حراك الجزائر.. فصل من فصول ثورة الأمة

حراك الجزائر.. فصل من فصول ثورة الأمة

انطلقت من تونس وامتدت لتشمل ليلبيا ومصر وسوريا واليمن وباعتراف القوى الاستعمارية المهيمنة على بلاد المسلمين كانت انطلاق الثورة في تونس مفاجأة لأجهزة استخبارات تلك القوى ولم تكن تتوقع أن تحدث ثورة في العالم الإسلامي تدعو إلى التغيير وتطالب بإسقاط عروش العملاء والخونة، لقد تفاجؤوا لكنهم تمكنوا سريعا من استيعاب ما حصل في تونس ومصر وليبيا و اليمن واستطاعوا أن يوظفوا  ذلك الحراك لفائدتهم و تكييفه  لخدمة أجنداتهم ومخططاتهم وبالتالي تلافوا السقوط الفعلي للنظام بل أمكن لهم من إرجاع  رموزه و كأن شيء لم يكن كما حدث في تونس ومصر والمحافظة عليهم بالكامل في سوريا رغم هول المجازر المرتكبة في حق الأهالي هناك.

وللتوقي من حدوث ثورات فعلية تؤدي إلى التغيير الجذري وتلقي بهذا النظام والقائمين عليه في أقذر مزابل تاريخ جعلوا نموذجا يمكن له تعميمه لاحقا في سائر بلاد المسلمين وخاصة تلك التي شهدت حراكا لكنهم تمكنوا من حرفه عن مساره وجروه نحو التقتيل والتدمير وهذا ما نجحوا فيه في سوريا واليمن وليبيا وألقوا بكل الآثام على من ثاروا ضد الظلم والاستبداد، فتدمير سوريا وتمزيق اليمن والفوضة الحاصلة في ليبيا تمّ التخطيط له في غرف القوى الاستعمارية المظلمة وعلى أعين زعماء تلك القوى وفي المقابل رسموا لتونس مسارا مغايرا وهم الآن يبذلون قصار جهدهم لإنجاحه أولا ثم تعميمه ثانيا بعد التسويق له وجعله الخيار الوحيد والأمثل للأمة وهذا الخيار هو المسار الديمقراطي وقد قطع أشواطا في تونس نحو التحقيق والترسيخ  حتى لا تلتفت أنظار الأمة تجاه البديل الحقيقي والحل الناجع لمشاكلها وهو تطبيق الإسلام بوصفه نظام حكم لا مجرد عبادات لا تتخطى عتبات المساجد، وقد جعلوا لمخططهم هذا غطاء براقا من قبيل التداول السلمي على السلطة والانتقال الديمقراطي ونحو ذلك، والحال أنهم لم يغيروا شئيا وكل ما فعلوه هو إعادة رسلكة النظام مع تغيير بعض الوجوه وفي النهاية ابقاء الحال كما هو عليه وكما ذكرنا في مقال سابق الأفعى تغيير جلدها وتبقي على سمها الزعاف وهذا ما هو جاري اليوم تجاه الحراك في الجزائر فكل الدلائل والمؤشرات توحي بأنهم يعملون على استنساخ ما حدث ويحدث في تونس وهم  بصدد إعداد نفس الطبخة التي أعدوها لأهل تونس ويسعون بكل الطرق لنستسيغها رغم مرارتها ثم نهضمها رغم ما تتوفر عليها من مضار يصعب عدها وحصرها وما كان لهم أن ينجحوا في مسعاهم لولا وجود عوامل عدة ساهمت في الحيلولة دون احداث التغيير الجذري وإسقاط النظام بالكامل.

