الحمد لله أتانا برمضان وآذن برحيل وانقضاء فسلام عليه غاديا ورائحا، سلام عليه قادما ومغادرا، سلام عليه وعلى صحبه الكرام..كان صلى الله عليه وسلم إذا حل رمضان..إذا جاء شهر التوبة والغفران.إذا جاء شهر العتق من النيران..وصفدت الشياطين.. وفتحت أبواب الجنان..استقبله بمزيد الطاعات، وبمضاعفة أعمال البر، وبالإجتهاد في القربات.
أورد الإمام مسلم في صحيحه، قول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في رمضان، ما لا يجتهد في غيره، وهو قدوتنا، وهو أسوتنا، وخاطبنا من أجله خالقنا، فقال عز وجل:” لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ. لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا” أخرج الشيخان في صحيحيهما عن أمنا عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يخلط العشرين بصلاة ونوم، فإذا كان العشر شمر وشد المئزر.و عنها أيضا و في الصحيحين قولها، كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شد مئزره، وأحيى ليله، وأيقظ أهله..لماذا؟ ليعلــّم أمته، ألا تفوتهم فرصة محو جميع الذنوب،ليعلــّم أمته، أن اجتهاد ليال قليلة يترتب عنه نعيم أبدي في جنات الخلود، و يعلمهم الطاعة، ويعلمهم الاستجابة، و يعلمهم الإقتداء، فصلوا عليه و سلموا تسليما، صلى الله عليك وسلم يا علم الهدى و بدر الدجى.
كان صلى الله عليه وسلم لا ينام الليالي العشر الأخيرة من رمضان، كان يقضي ليله بين ركوع و سجود، و تلاوة وابتهال، يتحرى الليلة العظيمة، ليلة نزول القرآن، ليلة سماها رب العزة بليلة القدر، إعلاء لقدرها، و رفعا لشأنها، أورد الإمام السيوطي في الدر المنثور أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر يوما أربعة من بني إسرائيل، عبدوا الله ثمانين عامًا، لم يَعْصوه طرفة عين: فذكر منهم أيوب، و زكريا، قال: فعجب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك، فأتاه جبريل فقال: يا محمد، عَجِبَتْ أمتك من عبادة هؤلاء النفر ثمانين سنة، لم يَعْصُوه طرفة عين؛ فقد أنزل الله خيرًا من ذلك، خيرا من ذلك لهذه الأمة، خيرا من عبادة ثمانين سنة دون معصية، هدية من الله لأمة محمد صلى الله عليه وسلم ثم قرأ جبريل عليه السلام قول الله تعالى:” إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ. تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ. سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ”. ثم قال هذا أفضل مما عجبت أنت وأمتك. فَسُرَّ بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وتلاها على الصحابة ففرحوا بها، ليلة القدر، ليلة خير من ثلاث و ثمانين سنة وأربعة أشهر، كلها طاعة و كلها عبادة لم تشبها معصية و لم تدنسها خطيئة..أي أمة هذه الأمة..تتحرى ليلة القدر في ليال معلومات..فتنال بها أرفع الدرجات..و أعلا المكرمات..قال حبيبنا صلى الله عليه وسلم تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان..
ولقد قال سلفنا رضي الله عنهم:( أخفى الربُّ أمورا في أمور لحِكَمٍ: أخفي ليلة القدر في الليالي ليحيى جميعها، وأخفى ساعة الإجابة في يوم الجمعة ليدعى في جميعها، وأخفى الصلاة الوسطى في الصلوات ليحافظ على الكل، وأخفي الاسم الأعظم في أسمائه ليدعى بالجميع، وأخفى رضاه في طاعته ليحرص العبد على جميع الطاعات، وأخفى غضبه في معاصيه، لينزجر عن الكل، وأخفي أجل الانسان عنه ليكون على استعداد دائما) وقد اعتقد الكثير من العلماء أنها ليلة السابع و العشرين بما ظهر لديهم من البراهين و الأدلة..فها هي الليالي أمامنا، فيها ليلة العمر، فيها ليلة الفوز.. فتعالوا نشمر بما نستطيع..المهم أن لا نضيع الفرصة..فقد لا ندرك رمضان بعد هذا الرمضان.. وربما ندركه بغير هذه الحال..كم من أناس أيها المؤمنون كانوا بيننا..فصاروا من أهل القبور..فلنبادر قبل أن نبادر..ولنختم شهرنا بأحسن الأعمال..لعل الله يعزنا ويكرمنا بحكم راشد من عنده ونصرا مؤزرا فإنما الأعمال بالخواتيم..سألت أمنا عائشة رضي الله عنها النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن وافقت ليلة القدر فما أدعو؟ قال: قولي: اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فأعف عني” .
