رسالة إلى المؤتمرين في منتدى تونس حول المساواة بين الجنسين

رسالة إلى المؤتمرين في منتدى تونس حول المساواة بين الجنسين

حال المرأة اليوم, ووضعيتها الاجتماعية والاقتصادية, لا في تونس فقط بل في العالم أجمع, من أهم المواضيع التي يجب على دول العالم الاهتمام بها نظرا لارتباطها الوثيق بما تعانيه المجتمعات اليوم من تقهقر في جميع مستويات الحياة الاقتصادية والاجتماعية, والسياسية..

وفعلا انصب اهتمام زعماء العالم على موضوع المرأة ولكن في المنحى التدميري الاستغلالي الخالي من القيم, حيث عكفت كبرى الدول الغربية الحاملة للنظام الاجتماعي العلماني الرأسمالي القائم على ما اصطلحوا عليه بالحريات الشخصية التي جعلوها منفذا لانتهاك حقوق المرأة وضرب أسس المجتمعات, ليس عندهم فقط بل بين شعوب المسلمين.

وفي صلب الموضوع, انطلقت الأربعاء الفارط، بالعاصمة التونسية، فعاليات منتدى دولي لـ المساواة بين الجنسين، بمشاركة أكثر من 500 من ممثلي منظمات دولية وشبكات نسائية عالمية وناشطات سياسيات، من مختلف أرجاء العالم.

المنتدى نظّمه كل من وزارة المرأة والأسرة والطفولة وكبار السن بتونس، بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ومنظمة الأمم المتحدة للمرأة، والوكالة السويدية للتنمية والتعاون الدولي.
وهو يعدّ متابعة لمنتدى ستوكهولم (السويد) المنعقد في أفريل 2018, وقد تواصل إلى يوم الجمعة, 26 أفريل 2019. تناول المنتدى سبل تعزيز دور المرأة في التنمية والحوكمة المحلية، وتكريس مبدأ المساواة بين الجنسين، كشرط أساسي لدعم تمثيل المرأة في الحكومات والهيئات والمؤسسات المحلية.

وفي تصريحات إعلامية على هامش المنتدى، قال رئيس الحُكومة التونسية يوسف الشاهد، “إنّ اختيار تونس لاحتضان هذا الحدث يعد رسالة مهمة، بالنظر إلى ما حققته البلاد، منذ عشرات السنوات، من إنجازات في مجال المساواة بين المرأة والرجل”. في تأكيد منه على أن دول الغرب المتربّصة بالمسلمين جعلت تونس محط أنظارها ومنصة مهيأة لمهاجمة أحكام الله في عباده ولإطلاق كل مشاريع الإفساد القصري خاصة في المجتمعات الثائرة, بعد أن أثبت الشاهد والطبقة السياسية الحكامة استعدادهم الكامل لذلك.

وقد كان للقسم النسائي في حزب التحرير في تونس قول بيّن نابع من وعي بوضعية المرأة في النموذج الليبرالي الذي يُسوّق له المنتدى, وما يجب أن تكون عليه المرأة المسلمة وفق النظام الاجتماعي للإسلام, فوجّه رسالة الى المؤتمرين في المنتدى, باللغتين العربية والانجليزية, وهذا ما جاء فيها:

 

القسم النسائي لحزب التحرير تونس

تونس في 25 أفريل 2019

 

بسم الله الرحمان الرحيم

 

رسالة إلى المؤتمرين في منتدى تونس حول المساواة بين الجنسين

24 -26 أفريل 2019

 

قال تعالى:

﴿إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾

الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا والصلاة والسلام على من بعث بالعروة الوثقى من تمسك بها فقد نجا ومن تركها فقد خاب.

السادة والسيدات المؤتمرين, السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:

تجتمعون اليوم في تونس تحت مظلة الْأمم المتحدة التي تعتبر أن حقوق المرأة ومساواتها بالرجل موضوعا من أهم المواضيع التي يجب على دول العالم الاهتمام بها نظرا لارتباطه الوثيق بما تعانيه اليوم من تقهقر شامل في كل نواحي الحياة الاقتصادية الاجتماعية والسياسية.

تجتمعون اليوم للاحتفال باقتراب ذكرى مرور 25 سنة على منتدى بكين الذي صدر في المؤتمر العالمي للمرأة في 15/4 أيلول/سبتمبر 1995 ومرور 20 سنة على قرار مجلس الأمن 1325 رافعين شعار المرأة والأمن والسلام والتمكين الاقتصادي والسياسي.

تجتمعون اليوم لدراسة وتقرير مصير ملايين النساء حول العالم: النساء الفقيرات في الْأرياف، النساء العاملات المستعبدات في المدن والنساء المنكوبات في الحروب.

تجتمعون أساتذة وتلاميذ ففيكم من جاء ليفرض علينا معايير ثقافته وحضارته وفيكم من جاء مضبوعا مغترا يحفظ غيبا ما تلقنونه  دون تفكير أو ضمير وهو ما يوجب علينا أن نخاطبكم كل على حدى.

