دينها الإسلام: رئيس الدولة يلبّس على الناس أمر دينهم، ليثبت عليهم النظام الرأسمالي

دينها الإسلام: رئيس الدولة يلبّس على الناس أمر دينهم، ليثبت عليهم النظام الرأسمالي

     أبى رأس السلطة في تونس، قيس سعيد، إلا أن يُشهد على نفسه حفظة كتاب الله، بأنه يؤصّل لإقصاء شرع الله من أن ينظّم حياة أهل تونس المسلمين، وأن يُوطّد في أرض القيروان، العاصمة التي أنشأتها دولة الخلافة، لفكرة فصل الدين عن الحياة التي أقحمها علينا الكافر المستعمر بالحديد والنار، منذ أكثر من قرن ونصف القرن، وبتواطئ وخضوع وذلة من حكام أعطوا الدنية في دينهم.

    أبى إلا أن يُشهد على نفسه حملة كتاب الله الذين دعاهم “ليكرمهم”، على حفظهم لكلمات وآيات وسور الكتاب المجيد، وليمرر من خلال اعتزاز أهل تونس بمن حفظ كتاب الله بأن القرآن هو كتاب أخلاق و”مقاصد” لا كتاب أحكام وتشريع لخلق الله، أولائك  قد حفظوا ووعًوا قوله جل وعلا: ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ وقوله سبحانه وتعالى: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ، وقوله عزّ من قائل: ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾. ظل يحدثهم في ارتباك ظاهر والكلام يتلجلج في فمه وهو يرى الحيرة على وجوه الذين علموا يقينا أن الله قال في محكم التنزيل: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ۖ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ (48)﴾ النساء. وقال: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ۚ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50)﴾ النساء. وقال: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)﴾ النساء.

   ظل رأس السلطة في تونس، قيس سعيد، يجهد نفسه، أمام ذهول وقلق من وسعت صدورهم كتاب الله، الطلبة وشيوخهم، ليدلل لهم على ما ظن أنه أتى بالحكمة، حين قال بأن الدولة شخصية معنوية لا تصوم ولا تصلي، وأنه لا توجد دول ستصلب على وجهها في النار أو ستحاسب يوم الحساب. ذلك الرأي الذي أول ما أظهره وهو أستاذ القانون الدستوري في المحاضرة التي ألقاها في كلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية بتونس، يوم الأربعاء 12 سبتمبر 2018 تحت عنوان “الإسلام دينها”، يعيده اليوم وهو رئيس الدولة بعد أن أُحكمت له السلطة وأُطلقت يده ليتدارك “هنات” دستور لم يقدر الغرب المستعمر الذي أشرف مباشرة على إصداره، ومن خلاله على ترويض شعب يصر على إسقاط النظام كله، واقتلاعه من جذوره، ولم يسلم قياده للحكام الذين أوكلت إليهم مهمة تطبيقه، ولا الرضا بالقوانين التي انبثقت عنه، بل ظلت جذوة الثورة متقدة فيهم، فجيء بمن يضللهم عن المعالجة الجذرية، بالمواربة والمفاهيم المغلوطة، وأدا لكل نفس ثوري. فكان الظرف ملائما، حسب ظنهم، لمحو أي صلة للحكم في بلاد الإسلام بأحكام الله وشريعته، بذريعة أن التكليف من الله للإنسان وليس للدولة، لأن الدولة شخصية معنوية لا تحاسب محاسبة المكلفين. وهكذا يكون قيس سعيد قد أدى به رأيه وهو يقصي الأحكام المنبثقة عن عقيدة لا إلاه إلا الله محمد رسول الله عن الدولة والمجتمع قد أصّل لأن تسود المسلمين أحكام المعالجات العلمانية المنبثقة عن عقيدة فصل الدين عن الحياة.

