“تسببت الفيضانات التي اكتسحت ولاية نابل ظهر السبت الفارط في العديد من الخسائر المادية التي عمقت معاناة الأهالي وخصوصا الفلاحين الذين أطلقوا نداءات استغاثة متهمين المسؤولين بتجاهلهم.ويعتبر القطاع الفلاحي بولاية نابل من بين القطاعات التي شهدت خسائر مادية هامة. حيث أكد كاتب الدولة للفلاحة المكلف بالموارد المائية في مداخلة بإحدى الإذاعات أن الفيضانات التي اجتاحت ولاية نابل تسببت في نفوق 90 ألف طير دجاج و86 رأس غنم و100 بيت نحل وإتلاف 794 من الأشجار المثمرة وخاصة منها القوارص و864 هكتارا من خضروات مختلفة.
وتعتبر معتمدية بني خلاد وسليمان وبوعرقوب وتاكلسة من أهم المناطق التي تضررت من هذه الفيضانات بسبب كميات الأمطار القياسية التي سجلت بها. وكانت أعلاها ببني خلاد 297 مم” (عن جريدة الشروق، بتاريخ 27/09/2018م).وذكرت بعض وسائل الإعلام الأخرى أنّ “ألف هكتار من الأشجار المثمرة والقوارص و500 هك من الخضروات من البطاط والفراولو (250هك) والبسباس واللوبيا والخس و20 ألف رأس طير 400 رأس أرنب و15 بقرة و500 رأس غنم و600 بيت نحل هي حصيلة التقييمات الأولية المحينة لأبرز الأضرار التي لحقت بالقطاع الفلاحي بولاية نابل بعد فيضانات السبت، وفق ما أفاد به الخميس، في تصريح إعلامي، المندوب الجهوي للتنمية الفلاحية، المنصف التايب” (عن موقع: باب نت بتاريخ 28/09/2018م).
هذه حصيلة الخسائر التي تسبّبت فيها فيضانات نابل، فمن المسؤول عنها؟
بداءة نقول: إنّ الكوارث الطبيعية من زلازل وبراكين وفيضانات وأعاصير ظواهر طبيعية لها أسبابها العلمية، هذه حقيقة لا شكّ فيها، ولكننا من منطلق إيماننا بالله عزّ وجلّ ومن منطلق عقيدتنا الإسلامية ووجهة نظرنا في الحياة نقرّر أيضا أنّ هذه الكوارث مرتبطة بالخالق سبحانه وتعالى الذي جعلها من وسائل الابتلاء والعقاب. قال الله سبحانه وتعالى في سورة العنكبوت: {فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (40)}. فعندما تبتعد الناس عن المنهج الربّاني، وتكثر الذنوب وتنتشر المعاصي، فإنّ الله عزّ وجلّ يرسل إليهم رسالة تخويف وتحذير وتنبيه لعلّهم يتذكّرون فيرجعون إلى المنهج السوّي. وهذا ما كان عليه المسلمون من قبل؛ إذ يعتبرون بهذه الظواهر الطبيعية ويتخوّفون من سبب ظهورها هل يراد بها الخير إنعاما عليهم بحسناتهم أو الشرّ انتقاما منهم بسيئاتهم. ففي صحيح مسلم عَنْ عَائِشَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا عَصَفَتِ الرِّيحُ، قَالَ: «اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا، وَخَيْرَ مَا فِيهَا، وَخَيْرَ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا، وَشَرِّ مَا فِيهَا، وَشَرِّ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ». وفي البخاري عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا رَأَى المَطَرَ، قَالَ: «اللَّهُمَّ صَيِّبًا نَافِعًا» أي لا ضرر فيه من سيل أو هدم أو عذاب. وفي سنن أبي داود عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَوَاكِي، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا، مَرِيئًا مَرِيعًا، نَافِعًا غَيْرَ ضَارٍّ، عَاجِلًا غَيْرَ آجِلٍ».