إلى السادة الدبلوماسيين وممثلي الأمم المتحدة للنساء الصندوق الإنمائي للأمم المتحدة والوكالات والمنظمات الدولية الغربية العاملة في مجال المرأة

لقد عاشت المرأة بالغرب عندكم مأساة عظيمة لا ينافسها فيها أحد ففي القرون الوسطى كانت منزلتها أقرب إلى الحيوان موطنا للشهوات ووعاء للحمل،  فقد اضطهدتها المفاهيم المنحطة التي سادت في

أوروبا آنذاك فحرمتها من إنسانيتها وحقوقها.

فلا قرار لها في زواج ولا ميراث ولا عمل يحفظ كرامتها إذا غاب المعيل. فكان لابد لكم من ثورة فكرية تنهض بواقعها في نواحي عدة.

لكن فكركم قد شذ عن جادة الصواب فتحول لتطرف أنتجته الحركات النسوية الراديكالية،فكرا يُنكر الحاجات الفطرية الحقيقية للمرأة ويلغي الرجل من الوجود في حياتها بل ويقمعه ويتعسف عليه مصورا إياه كعدو وسببا في معاناتها.

ولزيادة الطين بلة جنّد النظام الرأسمالي النفعي كل من منظمات الْأمم المتحدة وتفريعاتها الأفعوانية –و بتأطير من الحركات النسوية الذراع الفكري للأمم المتحدة- جندهم جميعا لتحقيق أغراضها المادية النفعية،وقد ترجمت استراتيجيته إلى جملة من  المؤتمرات والقرارات كالآتي:

  • مؤتمر مكسيكو سيتي 1975 –

  • مؤتمر كوبنهاجن 1890 –

  • مؤتمر نيروبي–  5198

  • مؤتمر السكان للتنمية 1994 بالقاهرة

  • مؤتمر بكين 1995 –

  • بكين + 5 نيويورك 2000 –

  • قرار مجلس الأمن 1325 المؤرخ في 31 تشرين/أكتوبر 2000 بشأن المرأة والأمن والسلام

إن كل هذه المؤتمرات لم تهدف ولو في جزئية بسيطة واحدة لتحقيق مصالح النساء بل العكس صحيح،فكل مخرجاتها وقراراتها تمثل وابل امن ا لمصائب والأذى للمرأة.

فتأنيث الفقر الذي تتحدثون عنه والذي ترجعها لأمم المتحدة إلى الأمية والجهل اللذان يصرفان المرأة عن العمل والإنتاج ويشغلانها بالإنجاب والاهتمام بأمور البيت والزوج والأولاد هو حقيقة اشتغال على ضرب دور المرأة الفطري في رعاية الأسرة وقيادتها مقابل إخراجها قسرا للعمل ليس بغرض انتشالها من الفقر بقدر ماهو حيلة لتوفير جيوش من اليد العاملة الرخيصة،

 والواقع أكبر مدين لكم فكم مرت سنين على مؤتمراتكم ومخرجاتكم والحال من سيء إلى أسوأ والفقر يتغلغل ليس في الشعوب النامية كما يحلو لكم أن تصنفونا.

 بل حتى في عمق عواصم أوروبا وأمريكا تعاني النساء من أشكال العبودية الاقتصادية الحديثة حيث تشتغل النساء في الدعارة بألمانيا الملقبة بدار دعارة أوروبا ،يشتعلن بشكل قانوني مادامت تدفع العاهرة ضرائبها وفي المقابل تتحصل على تقاعد وتأمين صحي مما أدى خلال العشرين السنة الأخيرة إلى تضاعف عدد العاهرات إلى 400 ألف ورصد ما يقارب 22 مليار دولار للاستثمار في هذا المجال !!!

إذن مادام النظام الرأسمالي مستفيداً فالدعارة تصبح تمكينا اقتصاديا للمرأة وقس على هذا!

أما تبريركم بأن الحرب والظلم السياسي هو نتاج لبعد المرأة عن مراكز القرار وتحقيق السلام فأذكركم أن “مادلين أولبرايت” أول وزيرة خارجية للولايات المتحدة الأمريكية قامت بدعم الحرب على العراق في التسعينات وقالت في تصريح تليفزيوني أنداك: “أن قتل 500 ألف طفل عراقي كان أمرا يستحق ذلك” مبررة قرار فرض العقوبات الأمريكية في العراق وقد تساءل الإعلام آنذاك عن قدرتها على النوم ليلا بعد هذا الكلام!

وعلى نفس النهج في 2002 صوتت “هيلاري كلينتون”بوصفها عضوا في مجلس الشيوخ عن ولاية نيويورك لاستخدام القوة العسكرية في العراق والتي أدت إلى سجن 10 آلاف امرأة تم اغتصاب 95 بالمائة منهم –حسب إحصائية للجنة العالمية لمناهضة العزل.

وهذا يبين لنا مدى مساهمة المرأة الأمريكية في حل النزاعات وتحقيق السلم!

