قام الجيش التشادي يوم 20\4\2021 بعملية انقلاب عقب مقتل الرئيس التشادي إدريس ديبي في معارك مع متمردين في شمال البلاد قادمين من جنوب ليبيا وأعلن استيلاءه على السلطة وتشكيل مجلس عسكري يتولى رئاسته ابن الرئيس المقتول رئيس الحرس الرئاسي محمد ديبي لفترة انتقالية 18 شهر، وأعلن عن حل البرلمان والحكومة وحظر التجوال مساء وإغلاق منافذ البلاد الجوية والبرية.
فبادرت فرنسا بتأييد الانقلابيين. فقال بيان قصر الإليزيه بعد ساعات قليلة من مقتله “لقد فقدت فرنسا صديقا شجاعا.. فرنسا تشدد على أهمية أن تتم المرحلة الانتقالية في ظروف سلمية وبروح من الحوار مع كل الأطراف السياسيين والمجتمع المدني والسماح بالعودة السريعة إلى حوكمة تشمل الجميع وتعتمد على المؤسسات المدنية. تعرب فرنسا تمسكها الثابت باستقرار تشاد ووحدة أراضيها” (أي استمرار النظام الاستبداد). وقد دعا وزير الخارجية الفرنسي لودريان “إلى مرحلة انتقالية عسكرية محدودة تؤدي إلى حكومة مدنية وجامعة” (فرانس برس 20\4\2021) فهنا تعلن فرنسا تأييدها للانقلاب بتأييدها ما فعله الجيش من إعلانه عن المرحلة الانتقالية وبالتالي استيلاءه على السلطة. بل هي من يقف وراء هذا الانقلاب، وقصدها تثبيت عملائها ليتمكنوا من محاربة حركات التمرد للمحافظة على نفوذها. وشارك الرئيس الفرنسي ماكرون في جنازة الرئيس التشادي المقتول ديبي، واجتمع بقادة الانقلاب لإعطائهم مشروعية وتأييد. ودعا الاتحاد الأوروبي “جميع الأطراف إلى ضبط النفس واحترام حقوق الإنسان وإجراء انتخابات شاملة” وهذا موقف لا يظهر معارضته للانقلاب بل هو مؤيد له ولفرنسا التي تقف وراءه.
فهنا فرنسا، هي وأوروبا اللتان تتشدقان بالديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات العامة وتعارضان الانقلابات العسكرية تؤيدان الانقلاب العسكري وتصبغان عليه مشروعية. فعلى أي أساس فعلت ذلك؟ هل الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات العامة مقياس لهم؟!
ولنرى الصورة معكوسة تماما لدى فرنسا وأوروبا وموقفهما من انقلاب مالي:
فعندما أعلن نائب الرئيس المالي الموقت قاسمي غويتا يوم 25\5\2021 أنه أطاح بالرئيس المؤقت باه نداو ورئيس الوزراء مختار وان ووزير الدفاع وتم اقتيادهم إلى قاعدة كاتي العسكرية، وقام غويتا بهذه الخطوة بعد ساعات من تشكيل الرئيس ورئيس وزراءه لحكومة استبعدا منها إثنين من العسكريين المتنفذين الذين قاموا بانقلاب عسكري معه في آب عام 2020 وهما العقيد موديبو كونيه والعقيد ساديو كامارا، عندئذ جن جنون فرنسا فقال رئيسها ماكرون يوم 25\5\2021:” إن القادة الأوروبيين (الذين اجتمع بهم في قمة أوروبية ببروكسل) نددوا بأكبر قدر من الحزم باعتقال رئيس مالي ورئيس وزرائه الأمر الذي يعد انقلابا داخل الانقلاب وهو أمر مرفوض” وقال:” نحن مستعدون في الساعات المقبلة لفرض عقوبات محددة الهدف” بحق الانقلابيين.