إنّ ما نراه في مجتمعنا من إعراض عن منهج الله عزّ وجلّ، وإعراض عن دينه، وما نراه من كثرة الفواحش والمعاصي، وما نراه من إمعان السلطة والدولة في تغريب البلاد وسنّ القوانين المناقضة للشّرع الإسلامي كالقوانين المسقطة لأحكام الإرث والقوانين المبيحة للزنى والشذوذ الجنسي وغيرها، كلّ هذا يجعلنا نقرّر بلا شكّ أنّ الفيضانات التي شهدتها بلادنا رسالة ربّانية لنا لعلّنا نعقل ونعود إلى الصواب فنحكّم ديننا ونعمل على إتّباع منهج ربّنا.
إنّ الدولة التي تسمّي نفسها دولة الحداثة، لم تتسبّب في هذه الخسائر الكبيرة التي خلّفتها الفيضانات بمنهجها المناقض لشرع الله عزّ وجلّ فقط بل بإهمالها لأبسط السياسات والإجراءات المتعلّقة بإدارة البلاد قبل الكوارث وبعدها، وبعبارة أخرى فإنّ دولة الحداثة عندنا فشلت في أن تكون مجرّد دولة ترعى شؤون الناس وتشرف على مصالحهم وفق أبسط قواعد الحكم والسياسة المفترض وجودها في دولة ما. ففي تصريح ورد في جريدة الشروق (بتاريخ 27/09/2018م) “أرجع البشير عون الله [رئيس الاتحاد المحلي للفلاحة والصيد البحري ببني خلاد] حجم الخسائر التي لحقت معتمدية بني خلاد جراء الفيضانات التي اجتاحت ولاية نابل إلى عدم صيانة مسالك الأودية الموجودة بالمنطقة. وعددها أربعة. وهي وادي سيدي التومي ووادي القبة ووادي علية ووادي المنزه. وهذه الأودية التي تصب في بني خلاد موجودة في منخفض وبالتالي يكون مصدر مياه السيلان سيدي علية وسيدي التومي وبئر دراسن. وأضاف المتحدّث أنّ محدودية الإمكانيات المحلية حالت دون التدخل العاجل والكافي لمختلف الأجهزة. فخلية الإرشاد الفلاحي لا تملك معدات حتى أن آلة شفط المياه الوحيدة الموجودة معطبة قبل حصول الفيضانات.
ويتوجه البشير عون الله باللوم الى السلط الجهوية والمركزية التي استثنت معتمدية بني خلاد من المشاريع في مخططها الأخير الراجع الى سنة 2016-2017″.وهو ما أكّه أيضا سامي الهويدي رئيس الاتحاد المحلي للفلاحة والصيد البحري ببوعرقوب وفق المصدر المذكور قائلا: “تهاون السلط وفواضل المصانع سببان رئيسيان للخسائر الفادحة”. وهذه التصاريح والشهادات تصيب كبد الحقيقة؛ لأنّ تقصير الدولة وإهمالها هو المتسبّب الرئيسي في حصول الخسائر الفادحة التي كان بالإمكان تلافيها لو تحمّلت الدولة مسؤوليتها وقامت بواجبها واهتمت بالبنية الأساسية وما يلزمها من معدّات وتجهيزات. ومع الأسف، فإنّ دولتنا تقوم بدور الأدلجة والتنظير الفكري والثقافي بالإشراف على مشاريع حضارية محاربة للدين، وتجنّد طاقات البلاد كلّها، الإعلامية والاقتصادية والسياسية، من أجل تحقيق هذه المشاريع الغربية، وتنسى واجبها الأساسي كدولة، وهو رعاية شؤون الناس بالقيام على تدبير مصالحهم وتسيير أعمالهم بالتخطيط والتنظيم والتنسيق والإشراف والمراقبة. ورحم الله عمر بن الخطاب القائل: “لو عثرت بغلة بالعراق لرأيتني مسؤولا عنها أمام الله تعالى لِم لَم أسوّ لها الطريق؟”.