الركوب على الثورة

بمجرد هروب “بن علي” وبمجرد التأكد من عدم عودته لترأس البلاد سارع مناصروه ومحبوه وكل من ساندوه إلى أخر رمق من فترة حكمه إلى الالتحاق بموكب الثورة ولم يتخلف منه أحد، بل أكتلوا الصفوف الأمامية وتصدروا المشهد منددين بسياسة ” بن علي” واصفا فترة حكمه بأبشع النعوت وكلهم تبرأ من ممارسات المخلوع وزمرته وفي لمحة البصر تحول  أعداء البلاد والعباد إلى ثوار مستعدين لتضحية بالغالي والنفيس من أجل أن تسترد تونس سيادتها ويستعيد أهلها كرامتهم التي استباحها “بن علي” ومن قبله “بورقيبة” وانخرط جميعهم في تمجيد الثورة وتملق الشعب حتى بلغ بهم الأمر حد تخوين من  يعتبر “محمد البوعزيزي” منتحرا وليس شهيدا، وهذا تقريبا ما يحدث الآن في الجزائر فمن كان يؤيد ترشح “بوتفليقة” لعهدة خامسة ويراه من أوكد الأشياء التي تضمن للجزائر الاستقرار والسير بثبات نحو السؤدد والرقي غير موقفه 180درجة بعد تشبث الشارع برحيل الرئيس العاجز ورفضه رفضا مطلقا لبقائه في الحكم ولو ليوم واحد وما الانحياز المفاجئ لعدة رموز من حزب “جبهة التحرير” للحراك الشعبي إلا دليل على أن ما حصل في تونس هو بصدد الاستنساخ اضافة إلى موقف الجيش وإصرار القائد الأعلى على إعلان الشغور في منصب الرئاسة لعجز “بوتفليقة” على أداء مهامه وكأن  المرض ألمّ به في الآونة الأخيرة وليس منذ سنوات هذا وكما أحدث لجوء “محمد الغنوشي”ومن معه  للفصل 57من الدستور ابان هروب “بن علي” جدلا واسعا وانقسم الناس بين مؤيد ورافض لذلك الاجراء ضجّ الشارع الجزائري بمجرد دعوة ” أحمد قايد صالح” إلى تطبيق المادة 102من الدستور وانحصر الجدل حول اتخاذ هذا الاجراء وتمّ صرف الأنظار عن المشكل الأساسي وهو النظام وانحصر التركيز على الجوانب الهامشية وفي نهاية المطاف ربما يقع العدول على ما دعا اليه قائد الجيش ليقع بعدها الإيهام  بانتصار إرادة الشعب وتحقيق الحراك لأهدافه.

النكوص على الأعقاب

لازم الثوار الشارع وأعلنوا عدم تنازلهم مهما كان الثمن عن مطالبهم وتعالت الأصوات منادية  بحتمية انتخاب مجلس تأسيسي وصياغة دستور جديد يتماشى مع مقتضيات الثورة ويقطع مع الماضي بكل مساوئه، وانساق الجميع وراء هذا المطلب وقد تقاطر المختصون والخبراء والمثقفون على وسائل الإعلام ليؤكدوا على أهمية وضرورة انتخاب مجلس تأسيسي ومن ثمة صياغة دستور جديد يضمن تحقيق أهداف الثورة وتقضي فصوله و بنوده على سياسة التفقير والتهميش التي عانا منها أهل تونس لعقود طويلة.. وكان لحراك الشارع ما اراد، وجرت الانتخابات وتشكل المجلس الدستوري وصاغ أعضاؤه الدستور الجديد وعمّ الشعور بالرضى وساد الفخر بالنصر كيف لا ومطالب الثوار تحققت فهم أرغموا قوى الردة على الرضوخ لإرادتهم ولكن في واقع الأمر كل ذلك كان من تخطيط أعداء الثورة فالأمور سارتكما أرادوا لها أن تكون فما كافح من أجله الآلاف من أبناء الشعب هو في الأصل حبل نجاة رموه من حيث لا يشعرون للنظام ورموزه فالدستور الذي بحت الحناجر من أجله لم يكن سوى رجع صدى لسابقه والأيادي التي صاغت فصوله هي نفسها التي صاغت كل  دساتير بلاد المسلمين والمرجع هو ذاته، مستنقع النظام الديمقراطي وعليه جميع من ركبوا الثورة وانخرطوا فيها نكصوا على أعقابهم وعادوا لسيرتهم الأولى بعد أن استخفوا على الناس وعادوا من نوافذ عدة  فتحها لهم من ثاروا على “بن علي” وضنوا أنهم قتلوا الأفعى وفاتهم أن حياة الأفعى من عدمها يكمن في سحق رأسها أو الابقاء عليه وهم لم يمسوا رأسها بسوء لهذا تعافت سريعا وعادت لنفث سمها ورأس الأفعى هنا هو النظام وما القائمين عليه إلا باقي جسدها، وهذا ما يجب أن يعيه حراك الجزائر فكأننا بهم يقعون في نفس الخطاء ويخطون الخطى ذاتها .يطالبون برحيل جميع رموز النظام ونحن نجزم بأن مطلبهم سيتحقق  لكن بعد الاحتفال بالنصر سيجدون أن الوضع يراوح مكانه وكل ما فعلوه هو كفاح رخيص ما إن لم يتداركوا أمرهم ويهبون هبة الرجل الواحد لقلع هذا النظام من جذوره لا مجرد المطالبة برحيل أشخاص.

حسن نوير

CATEGORIES
TAGS
Share This