زعم الشّاهد أن سيحارب الفساد… باي عقليّة؟ ولصالح من؟
أكّد رئيس الحكومة يوسف الشاهد في خطابه أمام البرلمان يوم الخميس 20 جويلية 2017، أنّ ملف مكافحة الفساد والتهريب والتجارة الموازية، من أهم المحاور التي اشتغلت عليها الحكومة في اطار تطبيق تعهداتها، إضافة إلى الحرب على الإرهاب. ويأتي خطاب الشاهد بعد عودته من زيارة إلى الولايات المتّحدة الأمريكيّة، ويعتبر الشّاهد أنّ أمريكا حليف استراتيجيّ لتونس وصرّح لمجلّة التّايم الأمريكيّة للكاتب “ايان بريمر” بأنّ أولويّة حكومته للحرب ضدّ الإرهاب وللوضع في ليبيا وقال إنّه حاول أن يشرح لأصدقائه في أمريكا أنّ تونس هي الخطّ الأمامي لمكافحة الإرهاب ….وانقطاع الدّعم الأمريكي يرسل رسائل خاطئة للإرهابيين.
وكان رئيس الحكومة صرح من قبل بأن بلاده تسعى إلى تعزيز علاقاتها التجارية والاقتصادية مع الولايات المتحدة للنهوض باقتصادها وتوفير فرص عمل، وذلك في اختتام «زيارة ناجحة» إلى واشنطن، التقى خلالها مسؤولين في الإدارة الأميركية والكونغرس ورجال أعمال ومانحين دوليين.
وأوضح الشاهد أن «أعضاء الكونغرس عبروا عن استعدادهم مساندة تونس باعتبارها حليفاً استراتيجياً في مجال مكافحة الإرهاب»، مشيراً إلى أن محادثاته مع المسؤولين الأميركيين كشفت تطابقاً في وجهات النظر بين الإدارة الأميركية الجديدة والدولة التونسية. وأكّد الشاهد أن «وزارة الخزانة الأميركية بدت مقتنعة بضرورة مساعدة تونس بمسار انتقالها الديمقراطي حتى النهاية»، كما تعهد السيناتور الجمهوري جون ماكين عقب لقائه رئيس الوزراء التونسي أن «مشروع قانون المالية الذي يتضمن خفضاً للمساعدات الخاصة بتونس لن يمر».
أيّ عقليّة تحارب الفساد؟؟؟
تونس في خدمة الأعداء:
عندما يتحدّث أوباما عن تونس ويصفّق أعضاء الكونجرس بقوة فهذا يعني أنّنا على الطريق الصحيح وأنّه لا يجب أن نحيد عن هذا الطريق(.الباجي قائد السبسي، مارس 2011)
هكذا تحدّث الباجي قايد السبسي حين كان رئيسا للحكومة التونسيّة المؤقّتة بعيد الثورة، وهي قولة تلخّص عقليّة السياسيين في تونس، عقليّة لا ترى سياسة ولا تخطيطا إلا بإشراف الدّول الغربيّة الرّأسماليّة، ولقد تبارى المتنافسون في الانتخابات الرئاسيّة والتشريعية سنة 2014 في إظهار قربهم من دوائر القرار في الدّول الغربيّة وقدرتهم على ضمان دعم خارجي أوروبيّ أو أمريكي لتونس، أي قدرتهم على إرضاء أصحاب القرار في الدّول الغربيّة الاستعماريّة. وهو نفس المنطق الذي جعل يوسف الشاهد ومن معه يعتبرون زيارته إلى أمريكا “ناجحة” لأنّ المسؤولين الأمريكان رضوا عنه فوعدوه بالدّعم والمساعدة، وإذا وعد الأمريكان فتونس على “الطريق الصحيح” الذّي تحدّث عنه رئيس الجمهوريّة الباجي قائد السبسي منذ 6 سنوات، وها هو الشّاهد يضع تونس جسر عبور للقوّات الأمريكيّة تعبره متى شاءت إلى حيث شاءت ذلك أنّ الشّاهد جعل من تونس حليفا استراتيجيّا للولايات المتّحدة الأمريكيّة واستجداها أن لا تقطع مساعداتها العسكريّة وبرّر ذلك بوضعيّة التحالف وحاجة أمريكا إلى موقع تونس في حربها (المزعومة) على الإرهاب،
إنّ الجميع يدرك أنّ أمريكا دولة استعماريّة تسعى سعيا للهيمنة على العالم بكلّ الوسائل والأساليب، وقد وضعت الإدارة الأمريكية مفهوما للهيمنة تمت صياغته في تقرير للبنتاغون بعنوان دليل الخطة الدفاعية DPG :Defense Planning Guidance 94-92 الذي أعدّه “بول فولفيتز” نائب وزير الدفاع في حكومة بوش الابن، ولويس ليبي مدير ديوان نائب الرئيس الأمريكي، وكان من أهم ما خلص إليه هذا التقرير هو: “منع كل قوة إقليمية من السيطرة على الموارد التي قد تجعلها قوة عظيمة، والسير نحو بناء القواعد العسكرية التابعة للإدارة الأمريكية في مناطق توافر الموارد الطبيعية، وكذلك التشويش على أي قوة صناعية قادرة على منافسة الريادة الأمريكية”.