أما الظلم الاجتماعي الذي تعيشه المرأة والذي تبررون أن مرده التمييز بين الرجل والمرأة في الأعراف والتقاليد والتشريعات الدينية ليس إلا مطية للهجوم على مفاهيم الحضارة ألإسلامية فشريعتنا الإسلامية تميزت أنها و منذ اللحظة الأولى لنزولها قسمت الأدوار بين المرأة والرجل فساوت بينهما في التكاليف وفرقت في الواجبات التي لها علاقة بخصوصية كل منهما.

ولأنها شريعة ربانية فهي شريعة عادلة استطاعت أن تجعل من المرأة المسلمة في أرقى الوضعيات حين كانت المرأة عندكم تُحرق وتتهم بالشعوذة وتعاقب بإجبارها على ارتداء قفص حديد يفي وجهها لمجرد التعبير عن رأيها على الملأ ولم يتغير شيء بعد آلاف السنين فالمرأة الأوروبية اليوم تسحل في قلب شوارع فرنسا بسبب ثورتها على الاضطهاد الاقتصادي للرأسمالية.

إن إصراركم على التركيز على مسألة المرأة يرمي إلى هدف واحد وهو بسط سيطرتكم على العالم الإسلامي ليس فقط بالأداة العسكرية بل لا بد أن يترافق هذا مع تغيير في المفاهيم والقيم السائدة وتثبيتا لقيم الليبرالية التغريبية.

أن ثوراتنا قد عرت تماما حقيقتكم الاستعمارية البشعة فالمرأة عندكم ليست سوى مدخل لمنع ريح التغيير القادمة من العالم الإسلامي لكن اعلموا أن زمانكم قد ولى وأن نظامكم الرأسمالي يترنح تحت لكمات ثوراتنا فهو كالغريق يبحث عن قشة يتشبث بها لكنه يهاتف بحر الأمة الإسلامية الغاضب حجمه أكبر من قشة الرأسمالية الضئيلة.

إلى السادة الدبلوماسيين وممثلي المنظمات والهياكل العربية والإسلامية العاملة في حقل المرأة ،إلى السيد ممثل جامعة الدول العربية،إلى السيدة ممثلة منظمة المرأة العربية،إلى السيدة وزيرة المرأة والطفولة وكبار السن بتونس

إن كان الغرب يعمل بخطوات ثابتة لتركيز استعماره من خلال الاشتغال على المرأة والأسرة المسلمة فإنه لم يكن ليجد فرصة لو لم ترضوا أن تكونوا وسائل  مَعْبراً له.

إنكم تعيشون زمنا تتحرك فيها لأمة لتسقط حكام الضرار الواحد تلو الآخر وهو أمر عليكم أن تتعظوا به وتنتبهوا أننا لم نعد في زمن يسهل فيه مغالطة الناس واللعب بوعيهم

 فالمرأة الغربية اليوم تعاني الأمرّين جراء اضطهادها بنظام مادي قاسي جردها من حرمتها وكرامتها وهي اليوم تلفظه وترفض شعاراته الفاسد. فكيف يمكن لكم أن تسوِّقوا لبضاعة فاسدة قد انتهت صلاحيتها في أمة ثائرة بصدد صناعة التاريخ وتتلمس طريقها لقيادة البشرية نحو نظام رباني عاد لينزل علينا بردا وسلاما ؟!

إن كل الدول العربية والإسلامية تتخذ اليوم تونس قدوة ونموذجا في مسألة المرأة.

 إذن فلتعلموا أن المرأة في تونس أقرب إلى النموذج الغربي في شعورها بالاضطهاد والمهانة والاستغلال فالمرأة في بلادنا تجبر على العمل في ظروف قاسية ومهينة،

المرأة في تونس تموت ألف موتة وهي تشاهد رضيعها يقتل منذ أنفاسه الأولى في مستشفيات تونس دولة الحداثة بسبب الإهمال والفساد المالي والإداري والسياسي،

المرأة في تونس ترسل أطفالها لمدارس دولة الحداثة وهي وجلة من التحرش الجنسي والاعتداء،

المرأة في تونس تجوع وتعطش في الأرياف المهمشة،

المرأة في تونس تركب كل يوم بالعشرات في شاحنات الموت فجرا لجني المحاصيل الزراعية فتسقط منها وتندثر أشلاء في الطريق، المرأة في تونس منهكة كسيرة كزميلتها في الغرب.

فنصيحة من نساء تونس لا تتخذوا  تونس نموذجا في النسوية والليبرالية فهذا فخ وقعنا فيه بسبب الجهل وتآمر الحكام واليوم قد طبنا منه ووعينا .

إنكم اليوم أمام دربين اثنين لا ثالث لهما إما معنا مع الأمة التي لا ترضى عن الإسلام بديلا وإما معه مفترضون لأنفسكم أن تكونوا بيادق للاستعمار.

﴿فَيَوْمَئِذٍ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ﴾

القسم النسائي لحزب التحرير تونس

25/ افريل /2019    19شعبان 1440 هجري

CATEGORIES
TAGS
Share This