والجدير بالذكر أن هؤلاء العسكر في مالي كانوا قد قاموا بانقلاب عسكري العام الماضي بقيادة العقيد قاسمي غويتا حيث أطاحوا بالرئيس السابق إبراهيم كيتا عميل فرنسا فعارضته فرنسا، حيث وجهوا ضربة للنفوذ الفرنسي في مالي. وكان رئيس الانقلاب قاسمي غويتا ومجلسه العسكري الذي تشكل بعد انقلابه يوم 20\8\2020 قد عين رئيسا للدولة ورئيس وزراء لمرحلة انتقالية لمدة 18 شهرا حتى إجراء انتخابات جديدة، وعين نفسه نائبا للرئيس ليبقى متحكما بالنظام المالي.
فلماذا قامت فرنسا هنا بمعارضة الانقلاب في مالي؟ أمقياسها الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات العامة؟ أم مقياسها المصالح الاستعمارية والمحافظة على نفوذها؟ ألم يقم الانقلابيون في مالي بمثل ما قام به الانقلابيون في تشاد من الاستيلاء على السلطة وتشكيل مجلس انتقالي لمدة 18 شهرا؟
ويزول العجب عندما نعلم أن الانقلاب في مالي مدعوم من أمريكا حيث أن هؤلاء الإنقلابيين قد دربتهم أمريكا، وأن انقلاب تشاد مدعوم من فرنسا للمحافظة على نفوذها هناك، حيث تدعم أمريكا المعارضين في تشاد حتى تتمكن بواسطتهم من طرد فرنسا من مالي والحلول محلها حيث يحتدم الصراع في منطقة غرب ووسط أفريقيا بين المستعمر القديم فرنسا والمستعمر الجديد أمريكا. ويظهر أن قاسمي غويتا ومجلسه العسكري اكتشف الرئيسين الانتقاليين لهما ولاء لفرنسا فقام بعزلهما، وأنهما أرادا أن يستبعدا العساكر الذين قاموا بانقلاب من تشكيلة الحكومة حتى يتمكنا من قلب العسكر من خلال عملية سياسية أو إضعاف سلطتهم في الحكم. إذ إن الوسط السياسي في مالي ما زال يميل لحساب فرنسا. وتعمل أمريكا بإيجاد وسط سياسي جديد، وبذلك أيدت الانقلاب بما يعرف ائتلاف 5 يونيو مؤلف من أحزاب سياسية دعمت الانقلاب علنا، وقد أعلن هذا الائتلاف دعمه للمجلس العسكري عند قيامه مؤخرا بعزل الرئيسين المؤقتين للبلاد وللحكومة.
أمريكا دعمت انقلاب السيسي في مصر عام 2013 ووصفت عملية الانقلاب بأنها حركة ديمقراطية كما جاء على لسان وزير خارجية أمريكا حينئذ جون كيري. ودعمت انقلاب العسكر في السودان عام 2020 على عميلها السابق عمر البشير، ودعمت انقلاب الحوثيين في اليمن عام 2014 . وما زالت تدعم هذه الانقلابات وتتعامل معها.
وبعد الفضائح المتتالية واكتشاف مسؤولية فرنسا عن المذابح الجماعية في رواندة عام 1994 التي راح ضحيتها نحو 800 ألف من شعب التوتسي على يد شعب الهوتو الذين كانت تدعمهم فرنسا. يأتي الرئيس الفرنسي ماكرون إلى رواندا يوم 27\5\2021 ليضحك على الذقون ويقول “جئت للاعتراف بمسؤوليتنا بشأن المجازر التي ارتكبت في هذا البلد”! وفي الوقت نفسه ادّعى أن “فرنسا لم تكن متواطئة!” ومثل ذلك عندما قام وقبّح فترة الاستعمار الفرنسي للجزائر ليحافظ على مصالح فرنسا في الجزائر، ولكنه رفض تقديم اعتذار وتقديم تعويضات عن الإبادات الجماعية التي ارتكبتها في الجزائر وذهب ضحيتها ما لا يقل عن عشرة ملايين مسلم على مدى 132 عام، عدا إجرائها لتجارب نووية في الصحراء الجزائرية ما بين عامي 1957 و1966 الذي ذهب ضحيته الكثير من الناس وتعرض الناس للأمراض والمواليد للعاهات، ولوثت المياه والهواء حتى وصل تأثير الانفجارات النووية إلى البلاد المحيطة بالصحراء.
