رسالة إلى جيوش الأمّة
يقول عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ * إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾
يخاطب الله في هذه الآية المسلمين، لكنّه لا يُخاطبهم أفرادا منعزلين بل يُخاطبُهم باعتبارهم مجتمعا مسلما يقودهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، يدعوهم إلى السّير وراءه لنُصرة دين الله ونصرة المظلومين والمستضعفين في الأرض. ولمّا كان القرآن الكريم كتاب ربّ العالمين للنّاس جميعا إلى يوم القيامة، فإنّ الخطاب يكون للمسلمين يقودهم من يخلُفُ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يدعوهم إلى السّير وراءه ليُتمّ ما بدأه النّبيّ الأكرم صلّى الله عليه وسلّم، نصرة الدّين وإنقاذ المظلومين والمستضعفين.
واليوم تتعالى نداء أطفال غزّة ونسائها تستغيث وتستنصر، وتتكرّر النّداءات للجيوش عسى أن تتحرّك، وفي هذا المقام الأليم نتوجّه بهذه الكلمة إلى جيوش المسلمين الرّابضين في ثكناتهم، ونسوق جملة من الحقائق التّالية:
-
فلسطين أرض إسلاميّة مباركة، بنصّ القرآن الكريم: (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا…) كانت مسرى رسولنا الكريم صلّى الله عليه وسلّم، ومنها أعرج به إلى السّماوات العُلى، ثمّ فتحها عُمر الفاروق وحفظها الخلفاء الراشدون وحرّرها صلاح الدين وصانها السّلطان عبد الحميد الثّاني وأبى أن يُسلّم بعضها ليهود رغم الإغراءات والتهديدات. وستعود بجهود جند الله الصادقين الذين يحققون حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ((لتُقاتلُنّ اليهود فلتقتُلُنّهم..))
-
أصل القضيّة، أنّ الكفّار المستعمرين زرعوا بيننا جسما سرطانيّا خبيثا، ليكون قائما على فصل البلاد الإسلاميّة بعضها عن بعض، ويكون نقطة عسكريّة متقدّمة يستعملها المستعمرون في ضرب الأمّة وقواها. هذا هو أصل القضيّة ومنبع العدوان والظّلم والتّسلّط على أرضنا وأهلنا في فلسطين الأرض المباركة. فلا يصحّ أن يكون فيها لليهود ولا لغيرهم من الكفّار سلطان ولو على شبر واحد من الأرض.
-
ليس العدوان اليوم وقصف أهلنا إلّا فرعا عن أصل. ونصر غزّة وفلسطين لا يكون بالإزالة الفرع مع بقاء الأصل، إنّما يكون بإزالة الظّلم والعدوان زوالا نهائيّا، ولا زوال للظّلم إلّا بزوال أصله. أي بزوال كيان يهود الصّهيوني، وليس بوقف القصف وقتيّا أو نهائيّا.
-
إنّ كيان يهود ليس أهل حرب ولا قتال فهم جبناء وقد ضربت عليهم الذلّة والمسكنة، فلا يُقاتلون إلّا من وراء حصون ومدرّعات، فعُصبة قليلة من الشّباب المؤمنين بأسلحة بسيطة، يضربونهم بقوة، ولقد رأى الجميع “أشباه” جنود يهود يفرون من أمامهم كالجرذان ويلجؤون إلى الطائرات لتحميهم، وصدق الله العظيم إذ يقول: (لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ). ولقد رأى العالم فرحة كتيبة “الجولاني” حين سحبتها القيادات العسكريّة من ساحة القتال رأينا فرحا وغناء وبهجة لا بسبب النّصر وإنّما فرحا من النّجاة من الموت على أيدي المجاهدين.
