حقيقة اللوبي أو جماعة الضغط

حقيقة اللوبي أو جماعة الضغط

كلمة اللوبي (Lobby) تعني جماعة الضغط (Pressure Group). وهي “كلمة انجليزية تعني ردهة أو دهليزا أو قاعة انتظار. وفي البداية كان أصحاب المصالح ينتظرون رجل السياسية سواء الوزير أو عضو البرلمان في ردهات البرلمان لتقديم طلباتهم للوزير أو عضو البرلمان. ومن هنا نشأ اصطلاح لوبي (Lobby) الذي أصبح اليوم يعني كل نشاط يمارسه أي شخص لدى السلطات العامة أيا كانت، بهدف الضغط عليها أو التعبير عن مصلحة معيّنة. ويعني اصطلاح لوبي (Lobby) أيضا الأشخاص أو الجماعات التي تمارس هذا النشاط أي التي تعبّر عن مصالح خاصة وتمارس تأثيرا على رجال السياسية”.
“ويستخدم علماء السياسة اصطلاحي الجماعة الضاغطة والجماعة ذات المصلحة (Interest Group)، بالتعاقب مفضلين الاصطلاح الأخير عن الأول، وذلك واضح لما يقترن بالضغط من معان غير مستحبة ومحتقرة”. “وقد أبدى بعض المؤلفين أسفهم لهذه المفاهيم “المادية” في حين أنّ هناك حركات تنذر نفسها للدفاع عن “الأفكار”… وأشار آخرون إلى أنّ المصالح لا يمكن التحقّق منها طالما لم يدافع عنها بصراحة، ومن هنا يأتي تفضيل مصطلح مجموعات الضغط…”. وذهب بعض علماء السياسة إلى أنّ مصطلح جماعة المصلحة هو أقرب للدقة؛ لأنّ هذه الجماعة لا تمارس الضغط فقط بل تلجأ في كثير من الأحيان إلى الإقناع وخاصة عندما تتجه إلى الرأي العام.
وتعرّف جماعة الضغط أو المصلحة بأنّها: “تنظيم قائم للدفاع عن مصالح معيّنة، وهو يمارس عند الاقتضاء ضغطا على السلطات العامة، بهدف الحصول على قرارات تخدم مصالح هذه الجماعة”. أو هي: “اصطلاح يطلق للدلالة على مجموعة من الأفراد أو الهيئات لا يشكلون حزبا سياسيا – تكون لهم مصالح مشتركة معينة يريدون حمايتها والدفاع عنها – فينسقون جهودهم بقصد التأثير على البرلمان أو أعضائه بغية إصدار تشريعات أو إقرار سياسات تحمي مصالحهم، أو لمنع إصدار تشريعات أو إقرار سياسات تضرّ بهذه المصالح”. أو هي: “اتحاد أشخاص مرتبط بأهداف واتجاهات مشتركة يحاول أن يحصل على قرارات لصالح قيمه المفضلة بكافة الوسائل التي تحت تصرفه وخاصة الاستفادة من إمكان الوصول إلى النظام الحكومي”. أو هي: “جماعة منظمة أو غير منظمة من الأفراد الذين تجمعهم مصلحة أو رابطة موحدة ويهتمون بتنمية مصلحتهم وحمايتها بواسطة التأثير على الرأي العام وممارسة الضغط على صانعي القرارات الحكومية للتأثير عليهم دون محاولة الوصول إلى السلطة”.
