خطر التدخلات الخارجية: غربيون يقودون لجنة القيادة الاقتصادية صلب البنك المركزي

خطر التدخلات الخارجية: غربيون يقودون لجنة القيادة الاقتصادية صلب البنك المركزي

في خبر لم يعنى بكبير اهتمام في وسائل الاعلام، وقع الكشف مؤخرا على وجود لجنة قيادة إقتصادية صلب هياكل تسيير البنك المركزي التونسي تسمى ب”لجنة قيادة الدراسات الاستراتيجية واعادة بناء وتنمية الاقتصاد التونسي”، وتتألف من 16 عضوًا، بمن فيهم وزير الاقتصاد وممثل عن رئاسة الحكومة وأساتذة من الجامعة التونسية والبنك المركزي التونسي.

غربيون يوجهون اقتصاد تونس

 المثير للجدل هو أن هذه اللجنة التي ترسم السياسات الاقتصادية للبلاد تضم عددا من الأجانب وعلى رأسهم السفير الفرنسي بتونس، والإدارة العامة للخزانة الفرنسية، وسفير الاتحاد الأوروبي، وممثلين عن المنظمة الأوروبية Eroumed-مرسيليا وعن فرعها بتونس، وممثلين عن مشروع FEMISE الأورومتوسطي وعن المؤسسة الفكرية الدولية  IACE.

لا يمكن لأحد أن يشك ولو لحظة واحدة أن مهمة السفير الفرنسي داخل اللجنة إنما هو ضمان توجيه الاقتصاد التونسي بما يخدم مزيد تغلغل النفوذ الاقتصادي الفرنسي في تونس، ويؤكد هذا تعدد الوجود الفرنسي في اللجنة رغم اختلاف صفاتهم.

فالإدارة العامة للخزانة الفرنسية على سبيل المثال، هي مؤسسة حكومية مسؤولة عن التحليل والمشورة الاقتصادية للحكومة الفرنسية، إضافة إلى مهمتها في الدفاع وتمثيل المصالح الفرنسية في المنتديات والمؤتمرات العالمية، ووجودها في لجنة التوجيه صلب البنك المركزي هو لضمان المصالح الفرنسية في الرؤية الاستراتيجية للاقتصاد التونسي.

أما المنظمة الأوروبية Eroumed-مرسيليا، فهي تعمل على اتخاذ إجراءات كفيلة بتوثيق ارتباط بقية دول الاتحاد الأوروربي مع الاتحاد الأوروبي وهذا ما يسعى لأجله فرعهم في تونس خاصة في المجالات الاقتصادية والبيئية والثقافية.

هذا بالإضافة للمنتدى الأورو-متوسطي لمعاهد العلوم الإقتصادية FEMISE القريب من الحكومة الفرنسية تأسس كجمعية فرنسية ثم تحولت إلى منظمة متوسطية مقرها بمرسيليا ويتم تمويلها من المفوضية الأوروبية ويشرف عليها المعهد الفرنسي للبحر المتوسط والمنتدى المصري للبحوث الاقتصادية.

مؤتمر دوفيل المشؤوم

ويعود تأسيس هذه اللجنة سنة 2014، بناء على جدول زمني تم التنصيص عليه من طرف مجموعة الثماني أثناء اجتماعهم بمدينة دوفيل الفرنسية في شهر ماي 2011 في إطار احتواء ثورات الربيع العربي، وقد استدعي لذلك المؤتمر رئيس الحكومة المؤقت الباجي قايد السبسي، حيث رسمت السياسات والخيارات الاقتصادية التي تبنتها حكومة حمادي الجبالي والحكومات المتعاقبة على حكم تونس.

ويؤكد هذا، التقرير السري المسرّب للبنك المركزي الصادر في 2016 الذي نص بالتفصيل الممل على كل مشاريع القوانين والخدمات الاستشارية التي وقعت بناء على توصيات قمة دوفيل.

