تعيش النخبة العلمانية الحاكمة في تونس حالة انكشاف غير مسبوق , فبالإضافة الى فقدانها السند الشعبي والنقمة المتزايدة عليها بسبب استفزازاتها المتكررة لعقيدة الامة وغرقها في اوحال الفساد وقضايا التحيّل المالي , فقد بلغت هذه النخبة حالة من الضعف ان أصبحت غير قادرة على الاستغناء عن عناصرها التي ثبت تورطها وفسادها عبر المحاكم وتتوسّل كل الوسائل الملتوية لتبييض فسادهم وسوابقهم , وتُقيم الدليل على عدم قدرتها على تجديد نفسها بعناصر جديدة فاعلة وقادرة على خدمة النظام السياسي المتهالك.
دولة الفساد تحمي حلفاءها
فقد شهد الاسبوع الماضي اعلان رئيس الجمهورية عن عفو رئاسي خاص على احد الوجوه الإعلامية والسياسية لحزب “نداء تونس” المورط في قضايا فساد مالي وإداري وبعد اقل من شهرين من انطلاق تنفيذ حكم قضائي بسجنه لمدة سنتين مع النفاذ.
كما تكشّف خلال الأسبوع الماضي أن رئيس الحكومة يوسف الشاهد تقدم بمراسلة الىالاتحاد الأوروبي لطلب حذف اسم أحد رجال الاعمال المرتبطين بالنظام السياسي وصهر الرئيس المخلوع “مروان المبروك” دون سواه من قائمة الثمانية والأربعين شخصا المعنيين بتجميد أموالهم في الخارج منذ 2011. وقد تم اتخاذ قرار مراسلة الاتحاد الأوروبي في كنف السرية وبصفة مريبة.
ويأتي هذا القرار المريب بعد رفض الاتحاد الأوروبي الدعوى التي تقدم بها “مروان المبروك” ضد الدولة التونسية لرفع التجميد على املاكه للمرة الثالثة على التوالي، نظرا لعدم انتهاء الأبحاث في القطب القضائي الاقتصادي والمالي والمتعلقة بشبهة اختلاس الأموال واستغلال النفوذ والإضرار بالإدارة. وقد تبين أيضا أن رئيس الحكومة قد ترأس مجلسا وزاريا مضيقا يوم 22 نوفمبر 2018، أي يوم الإضراب العام بالوظيفة والعمومية لمناقشة رفع التجميد عن أموال “مروان المبروك”، بدل الانكباب على إيجاد حلول جذرية للازمة العاصفة بالقطاع العمومي وغيرها من الملفات الاجتماعية والاقتصادية والأمنية الحارقة.
تحالف نخب السياسة والمال والإعلام
هذا الإصرار السياسي من اعلى هرم السلطة على حماية بعض الوجوه يثبت مرة أخرى ان هذه الدولة المدنية ممثلة في رئيسها ورئيس حكومتها هي فاقدة لأي قيم او مصداقية و أن قياداتها تكرس بأفعالها سياسة الإفلات من العقاب وتشجع على استمرار الفساد الذي تدعي مقاومته.
كما تبين هذه الاحداث ان السلطة في تونس وباقي البلاد الإسلامية لا تقوم على عقيدة سياسية واضحة تشكل هوية جماهير الامة الإسلامية وتنبثق منها قيمها وقوانينها المنظمة للعلاقات بل تقوم على تحالف نخب السياسة والمال والإعلام لصناعة كيان وظيفي تابع يقوم الاعلاميون فيه بالترويج لهذه التبعية وإظهارها كأفضل الخيارات الواقعية والبراغماتية ,ويقوم رجال الاعمال المرتبطة مصالحهم بالغرب بتوفير المال السياسي وتمويل الحملات الانتخابية وإيصال وكلاء الغرب من السياسيين الى السلطة.
هذا هو المشهد السياسي في تونس والقائم على التبعية المقيتة على عكس طبيعة الامة الإسلامية التي ترفض بفطرتها التدخل الخارجي والمال السياسي القذر.
التبعية السياسية للغرب عقيدة الدولة
إدعاء تبني الديمقراطية والدولة المدنية كعقيدة سياسية للدولة في تونس وفي البلاد الاسلامية التي تقام فيها بعض المناسبات الانتخابية هو مغالطة سياسية مفضوحة مستمرة منذ عشرات السنين وهو ادعاء هدفه الأساسي صرف جماهير الامة الإسلامية عن التفكير بالعيش بنظام الحكم الإسلامي وتنظيم العلاقات الاجتماعية والاقتصادية حسب قوانينه وأحكامه .
أما العقيدة السياسية لهذا الكيان الذي أنشاه الاحتلال مع وكيله الأول “بورقيبة” فهي التبعية والارتباط مع الغرب في كل المجالات السياسية والاقتصادية والفكرية والحضارية , وهذه التبعية للغرب هي أساس الدولة وسر بقائها , أما المفاهيم الديمقراطية وحقوق الانسان والمشاركة الشعبية فهي مجرد ديكور للاستهلاك الداخلي والتسويق الخارجي حين تكون التبعية للغرب حاضرة ومصالحه متحققة , أما إذا تعرضت التبعية للمستعمر ومصالحه للتهديد فسوف يتم التضحية بالنظام الديمقراطي وبكامل شعرات حقوق الانسان والحريات العامة كما حصل في الجزائر بعد فوز انصار التيار الإسلامي في الانتخابات اوفي مصر بعد ثورة 25 جانفي 2011 وفي كل بلد تلوح فيه إمكانية وصول التيار الإسلامي للحكم.
ان المعركة المصيرية التي لا مفر من خوضها في البلاد الإسلامية هي معركة التحرر من كافة أنواع التبعية والاستعمار ومن ادواته المكشوفة التي تؤمن الضخ الإعلامي والمال السياسي , وان حرص “الباجي” و”الشاهد” على حماية الفاسدين من الادوات المالية والإعلامية هو دليل على حاجتهم وضيق خياراتهم بعد نفاذ مخزونهم البشري في محيط الارتزاق السياسي وهو ما يبشر بقرب سقوطهم وانكسارهم.