“فكلّ تجمّع يعمل من أجل التأثير على السلطة الحاكمة يشكّل قوة ضاغطة. وليس من السهل تصنيف القوى الضاغطة، لأنّ التجمعات المهنية والثقافية والاقتصادية والطائفية والرياضية والتجمعات الأخرى، تتحوّل إلى قوى ضاغطة عندما تعمد إلى الضغط على السلطة السياسية بهدف التأثير في اتخاذ القرارات، أو تبديل التوجهات السياسية بالنسبة لقضايا معيّنة. لذلك يمكن القول أنّ القوى الضاغطة متنوعة جدا. ففي الولايات المتحدة حيث أخذت دراسة القوى الضاغطة حيزا خاصا، أمكن إحصاء أكثر من ألفين من هذه القوى على المستوى الفدرالي، إضافة إلى عدد كبير من القوى الضاغطة في الولايات. ومن هذه القوى الأوساط المالية في “وول ستريت” Wall street، واللوبي  lobbyالصهيوني، واللوبي النفطي، ورابطة المزارعين، والتجمعات والهيئات النسائية، والتجمعات الطائفية، والأوساط العسكرية إلخ. وفي إيطاليا، تشكل عصابات المافيا، خاصة في جنوبي جزيرة صقلية، قوة ضاغطة إلى جانب قوى ضاغطة أخرى… فالقوى الضاغطة تدافع عن مصالح أفرادها وعن الأفكار والمبادئ التي يؤمنون بها. وهي تعمل على توجيه سياسة الدولة في الاتجاه الذي يخدم هذه المصالح والأفكار. فهدفها هو التأثير على السلطة السياسية، من أجل تحقيق المكاسب، وهي لا تسعى إلى ممارسة السلطة، وهذا ما يميّزها عن الأحزاب السياسية. أما أسلوب عمل القوى الضاغطة فهو أسلوب غير مباشر. فهي تمارس نشاطها بالخفاء وبطرق مختلفة، ولا تلجأ إلى العمل العلني كما تفعل الأحزاب والنقابات”. “وقد تلجأ الجماعات إلى الطرق غير المشروعة كمحلات ترويج الشائعات حول بعض كبار المسؤولين أو الالتجاء إلى الرشوة الصريحة أو المقنعة كمنح بعض كبار الموظفين امتيازات عينية معينة. ومنها أيضا إغراء بعض كبار موظفي الدولة على تركهم لمناصبهم الحكومية وتوليتهم مناصب بمرتبات ضخمة في إدارة تلك الجماعات لكي يكونوا أداة للتأثير على زملائهم القدامى في الجهاز الحكومي، ولكي تفيد تلك الجماعات من درايتهم بدقائق الأمور. وقد تلجأ جماعات الضغط إلى تمثيل مصالحها واتجاهاتها الأيديولوجية في الجهاز الحكومي على نحو ما تفعل بعض الأحزاب السياسية، وذلك بأن ترشح بعض أعضائها لعضوية المجالس النيابية. وقد تسهم في تمويل حزب سياسي معين يشاركها فكرها المذهبي لكي يؤيدها في مطالبها في مجال الرأي العام ولدى السلطة الرسمية”.
ويرى جمع من الباحثين أنّ أهمّ نقطة تميّز جماعة الضغط أو المصلحة عن الحزب السياسي أنّها “لا تسعى إلى تولي السلطة في البلاد، ولكنها تسعى إلى الضغط على الحكومات لتحقيق مصلحة فئاتها وأعضائها. وتحاول جماعات الضغط أن تصل إلى تحقيق رفاهية أعضائها باستخدام الضغوط المناسبة لتجعل الحكومات تحقّق لها برامجها الفئوية”. فالهدف الرئيسي لجماعة الضغط ليس السلطة، إنما هو التأثير على السلطة، وهذا بخلاف الحزب السياسي.
والحقيقة، أنّ جماعة الضغط من حيث قيامها على فكرة محدّدة، وسيرها وفق طريقة محدّدة، وسعيها إلى هدف محدّد، وربط أعضائها برابطة قوّية متماسكة محدّدة، يصلح أن توصف بالحزب من هذه الجهة، ويصدق عليها وصف أنّها “تكتّل آمن بفكرة يراد إيجادها في المجتمع”. أمّا تمييزها عن الحزب بعدم رغبتها في الوصول إلى الحكم أو عدم سعيها إلى تولي السلطة، فغير دقيق؛ لأنّ جماعة الضغط وإن رغبت في عدم توليها هي ككيان وتنظيم  للسلطة بحيث تمارس الحكم باسمها، فإنّها تسعى إلى السلطة من خلال رغبتها وسعيها إلى إيصال فكرتها إلى الحكم ونجاحها في ذلك في دول كثيرة. وعليه، فلا يكفي هذا كضابط يميّز جماعة الضغط عن الحزب.
والضابط الذي نرتضيه كمميّز لجماعة الضغط أو جماعة المصلحة هو طريقتها غير المباشرة في تحقيق أهدافها الخفيّة التي ترتبط بمصالح خاصّة، واعتمادها الأساليب الملتوية من أجل الضغط على أصحاب القرار، وعملها الدائم خلف الكواليس في سرّية من أجل استقطاب الأنصار والتأثير في دوائر الحكم والسلطة، مما يوجد دولة خفيّة (عميقة أو موازية) في دولة وحكومة سرّية غير معلنة تتحكّم في حكومة ظاهرة معلنة. هذا هو الضابط الأدقّ في تمييز جماعة الضغط عن الحزب، وهو الضابط الذي يعطينا التصّور الدقيق لطبيعة هذه الجماعة ويساعدنا على الفهم الصحيح لوظيفتها ودورها وغايتها، مما يجعلنا نجزم بخطورتها، وخطورة وجودها في المجتمع المسلم والدولة الإسلامية. ولهذا، فالرأي عندنا أن يمنع وجود جماعات الضغط في الدولة الإسلامية، وعلى المسلمين بوصفهم الجمعي والفردي أن يعملوا على
مقاومة وجودها منعا لضررها المحقّق.
ياسين بن علي
CATEGORIES
TAGS
Share This