وها هي فرنسا وغيرها من دول الغرب تضيق على المسلمين القاطينين في بلادهم يتعلق بمأكلهم وملبسهم وعبادتهم وتفكيرهم وثقافتهم وسنت قوانين خاصة تشدد عليهم وتداهم بيوتهم ومساجدهم بوحشية. عدا التمييز الممنهج في كافة الدوائر الحكومية وفي عموم الحياة. حتى أخرجت لهم ما أسمته الإسلام الفرنسي الموافق للجمهورية والعلمانية، أي دين كفر اسمه إسلام.
وها هي فرنسا وأمريكا وكل دول الغرب تدعم كيان يهود في قتله أهل غزة وأهل فلسطين كافة ومصادرة أراضيهم وبيوتهم وتعتبر ذلك دفاعا عن النفس وحقا مشروعا. وهي تدعم هذا الكيان الغاصب منذ أن أقامته عام 1948على أرض مقدسة قد حرمت على بني إسرائيل الذين لعنوا على لسان دواود وعيسى بن مريم لكفرهم وعدوانهم ولما فعلوا من منكر كانوا لا يتناهون عنه.
وها هي فرنسا ودول الغرب كافة تدعم الأنظمة المستبدة القائمة في العالم العربي وتحافظ عليها، ومنعت الثورات من أن تؤتي أكلها فبدلت العملاء بالعملاء في تونس ومصر وليبيا واليمن، وتدخلت في سوريا لمنع سقوط الطاغية بشار أسد ونظامه الإجرامي حيث أوعزت أمريكا لإيران وحزبها اللبناني الذي يدّعي كذبا وزورا أنه حزب الله وأشياعها المتعصبين تعصبا أعمى من البلاد الأخرى، ومن ثم دعت روسيا وألحقتها بتركيا وتدخلت هي مباشرة، وأدخلت السعودية وقطر لتوزع مالها المسموم لشراء الذمم لحرف الثورة عن مسارها، كل ذلك لمنع سقوط هذا النظام ولمنع عودة الإسلام والخلافة، لأن ثورة أهل سوريا هي الثورة الوحيدة التي كانت تسير في الاتجاه الصحيح بحيث اتخذت مشروعها تطبيق الإسلام وعودة الخلافة واتخذت النبي محمد صلى الله عليه وسلم قائدها إلى الأبد ورفعت راية رسولها راية لا إله إلا الله محمد رسول الله واتخذتها راية لها ولم يتمكن شذاذ الأفاق من العلمانيين والديمقراطيين من أخذ القيادة رغم دعم كل تلك الدول لهم.
وبجانب ذلك تستخدم هذه الدول الاستعمارية أسلوبا آخر للاستعمار لتحكم الطوق على العالم وخاصة البلاد الإسلامية بواسطة شركاتها الرأسمالية العملاقة وبواسطة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وغير ذلك من المؤسسات المالية والاقتصادية التي تفقر البلاد وتضر بالعباد وتؤمن الهيمنة الاستعمارية، وآخرها تونس التي أصبحت أسيرة صندوق النقد الدولي بسبب العقليات السياسية الفاسدة ضيقة الأفق والمرتبطة بالاستعمار والتي تحكم البلد ولا ترى حلولا سوى ما يملى عليها من الدول المستعمرة ومؤسساته المالية الاستعمارية.
