا بقيادة عقبة وموسى ابن نصير وطارق ابن زياد وأسد ابن الفرات خرجوا ينشرون هذا الخير الذي جاءهم. 

أمّا واقعيّا فهذا الأمر ممكن، إذا أبصرنا حقيقتنا (أنّنا عباد لله خلقنا وسنموت فيبعثنا) وتمسّكنا بثوابتنا الإسلام التزاما بتطبيقه وتحمّلا لمسؤوليّة إيصاله للعالمين، بالكيفيّة الشّرعيّة الصّحيحة … وللحديث بقيّة..

أ, محمد الناصر شويخة

CATEGORIES
TAGS
Share This