أيُّها المسلمونَ ,أيُّها الموحدون: يا أبناءَ أمَّةِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، أيُّها الطائعونَ الذينَ إذا دُعُوا إلى اللهِ ورسولِهِ ليحكمَ بينهم قالوا سمعنا وأطعنا. ها أنتم لمَّا أهَلَّ رمضانُ بهلالِهِ وسمعتم نداءَ ربِّكُم لصومِكُم، أصبحتم صائمينَ, وأمسيتم قائمينَ، ترجونَ رحمة َربِّكُم ورضوانـَهُ تسألونهُ الجنة،وترجونـَهُ المغفرة, والعتقَ من النار، ثمَّ ها هوَ رمضانُ اليومَ يلملمُ أوراقـَهُ لِفراقِكُم، فهنيئاً لمن أطاع َوأحسن، فصامَ وقامَ، وتصدقَ فأغدقَ مُلبياً نداءَ ربِّهِ الأكرم،
فهذا واللهِ حالـُكُم ونِعمَ الحالُ هيْ، تـُجيبونَ إذا دُعيتم، وتطيعونَ إذا أُمرتم،وتعطونَ إذا سُئلتم،تلكَ هيَ حالـُكُم, وحالُ المؤمنينَ وصفاتـُهم إخوتي وأحبتي: ألا فلتعلموا أن الذي أوجبَ عليكُمُ الصلاة, قد أوجبَ عليكمُ الصيامَ، وأوجبَ الزكاة َوأوجبَ الحَجَّ، وهوَ نفسُهُ الذي أوجبَ عليكم الأمرَ بالمعروفِ والنهيَ عن المنكرِ، وهو الذي أوجبَ عليكم مقارَعة َالحكام ِوكشفَ خياناتِهم, وهو الذي أوجبَ عليكمُ العملَ الجادَّ الدؤوبَ لقلع نفوذ الإستعمار من بلادكم واستِئصال ِشأفتِهم، وهو الذي أوجبَ عليكم كذلكَ حملَ الإسلام ِلهدايةِ البشريةِ, وإخراجـِها من الشقاوةِ إلى السعادةِ، ومن جورِ الأديان ِوظلمِـها إلى نورِ الإسلام ِوعدلِهِ .
ثمَّ هو نفسُهُ الذي أوجبَ عليكمُ الحكمَ بالإسلام والإحتكامَ إليهِ، وحَرَّمَ عليكُمُ النزولَ عندَ حُكم ٍغيرِ حُكمهِ. فلماذا أنتم قاعدونَ! وماذا تنتظرونَ؟ وهذا رمضانُ شهرُ الخيرِ يتسللُ من بينِكم لـِوَاذا ,مُؤذناً بالرحيل فلعلـَّكُم لا تلقونـَهُ بعدَ يومِكُم هذا, وشهرِكُم هذا, وعامِكُم هذا. ولعلـَّكُم لا تـُدركونَ خيرَهُ إن ضيعتمُوهُ, بغيرِهِ, فإنهُ لا عِدْلَ لهُ، فالعُمرُ معدودٌ, والأجلُ محدودٌ, ولا تزالُ لكم واللهِ فـُسحة، إن كانَ في العُمُرِ بقية, فاجعلوا توبَتـَكُم في شهرِ ربِّكُم, توبة ً تطيبُ بها نفوسُكُم, وتـَصلـُحُ بها أعمالـُكُم، لِـيُحِسنَ اللهُ إذا ما جاءَ أمرُهُ ختامَكُم, فقوموا من فورِكُم، وقد عاهدتم ربَّكُم، على العمل ِمَعَ العاملينَ المخلصينَ لإقامةِ حكم ِاللهِ في الأرض, فبها عزُّكُم, وبها فلاحُكُم ونجاحُكُم، ولن يَتـِرَكُم اللهُ أعمالـَكُم, ولا تجعلوا نهاية َرمضانَ بداية ًلقعُودِكُم وتقاعُسِكُم، وإضاعة ًلأجرِكُم، فشمِّروا عن سواعِدِكُم وقولوا: ( سمعنا وأطعنا غفرانكَ ربنا وإليكَ المصير).