حكام تونس..ماذا بعد عجزكم غير الرحيل؟
بمجرد انتشار خبر امتطاء ” بن علي” لطائرته وتحليقها بعيدا عن دون رجعة, حلقت معها أماني أغلب أهل تونس وبنت قصورا من التفاؤل لامست عنان السماء.. فمن سامهم العذاب ألوانا. فرّ وانتهت بفراره المعاناة والتيه في أدغال الظلم والقهر. هكذا شبه للكثيرين خاصة وأن كل المآسي التي عاشها أهل تونس حملوا كل أوزارها ل”مخلوع” وزمرته فقط, وهذا ما حصل تماما إثر انقلاب “بن علي” على ” بورقيبة” حيث استبشر الناس خيرا بانتهاء حقبة حكم “بورقيبة” وملأهم الأمل في عيش أفضل مع الوافد الجديد على قصر قرطاج, وهذا ما استغله “بن على” وأطلق على فترة حكمه “العهد الجديد” و “التغيير المبارك” تماهيا مع اعتقاد الناس بأن أحوالهم المزرية ستتغير نحو الأفضل بمجرد رحيل “بورقيبة” عن الحكم. لم تكن الأنظار متجهة صوب أصل الداء الذي أنتج أمثال ” بورقيبة” و “بن علي” وبقية حكام بلاد المسلمين.. إنه نظام الحكم وقوانينه الوضعية الجائرة، التي ظلت جاثمة على صدورنا تمنع عنا حتى حق التنفس.. وفي المقابل تفسح المجال واسعا للصوص القوى الاستعمارية يجوسون ديارنا ويعيثون فيها تدنيسا ونهبا.. استمر هذا الحال حتى بعد الإطاحة ب” بن على”, ورغم ذلك مازال الناس يأملون أن يخرج من رحم هذا النظام الآسن من يخرجهم من الضنك وسوء الأحوال. مرت السنوات تترا ومعها تواتر الأزمات بل تفاقمت وتصاعد دخانها إلى حد بدأ الناس يدركون أن كل هؤلاء الفاسدين الماسكين بالسلطة هم نتاج نظام فاسد لا ينبت غير الفساد والمفسدين.. وأمام انعدام كل هوامش المناورة أمام المتسللين خلسة إلى السلطة..وتيقن الناس أن الانتخابات في ظل النظام الديمقراطي الوضعي لا تتعدى كونها إحدى أراجيف الديمقراطية و ألاعيبها..لم يجد حكام تونس الحاليين غير اعتلاء آكام الصفاقة و الوقاحة إذ اعترفوا صراحة بعجزهم التام على توفير الحلول ..وبأنهم لا يملكون ما يقدمونه للجائعين ..والمهمشين ..والمسحوقين ولو كان قطميرا ..كما أنهم أقروا و بالإجماع على أحقية الناس في الاحتجاج و التعبير على عدم الرضا ..ولكن لا يحق لهم مطالبتهم بالرحيل و النزول من علياء كراسيهم فذلك خط أحمر لا يجوز بأي حال من الأحوال تجاوزه أو حتى مجرد التفكير في الاقتراب منه.. نعم لقد استنفدوا كل أنواع الدجل و الكذب و الخداع.. ولم يعد بمقدورهم تقديم الوعود الزائفة بعد أن بارت تجارة بيع الأوهام و لم تعد تضمن وصولا إلى كرسي أو نيل أي مأرب سواء كان في الحكومة أو في مجلس النواب أو حتى في حزب من الأحزاب العلمانية المتناثرة في كل مكان كالنفايات المتراكمة في كل مكان..لقد قالها صاحب الهيبة ومنتحل صفة منقذ تونس ” الباجي قائد السبسي” في معرض حديثه عن قانون المالية لسنة 2018ومعلقا على الزيادات الأخيرة ” الزيادات موجعة..لكن الدولة لا تملك البديل” ..لا تملكون البديل.. ثم ماذا؟ لقد أجاب “سي الباجي” على هذا السؤال في لقائه الثاني بالموقعين الفرية “وثيقة قرطاج.. “عليكم مجابهة الأوضاع الصعبة بالصبر و نكران الذات…”نعم هم يسلمون مقدرات البلاد لكل طامع و ناهب ..ونحن علينا أن نحتسب و نصبر..هم يجوعوننا لسداد ديون ما كنا لنكتوي بنارها إلى حد التفحم لولا عمالتهم و شقهم الارتهان للقوى الاستعمارية, ونحن نصبر ونقدم مزيد التضحيات.. لا يا سيادة رئيس الدولة بالوكالة.. أنتم عجزتم وفشلتم, ولم يبق لكم من عمل غير الرحيل والتنحي..نعم عليكم أن ترحلوا ولكن لا كما رحل ” بن علي ” ومن قبله “بورقيبة” عن الحكم..وبقى النظام نفسه والقوانين ذاتها. اليوم وجب رحيلكم أشخاصا ونظاما برمته.. إن العجز الذي أقررتم به هو في حقيقة الأمر عجز نظام على رعاية شؤون الناس بالكيفية التي تضمن لهم العيش الكريم.. يجب أن ترحل دولتكم العلمانية لأنها دولة جباية لا دولة رعاية. يجب أن يرحل دستوركم الوضعي الذي منه تستمدون فسادكم وإفسادكم ونتجرع نحن بسببه أوجاع ومرارة الحكم بغير ما أنزل الله. لقد هدم معبد الديمقراطية ورحل جميع سدنته وكهنته. ارحلوا والبديل موجود لا ينقصه غير التطبيق والتنفيذ, ولا يحتاج إلى مهل كالتي تحتجون بها مع تشكيل كل حكومة. نعم جاهز للتطبيق منذ الوهلة الأولى, لأنه ببساطة شديدة مأتاه وحي رب العالمين. إنه نظام الإسلام المنبثق من العقيدة الإسلامية التي هي عقيدة أهل هذا البلد الذين حكمتموهم لعقود بنظام مخالف لعقيدتهم فلم يروا منكم غير العجز.