زيارة الصدر للسعودية, المغزى والدور ولمصلحة من؟
مقتدى الصدر هو زعيم التيار الصدري الذي يعتبر أكبر تيارات المذهب الجعفري في العراق وقائد لأجنحة عسكرية تابعة لتياره متمثلة بكل من جيش المهدي ولواء اليوم الموعود وسرايا السلام، ومع أنّه قائد وزعيم لتيار واسع العدد في العراق، وممثَّل بأكبر عدد في البرلمان إلا أنه ليس له حضور سياسي قوي يتناسب وحجم عدد تياره والمليشيات التابعة له، هذا من ناحية سياسية، ومن ناحية الدرجة العلمية في الحوزة لم يصل إلى مرحلة الاجتهاد التي تخوله لأن يكون مرجعا معتمدا حسب شروط المرجعيات، وهو الابن الرابع للزعيم محمد محمد صادق الصدر الزعيم السابق والمعروف والمرجع الكبير والشهير في العراق، وهو لا يملك ما ملكه والده من مكانة ودور وإن كان يستثمر تاريخ ومكانة والده لغايات وأهداف معينة.
هذا من حيث دراسة واقع الرجل، أما بالنسبة للزيارة فلقد أحدثت الزيارة مفاجأة كبيرة ورآها بعضهم تحولا في المواقف وتغيّرا في الولاء والتبعية وانتصارا للسعودية وانتقال ولاء الصدر للسعودية بدلا من إيران، وساعد على هذا الفهم بعض الأخبار وردود الأفعال والتعليقات والمقالات التي ذكرت الزيارة حيث فُهِمَ منها أو صرحت بانتقال الولاء والتوجه والدور الجديد. أذكر بعض هذه التصريحات، ثم أنتقل لمحاولة فهم ما حدث ولمصلحة من هذا الأمر.
أولا: بالنسبة لمقتدى الصدر فهو شخصية جدلية بامتياز مضطربة لا تلتزم موقفا واحدا فقد عُرِف عنه الانتقال والرقص بين الموقف ونقيضه والإثبات ونفيه تماما، وأذكر بعض المواقف له للتدليل على الكلام أعلاه، فمثلا في الوقت الذي غازل فيه (السنة) ونقل عنه ما نقل في حق الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم والصحابة أجمعين، وما نقل عنه في حق أمهات المؤمنين، نجده يشارك في الفتنة الطائفية ويفتك ويقتل ويقوم تياره بأبشع الجرائم في حق (السنة).
وأيضا فقد دعم عملاء أمريكا في العراق سواء أكان الجعفري أم العبادي ووقف مع المالكي الطائفي خلال معركة على رئاسة الوزراء في 2006، ثم انقلب عليه في نهاية 2007 حين شن المالكي هجومًا ضد أنصاره وقتل وسجن منهم الكثير.
وفي الوقت الذي يتحدث فيه عن أسلمة الدولة، تجده يرفع شعارات الدولة المدنية وينادي بالعديد من الدعوات التي تؤيد فصل الدين عن الدولة، ومناداته بخروج إيران ثم ذهابه هناك واعتكافه سنوات بحجة طلب العلم واعتزال العمل السياسي والتفرغ للعلم لتحصيل المرجعية التي يجب أن ينالها حتى يصبح مرجعا معتدا به.
ثانيا: ليست هذه هي الزيارة الأولى له للسعودية فقد زارها في 2006، ولكن هذه الزيارة تختلف بشكل كبير من حيث التوقيت لجهة إمكانية تقسيم العراق وفرض هذا على أرض الواقع، ومن حيث جهة الطلب وهيالسعودية التي قامت بدعوته دعوة رسمية بعد تمكن رجال أمريكا من الإمساك بمفاصل الحكم، والتسونامي في القرارات السعودية بعد مجيء العهد الجديد والتغييرات التي حدثت فيها.
ثالثا: لا ينفصل هذا الحدث (الزيارة) عن محيطه وعلاقته به وهو مسألة العراق والخطة الأمريكية الحالية لها، وأين وصلت وما هو المطلوب حاليا ومرحليا، خاصة وأنه سبقه للزيارة رئيس وزراء العراق حيدر العبادي، ووزير داخليته قاسم الأعرجي، وسبق هذه الزيارات زيارة الجبير وزير الخارجية السعودية للعراق في 26 شباط 2017، وأشار الجبير إلى أن “الروابط التي تجمع المملكة مع العراق كثيرة جدا وهذه الزيارة تأتي لإعادة العلاقات الثنائية إلى مسارها الصحيح”، مشددا على أن “المملكة تقف على مسافة واحدة من المكونات العراقية وتدعم وحدة واستقرار العراق”.
ودعا الجبير إلى “العمل على تبادل زيارات مسؤولي البلدين وتفعيل كل الملفات العالقة”، مبينا أن “هناك رغبة للعمل على فتح منفذ جميمة بين العراق والمملكة وبحث ملف تشغيل الخطوط الجوية المباشرة بين البلدين”.
رابعا: أزعجت الزيارة القيادات الإيرانية، حتى إن بعضهم رأى أن هذه الزيارة خيانة من قبل الصدر لإيران، وتخلٍ عنها بالرغم مما قدمته له من دعم وخدمات.
وقرأت الصحافة الإيرانية، التي تعكس عادة وجهات نظر القائمين عليها، سواء من التيار المتشدد أو الإصلاحي، حسابات ومآلات زيارة الصدر من زوايا مختلفة، معتبرةً أنها “جاءت في ظرف غير مناسب تعيشه المنطقة والإقليم”. وفق موقع “إرم نيوز”.
ورأت الصحافة أن “زيارة الصدر إلى الرياض تمثل خيانة لإيران، فضلًا عن أنها إعلان لقرع العداء مع إيران وحلفائها، معتبرة أن هذه الخطوة ليست جيدة بالنسبة لرجل الدين الشيعي الشاب”.
إذا فهذه الزيارة ليست زيارة شخصية، ولا علاقة لها بالأحداث الأخيرة في السعودية (العوامية) والمنطقة الشرقية، وإنما تتعلق بالعراق وتحديد أدوار أدوات أمريكا فيها كل حسب دوره، والانتقال من دور الصراع الظاهر للعيان شكلا إلى دور التعاون الحقيقي وعلى مراحل في تنفيذ الاستراتيجية الأمريكية للعراق، وهي تقسيمه وتلزيم مناطق العراق وتقسيماته لكل من إيران وتركيا والسعودية، وتحديد دور كل منهم في ترتيب الوضع الجديد خاصة بعد الفراغ الذي بات في المناطق السنية بعد المعارك الأخيرة وإخراج تنظيم الدولة واقتراب الاستفتاء الكردي على الانفصال، ومن الجدير ذكره أن وزير الخارجية الأمريكي طلب من الأكراد تأخير الاستفتاء فيما يبدو لترتيب الأمور في العراق حتى تكون عملية الانفصال موحدة وتنتهي من تحقيق الخطة الأمريكية لانشغالها حاليا بما هو أهم وهو مسألة الصين والتفرغ لها، لذا فيما يبدو فإن إدارة ترامب تريد إنهاء المسألة العراقية وتحقيق النتائج على الأرض، وسواء انتقل الصدر من إيران إلى السعودية أم لا فليست قضية ذات شأن فهو في الحضن والنفوذ والتبعية لأدوات أمريكا ولكن بحيث تسير الأمور معا، وما زيارة الصدر وجميع القيادات العراقية السابقة أو الزيارات القادمة، وزيارات أدوات أمريكا إلا في محور الانتهاء من مسألة العراق وترتيب الدور الوظيفي للكيانات الجديدة وتلزيم أدوات أمريكا في المنطقة لهذه الكيانات تلزيم الأم الحاضنة والراعية للمولود المسخ الناشئ لمصلحة أمريكا وهذه العملية الجراحية لها مقدماتها وأدواتها لمحاولة ولادة هذه الكيانات بوجود حاضنة سياسية من دول الجوار، ونلاحظ مثلا عجلة الأكراد للانفصال مما اقتضى من وزير خارجية أمريكا ليطلب منهم تأجيل الاستفتاء وليس إلغاءه؛ فقد ذكر بيان صدر عن رئاسة كردستان العراق بعد اتصال تيلرسون “بخصوص تأجيل الاستفتاء، أوضح السيد رئيس إقليم كردستان لوزير خارجية أمريكا، بأن الشراكة والتعايش السلمي الذي كان يشكل الهدف الرئيسي لكردستان مع دولة العراق في المراحل التاريخية المتعاقبة التي مر بها الجانبان لم يتحقق”.
وأضاف البيان “لذلك سيمضي شعب كردستان في طريقه وسيقرر مصيره. وتساءل سيادته من وزير الخارجية الأمريكي: ما هي الضمانات التي من الممكن أن يتم تقديمها لشعب كردستان بمقابل تأجيله للاستفتاء؟ وما هي البدائل التي ستحل محل تقرير المصير لشعب كردستان؟”.
والخلاصة التي يجب ذكرها أن مسألة تقسيم العراق هي جريمة كبرى بحق هذه الأمة العظيمة وتفتيت لمكامن القوة فيها وإيجاد كيانات هزيلة ضعيفة لا تستطيع العيش بذاتها وإنما عالة على الغرب المجرم وأدواته خاصة في منطقة أثبتت الأحداث شوقها وقبولها بمشروع الأمة السياسي المنبثق عن العقيدة الإسلامية.
بقلم: حسن حمدان