استجداء المساعدات:
يُعدّ تقديم “المساعدات” من أخطر الأساليب التي تتبعها أمريكا في الهيمنة على شعوب العالم وبالأخصّ بلاد المسلمين، فأمريكا منذ أن دخلت الساحة الدّوليّة كقوة استعمارية وريثة للاستعمار البريطاني والفرنسي، وهي تخطّط وتمكر للهيمنة على العالم الإسلامي، فعقدت سنة 1950 مؤتمرا في اسطنبول جمعت فيه الدبلوماسيين الأميركيين المعتمَدين لدى الدول العربية برئاسة “جورج ماغي” وكيل وزارة الخارجية الأميركية، وكان من بين ما سطّرته “اتخاذ التعاون مع أهل البلاد أسلوباً من أساليب النفاذ إلى المنطقة”، فأطلقوا على الهيمنة اسما خادعا “التعاون” وجعلوه من صلب سياسة أمريكا للنفاذ إلى أعماق المنطقة لصناعة العملاء، أو اتّخاذها أدوات ضغط تضمن “مصالحهم” ونهب ثروات الشعوب.
إن “المساعدات” الأمريكيّة شرٌّ كلها، فالواقع ينطق بأن الدول الكافرة المستعمرة، وبخاصة أمريكا، لا تقدم مساعدات إلا لبسط النفوذ والهيمنة، وخدمة مصالحها، بدليل أنّ أمريكا لم تقدّم مساعدات لتونس إلا بشروط :
- التخلي عن الإسلام نهائيّا وعدم التنصيص في الدّستور على أنّ الشريعة الإسلاميّة مصدر من مصادر التشريع، واتّخاذ الدّيمقراطيّة نظاما للحكم.
- التطبيع الكامل مع كيان يهود المجرم، ضغطت أمريكا على راشد الغنّوشي وجعلته يصرّح أمام الإعلام العالمي أنّ التونسيين غير معنيين بتجريم التطبيع في الدّستور التونسي. ثمّ إنّ أعضاء من الكونغرس الأمريكي خلال زيارة يوسف الشاهد الأخيرة إلى أمريكا شرطوا بل أمروا أن تدعم تونس كيان يهود في الأمم المتّحدة والمنظّمات التابعة لها كاليونسكو….
- تقديم تسهيلات للقوات العسكريّة الأمريكيّة داخل الأراضي التونسيّة: فرضت أمريكا على تونس اتّفاقيّات عسكريّة وأمنيّة واستخباراتيّة تخوّلها استعمال الأراضي التونسيّة في التّجسّس على كامل المنطقة، وتجيز انتشار القوّات الأمريكيّة في تونس في إطار الحرب المزعومة على الإرهاب وقد جدّد الباجي قايد السبسي موافقته المبدئيّة على مشروع intelligence, surveillance et reconnaissance. هذا المشروع الذّي نشرت بعض تفاصيله الصفحة الرسميّة لحلف شمال الأطلسيّ يتعلّق بتنسيق الجهود على صعيد الاستخبارات والمراقبة وتبادل المعلومات بين مختلف أعضاء حلف الناتو، ومن ضمنها تونس التي أعطتها أمريكا صفة ”الحليف الأساسي غير العضو بالناتو“. وهو مشروع يرتكز بالأساس على عمليات الرصد والمراقبة وتبادل المعلومات وتقديم التسهيلات العسكريّة بشتّى أنواعها لأعضاء الحلف، سواء عبر الأقمار الاصطناعيّة أو طائرات الاستطلاع أو فتح المجال البريّ للقوات العسكريّة لتنفيذ مهامها.