وأمام هذه الحقائق النّاطقة نخاطب جيوش المسلمين:
يا جيوش المسلمين:
ألا تؤثر فيكم الدماء البريئة التي تُسفك في غزّة هاشم؟ ألا تُحرّككم صرخات الأطفال ونداءات النساء واستنصار الشيوخ فتنصرونهم؟ ألا تتذكّرون قول الله تعالى: (وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ)؟ ألا تحرككم آيات الله القوي الجبّار فتقفوا وقفة الرجال الرّجال لتأديب أحفاد القردة والخنازير؟ (قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ)
يا جيوش المسلمين:
أطاعة الله خير أم طاعة أشباه حكّام يُحاربون الله ورسوله ويُوالون أعداءكم وأعداء دينكم؟
أطاعة الله خير أم طاعة أشباه حُكّام يجعلون أمنهم القومي بريئا من غزّة وأهلها وهي منهم على مرمى حجر؟
يا جيوش المسلمين:
هؤلاء أشباه حكّام هانت عليهم أنفسهم فباعوها رخيصة للكفّار المستعمرين، من أجل كراسيّ معوجّة قوائمها. وما يحزّ في النّفوس أنّ بقاءهم في مناصبهم رهين بحمايتكم لهم. وأنّ أسيادهم لا يستطيعون حمايتهم أو الدّفاع عنهم. فلماذا تحمونهم؟ لماذا تتركونهم يعبثون بمصيركم وبمصير أمّة بأكملها؟ هل تخافونهم وأنتم تعلمون أنّه لا قوّة لهم إلّا بكم؟ إلى متى السّكوت على الهوان والمذلّة؟ إلى متى السّكوت على عدوّ جبان يقتل النّساء والأطفال والشّيوخ وأنتم تنظرون؟ إلى متى؟ ألا ترون إلى عصبة مؤمنة قليلة العدد وما فعلته بجيش يهود وترسانته؟
أيها الجنود والضّباط في جيوش المسلمين:
تذكّروا آيات الله، تذكّروا أحاديث رسول الله، تذكّروا بطولات أصحاب رسول الله، تذكّروا تضحيات أجدادكم، تذكّروا “وامعتصماه”، تذكّروا “الجواب ما تراه لا ما تسمعه”، تذكّروا “حطّين وتحرير القدس من الصليبيين”، تذكّروا “عين جالوت والقضاء على التتار”، تذكّروا “محمد الفاتح وفتح القسطنطينية” تذكّروا عظمة الإسلام وخيريّة أمة الإسلام. وفوق هذا كلّه وقبله وبعده تذكّروا أنّ الله معكم إن صدقتم، وأنّ بطولات المسلمين التي ملأت جنبات التّاريخ لم تكن حين كثُر عدد الجنود وعدّتهم، فأكثر انتصارات المسلمين الحاسمة كانت بقلّة عدد وعدّة ولكن بإيمان عميق وبصدق مع الله صادق وإخلاص خالص. فهل هذا الأمر صعب؟
هل الرّجولة أمر صعب؟؟؟
أيها الضّبّاط أيّها الجنود: ألا تُحبّون أن تكونوا جند الله؟ ألستم من أتباع محمد صلى الله عليه وسلم؟ أليس فيكم رجل رشيد تقفون خلفه ويقودكم إلى نصرة الله ورسوله، إلى (نصر من الله وفتح قريب)؟
لمّا يفت الأوان بعدُ، الفرصة متاحة اليوم لتكونوا كعمر وخالد وصلاح الدّين، الفرصة اليوم متاحة لتنفضوا عنكم غبار الذلّ والمهانة ذلّ التبعيّة للعدوّ بحماية عملائه، ومهانة السّكوت عن أطفالكم ونسائكم تُقصف وتُضرب وأنتم تنظرون.
أيّتها الجيوش، أيّها الضبّاط والجنود:
أهلكم في فلسطين يدعونكم بل يستغيثون بكم، والأرض المباركة التي يستبيحها كفّار يهود والأمريكان تستنصركم.
أيّها الأحرار الشّرفاء في جيوش المسلمين
نُصرة غزة لا تكون بالغذاء والدّواء وإرسال الأكفان. بل تكون بمدافع ودبابات من البر وصواريخ وطائرات من الجو. ولا تُخيفنّكم أمريكا وأحلافها (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) فالله معكم وناصركم وسيُولّي حلف الكافرين الأدبار. وها أنتم ترون وتنظرون عجزهم أمام ثلّة قليلة محاصرة من الشّباب المؤمنين، فما بالكم لو كانت جيوشا منظّمة يقودُها خليفة لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟
أيّتها الجيوش:
لِمَ أنتم اليوم في الثكنات؟ أليست السّاحات والميادين أولى بكم؟ ألستم حُماة أمّتكم ودرعها الذي يقيها عدوّها؟ فمن لها إن عمِد العدوّ إلى قتلها وذبحها؟ إنّ أمّتكم لتستجير بكم صبح مساء وهي تناديكم، تستغيث نساؤها وأطفالها ويستنصركم رجالها وشبابها. فإن لم تكن هذه الأيّام أيّامكم فمتى بالله عليكم؟
واذكروا إن شئتُم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما من امرئ يخذل امرأ مسلما في موضع تُنتهك فيه حُرمته ويُنتقص فيه من عرضه، إلا خذله الله في موطن يُحب فيه نُصرته، وما من امرئ ينصر مسلما في موضع يُنتقص فيه من عرضه ويُنتهك فيه من حُرمته، إلا نصره الله في موطن يُحب فيه نُصرته”.
واعلموا أنّا لا نناديكم من يأس لا رجاء فيه، إنّما نناديكم لأنّنا نعلم أنّ الله سينصرنا على عدوّنا، واعلموا أنّكم إن أبيتم الاستجابة فإنّ الله سيقيّض من يستجيب. ونذكّركم بقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ).
فأروا الله ما يُرضيه عنكم وسجّلوا في صحائفكم ما به ترفعون الرؤوس. وإنكم والله لقادرون.
CATEGORIES كلمة العدد