إن ما يحكم رؤية فرنسا وأوروبا وأمريكا ليس الديمقراطية ولا الحريات العامة ولا حقوق الإنسان، هذه كلها تغيب عندما تقتضي المصلحة وعندما يقتضي الأمر محاربة الإسلام والمسلمين. كلها شعارات خادعة للبسطاء والسذج والمضبوعين بالغرب المستعمر. فالغرب رأسمالي وهو أصلا صاحب نظام مستبد دكتاتوري خبيث حتى أنه ينطلي على شعوبهم. فأصحاب رؤوس الأموال هم المسيطرون في بلاد الغرب وعملية الانتخابات هي شكلية لخداع الناس بوجود ديمقراطية وأن الشعب يختار حكامه! فأصحاب رؤوس الأموال هم الذين يتحكمون في الأحزاب السياسية وفي البرلمان وفي الإعلام فهم يسيّرون الناس حسب وجهتهم ويستصدرون القوانين التي تعجبهم وتؤمن مصالحهم. فيرشحون الرؤوساء ويطلبون من الشعوب انتخاب فلان أو فلان وأيما انتخبتم فهما رجالنا وأدواتنا لتحقيق مصالحنا.
والديمقراطية أصلا فكرة خيالية لم تطبق ولن تطبق، فلا يمكن أن يحكم الشعب نفسه بنفسه. والحريات العامة فكرة خيالية لم تتحقق ولا يمكن أن تتحقق. كل الناس مقيدون بقوانين من زاوية فصل الدين عن الحياة وتطبق بصرامة القانون وقوة الجندي. فهي أنظمة بوليسية لا غير تداهم البيوت وتنتهك الأعراض في ظلمة الليل وتتجسس على الناس وتحبس أنفاسهم من الخوف والرعب من شدة العقوبة. وحقوق الإنسان محكومة بالديمقراطية وبالحريات العامة، وكلها شعارات كاذبة خادعة لا تأتي إلا بالشر.
إن تاريخ الغرب الدموي واستعماره الوحشي في أفريقيا وآسيا وفي الأمريكيتين وحروبه العالمية ضد بعضه البعض من أجل الهيمنة والنفوذ والاستعمار وخلقه للمشاكل الداخلية في كل بلد والإبادات الجماعية كل ذلك شاهد على وحشيته وظلمه واستبداده، فهو شر مستطير محتاج لمن يخلصه من هذا الشر المستحكم فيه وينزع منه الأفكار الرأسمالية، ويخلص العالم من شروره. فهو محتاج إلى الهداية ولا أهل لها وأحق بها سوى الأمة الإسلامية بقيادة سياسية واعية مخلصة في ظل دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة دولة الخير والعدل والهدى.
ولهذا ندعو كل المضبوعين بفرنسا وبالغرب وبقيمه العفنة وديمقراطيته الفاسدة وحرياته المفسدة وحقوقه الكاذبة إلى التفكير ونقول لهم أفيقوا من كبوتكم وعودوا إلى دينكم وأنقذوا أنفسكم وأهليكم وبلادكم من خبث الاستعمار وأحابيله، كما ندعو كافة المسلمين بأن يتخلوا عن هذه القيادات المضبوعة بالغرب وعن القيادات التي تدّعي الإسلام وهي تدعو إلى الديمقراطية وتطبق العلمانية وتسير في ركب العملاء. فندعوكم كلكم إلى العودة إلى الحق وإلى اتباع القيادة السياسية الواعية المخلصة التي تخاطبكم ليل نهار لتنقذكم وتنقذ البلاد والعباد وتدعوكم للعمل معها لتطبيق الإسلام وإعلاء كلمة الله، وتعرض عليكم الحلول الناجعة لكل المشكلات والأزمات، والأنظمة الصحيحة المستنبطة من كتاب الله وسنة رسوله وليس من دساتير الغرب وأنظمته وقوانينه الفاسدة المفسدة. وصدق الله العظيم القائل: