حكومة الوحدة الوطنية تصب الزيت على النار

حكومة الوحدة الوطنية تصب الزيت على النار

في تونس وفي بداية كل عام تعود الناس من الحكومات على الأخبار السيئة من زيادات في الأسعار  والضرائب, لكن الزيادات التي تم إقرارها هذا العام كان لها وقع الكارثة نظرا للحالة المتردية التي عليها معظم الشرائح الاجتماعية التي شملتها الزيادات, ونظرا لحجم المغالطة والكذب في وعود رئيس الحكومة وجوقته الوزارية, فقد أعلن “يوسف الشاهد” في حواره التلفزي أن سنة 2018 ستكون سنة التشغيل وان الحكومة وفرت المناخ الملائم لذلك عبر سنّ مجلة الاستثمار وتوفير التمويلات البنكية الملائمة, كما وعد بتقليص عجز الميزانية وتحقيق نسبة نمو تصل إلى ثلاثة بالمائة وأن الزيادات التي تمّ إقرارها سوف لن تشمل المواد الأساسية.

الوعود الكاذبة سياسة دولة

       لكن هذه الوعود الوردية سرعان ما اكتُشف زيفها وكذبها منذ اليوم الأول للسنة الجديدة, فقد دخلت الأسواق في دوّامة من الزيادات المتتالية شملت كل القطاعات بمجرد الإعلان عن الزيادة في أسعار المحروقات والزيادة في ضريبة الأداء القيمة المضافة.

    لم يكن من الصعب توقع ما حصل, فمن المعروف أن الزيادة في أسعار المحروقات وفي الأداء على القيمة المضافة سينعكس حتما على سعر التكلفة للسلع والخدمات, وبالتالي ارتفاع أسعارها, لكن عجز الحكومة ولا مبالاتها بمشاغل الناس, ورغبة بعض البرلمانيين والنقابيين في مغالطة الرأي العام هو الذي جعلهم يتظاهرون بالمفاجئة من نتائجها وجعل بعضهم يدعو للنزول إلى الشارع للاحتجاج بعد ان كانوا ساهموا في إعداد قانون الميزانية وصوتوا له.

      إن الصورة التي ترسخ لدى عامة الناس عن الحكومة هي تلك التي ترسمها انجازاتها المحسوسة والملموسة الناتجة عن تطبيق سياستها, لا من تلك الوعود الوردية الجوفاء المعدة للاستهلاك الإعلامي الرخيص, والتي تشعرك وكأن الحكومة تعيش على كوكب آخر لا ترى ما نراه. وما حديثها عن توفير مناخ الاستثمار وعن التشغيل في ظل استمرار العمل بنفس الخيارات الفاشلة, واستمرار تبعيتها السياسية والاقتصادية للدول الغربية الرأسمالية إلا نوع من الهراء السياسي والكذب المفضوح.

دولة الاستعمار: جباية ومديونية

          فالواضح أننا نعيش في دولة لا تعرف إلا مصادرة أموال الناس عبر الجباية والزيادة في الأسعار والتظاهر بعدم معرفة كبار “المافيات” والفاسدين وعدم القدرة على محاسبتهم وإشغال الناس عنهم بمحاربة بعض صغار المهربين لذر الرماد في العيون.

       كما أصبح واضحا أن السياسة المتبعة منذ عشرات السنين في تونس والتي تمّ الاستمرار في تطبيقها بعد الثورة, هي التي أوصلت الناس إلى هذا المستوى من الضنك في العيش والتردي في الوضع الاقتصادي والاجتماعي.

          فالدولة التي أسسها الاستعمار العسكري المباشر والتي تولى “بورقيبة” و”بن علي” الإشراف على بقاء تبعيتها السياسية والاقتصادية إلى أوروبا  هي التي فرّطت في كل الثروات من غاز ونفط ومناجم إلى الشركات الأجنبية, ثم هي التي قامت بالتفريط في المؤسسات الاقتصادية المربحة, كشركات إنتاج الاسمنت أو شركة الاتصالات وغيرها  للأجانب أو للفاسدين من لأزلام النظام السابق, حتى أصبحت دولة دون موارد تذكر, ولم يبق لها إلا نهب جيوب الناس عن طريق الضرائب أو الاستدانة المذلة المشروطة من البنوك العالمية….

       ولا تزال الحكومة الحالية سائرة على نفس السياسة في التمكين للشركات الاستعمارية من ثروات البلاد رغم الاحتجاجات, ومستمرة في بيع المؤسسات الاقتصادية السيادية تحت مسمى الخصخصة أو الشريك الاستراتيجي مثل شركة الخطوط الجوية التونسية وشركة الكهرباء والغاز وديوان الحبوب والقائمة مرشحة للزيادة….. ثم يأتيك السؤال ما هو الحل؟

التغيير الجذري هو الحل

          إن ما يجب إدراكه أن الاحتجاج الشعبي الواعي يجب أن يوجه إلى أصل المشكلة لا إلى أعراضها, وأن يستهدف النظام السياسي التابع للدول الغربية,فلم يعد للناس أدنى شك في أن تردي أوضاعهم المعيشية وغلاء الأسعار والفقر ونهب المال العام, هو بسبب  السياسة الرأسمالية الاستعمارية التي يستمر حكام تونس في السير فيها بضغط من المؤسسات المالية الدولية التابعة سواء لصندوق النقد الدولي أو الاتحاد الأوروبي.

وأن الحل السياسي الواعي لا يكمن في تغيير الأشخاص فقط بل في تحرير البلاد والأمة من هذا النظام الفاسد وارتباطاته الاستعمارية وإقامة النظام السياسي النابع من عقيدة وحضارة الأمة الإسلامية لا من عقيدة وحضارة المستعمر.

محمد مقيديش

CATEGORIES
TAGS
Share This