   نعم، لا تحاسب الدولة يوم القيامة ولا تمر على الصراط، ولكن يحاسب ولي الأمر الذي على رأس الدولة، ويحاسب معه كل من ولي معه من أمر الناس شيئا، إذا كانت توطئة حكمه أو أحكام دستورها العامة على غير عقيدة الإسلام، أو وُجد في كيانها أو جهازها أو محاسبتها… شيء لم تجعل العقيدة الإسلامية أساسا له، ويمر هو على الصراط ويكبّ في النار، أو ينجو فيدخل الجنة.

   نعم لا تدين دولة بدين من الأديان ولكن حاكم كل دولة يدين بدين قومه والنظام المتبنى ينبثق عن وجهة نظر ما فتوصف الدولة به فيقال دولة الإسلام، ودولة رأسمالية، وأخرى اشتراكية…فلا تحاسب الدولة فهي شخصية معنوية، ولكن يحاسب سلطان المسلمين إن لم يجعل السيادة لشرع الله فتزل قدمه عن الصراط ويقال له ذق مسّ سقر. فقد روى أبو سعيد رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “لكل غادر لواء يوم القيامة يرفع له بقدر غدره ألا ولا غادر أعظم غدرًا من أمير عامة”, فنسب الغدر لمن أعرض عن شرع الله.

   وإذا كان على الدولة وحدها أن تتولى أمر الدين، حسب ما ورد في كلمة رئيس الدولة أمام حملة كتاب الله من الشباب والشابات وأحداث السن، فأين موضع الأمر بالمعروف والنهي على المنكر في ديننا وهي من أهم أعمال مجلس شورى المسلمين الذي يقوم على أعضائه واجب محاسبة حاكمهم إن حاد عن شرع الله، ويقضي قاضي محكمة المظالم بعزل خليفتهم إن خان أو والى غير الله ورسوله والمؤمنين… وقد قال صلى الله عليه وسلم: “ومَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ، وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ، إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ ‌بَأْسَهُمْ ‌بَيْنَهُم» (رواه ابن ماجه)  

 نعم الله هو الذي أمرنا بالشهادتين وهو الذي أمرنا بكل شيء “أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ۗ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ”  (54)ـ الأعراف ـ فإن لم تضبط تصرفات الحاكم القائم على الدولة التي لا تحاسب بوصفها شخصية معنوية على أساس أوامر الله ونواهيه فعلى أي قاعدة تكفل الحقوق وترد المظالم وترعي شؤون الناس؟ أعلى شرعة الكافر المستعمر يريد أن يحملنا رأس الدولة؟ من خوّل للحاكم التسلط على خلق الله والسير فيهم بما يعنّ لهواه؟  

    نعم فالدولة بوصفها شخصية معنوية لا تصوم ولا تصلي ولا تمر على صراط ولا تدخل جنة ولا نارا، ولكنها دولة للمسلمين ولمن حمل تبعيتها، ورضي العيش تحت سلطان الإسلام، حددت لهم الأحكام الشرعية طبيعة علاقتهم بغيرهم من الشعوب والأمم حتى يتبين لهم الأساس الذي تقوم عليه هذه العلاقة العامة ونوع الأحكام التي تعالج مشاكلها.

   فلا تتخذ مقولة أن الدولة لا دين لها مطية لتضليل المسلمين عن دينهم الحق، وهدم أركان مجتمعهم بالتمكين لعدوهم أن يكون له سلطان عليهم فالدولة الإسلامية أساسها عقيدة الإسلام في كيانها وأجهزتها ومحاسبتها، وهي أساس دستورها وقوانينها، تنفذ سائر أحكام المعاملات والعقوبات والبيّنات ونظم الحكم والاقتصاد، على الجميع مسلمين وغير مسلمين على السواء، وتنفذ على المعاهدين والمستأمنين وكل من هو تحت سلطان الإسلام، ولا يحل للحاكم المسلم أن يحكم بغير ما أنزل الله، ففي شرع الله وما ارتضاه لخلقه كفاية وسعة لكل منيب، وفيه رضا وتسليما لمن عقل ووعى.

أ, عبد الرؤوف العامري

CATEGORIES
Share This