وفي هذا الإطار جاء مشروع القانون الأساسي الذي ينص على استقلالية البنك المركزي الذي يمثل السلطة النقدية للبلاد، حتى يقع توجيهه من طرف لجنة يقودها أجانب أقل ما يقال فيهم أنهم يعملون على تأمين مصالح دولهم. أما الكارثة الأخرى فهي اتفاقية التبادل الحر الشامل والمعمق (الأليكا) مع الاتحاد الأوروبي، والتي تهدد الأمن الغذائي للبلاد، باعتبارها تستهدف القطاع الفلاحي وهو آخر ما تبقى من موارد بعد تسليم الثروات الطبيعية للشركات الاستعمارية والتفريط في المؤسسات العمومية لرأس المال الأجنبي.

الغرب وراء المخطط الخماسي

وتهدف هذه اللجنة التي اعتبرها البنك المركزي “لجنة توجيهية”، إلى إجراء تفكير معمق بهدف إقتراح رؤية متوسطة الأجل للإقتصاد التونسي. ولتحقيق هذه الغاية ناقشت اللجنة محاور تتعلق ب: التحولات الهيكلية للمخطط التنموي، وتعزيز مرونة الاقتصاد الشامل والاندماج المالي، خطط الإصلاح الاستراتيجي القصير والمتوسط وطويل الأجل، وبرنامج التنمية لمدة خمس سنوات 2016-2020، والتي على أساسها تصاغ مخططات التنمية وميزانية الدولة التونسية.

وقانون المالية لسنة 2020 المبني على الضرائب وزيادة الأسعار يمثل السنة الخامسة من المخطط الخماسي الذي رسمت سياساته وخياراته التنموية في دوفيل في اطار رسالة النوايا الاولى والثانية.

وهذه “النوايا” تضع الجدول الزمني لكل المشاريع والقوانين والخيارات الاقتصادية والمالية والنقدية فكل السياسات والخيارات التي تم اتباعها كانت جاهزة في المكاتب وكانت هناك خدمات استشارية أجنبية.

النتائج الكارثية لهذه السياسات

إن ما نعيشه اليوم من غلاء الأسعار وتدهور سعر صرف الدينار وزيادة الضرائب والعجز في الميزان التجاري, وتفاقم المديونية وزيادة نسبة البطالة ونهب الثروات والتفريط في المؤسسات العمومية للرأس المال الأجنبي والضغط على النفقات العمومية وما ترتب عنه من تدهور في خدمة المرافق العمومية كالصحة والتعليم والأمن، كان نتيجة حتمية للسياسات التي اتبعتها الحكومات المتعاقبة بناء على توصيات اللجان الغربية وفق خارطة طريق حددتها قمة دوفيل.

ومن أخطر الفخاخ التي نصبوها للسيطرة على تونس جرّ البلاد إلى فخ المديونية، فالقروض تأتي بناء على مقترحات من طرف صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والاتحاد الأوروبي على قاعدة المال مقابل التسهيلات القانونية والاتفاقيات الاستعمارية.

إن وجود أعضاء أجانب في لجنة قيادة الإقتصاد التونسي بالبنك المركزي، يدل على أن النفوذ الغربي متغلل في البلاد، فالغرب هو الحاكم الفعلي، في حين تمثل النخبة السياسية مجرد أدوات.

لقد حرمت هذه النخبة الحاكمة الدولة من واردات هائلة وأموال طائلة هي في أمس الحاجة إليها، بالإضافة لاعتماد الحكومات المتعاقبة على الاستدانة  كخيار استراتيجي لمعالجة العجز مما فاقم من حجم المديونية وجعل سيادة البلاد بيد الأجنبي.

فلن يصلح حال بلد الزيتونة إلا إذا تحررت من النفوذ الأجنبي تحررا كاملا غير منقوص، وسارت سيرة أجدادها عقبة ابن نافع وطارق ابن زياد.

د, الأسعد العجيلي, رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير – تونس

CATEGORIES
TAGS
Share This