- ربط اقتصادها بالمنظومة الرّأسماليّة العالميّة وتسليمه بالكامل لصندوق النّقد الدّولي والبنك العالمي يضعون البرامج والسياسات وما على الحكومة التونسيّة إلا التنفيذ.
هذا هو “الطريق الصحيح” الذي يريد الباجي ورئيس حكومته أن تسير فيه تونس: طريق المهانة والمذلّة طريق استجداء العدوّ، ولقد وصلت المسيرة اليوم على هذا “الطريق الصحيح” إلى جعل تونس على شفير الهاوية، بلدا مسخا يتخلّى عن دينه من أجل إرضاء عدوّه، .بلدا تابعا ذليلا يتسوّل حكّامه شرقا وغربا يستجدون الفتات، نقطة ارتكاز تمهّد لأمريكا الدّخول لمنطقة شمال إفريقيا ومنازعة أوروبا في السيطرة عليها وبوّابة للدخول إلى افريقيا.
فهل بعد هذا الفساد من فساد؟ بل أيّ فساد يزعم رئيس الحكومة أنّه يُحاربه؟ تراه يُسلّم البلد بأكمله لعدوّها ويجعل منها قاعدة انطلاق لبسط الهيمنة والسيطرة على كلّ المنطقة.
إنّ حقيقة ما يقوم به يوسف الشّاهد ومن معه هي تنظيف البلاد من الخارجين عن سيطرتهم، وجعلها وكلّ القوى فيها تحت السيطرة ليسهل التحكّم فيها ويسهل على الدّول الكبرى السيطرة والهيمنة. مع العلم أنّ مطلب محاربة الفساد مطلب قديم طالبت به الدّول الاستعماريّة عملاءها منذ ثمانينات القرن الماضي فقد كبّلت تلك القوى دول العالم الثالث بالقروض وجعلت لتلك القروض مخطّطات بها تسيطر بالكامل على الاقتصاد العالمي غير أنّ العملاء كانوا يصرفون معظم القروض على ملذّاتهم ويهرّبون معظمها إلى بنوك سرّيّة في الخارج، وهذا الأمر جعل حكّام تلك البلدان تحت السيطرة لكن لم تمكّنه من السيطرة على الشّعوب لأنّ “فساد” أشخاص الحكّام وتتابعه سبّب اضطرابات وثورات صارت تُهدّد مصالح الغرب جدّيّا لأنّ الشعوب أزالت حاجز الخوف وبدأت تقلع حكّامها ومن وراءهم من نفوذ غربيّ، وهذا طبعا لا يخدم الأجندات الغربيّة، ممّا اضطرّ القوى الغربيّة الاستعماريّة آن “تحارب الفساد” يعني أن تجعل عملاءها ملتزمين التزاما كاملا بالخطط المسطّرة. وهذا ما نراه اليوم في تونس فخطط مكافحة الفساد جاءت بأمر من صندوق النّقد الدّولي ولذلك لا تراها تضرب إلا المهرّبين ويوسف الشاهد لا ينوي إلا ضرب التّهريب
لأنّه يفسد برنامج صندوق النّقد الذي جعل من الجباية حجر الزّاوية في الاقتصاد التونسي ليسهل على الدّائنين العالميين استخلاص الدّيون من تونس.
وفي الختام نقول إنّ الفساد الحقيقي يكمن في النّظام وفي إخضاع تونس أعدائها وفي جعل شبابها خدما عند الشركات العالميّة
محمد الناصر شويخة