سبع سنوات من الثورة… أين الخلل ؟

سبع سنوات من الثورة… أين الخلل ؟

سبعة سنوات مرت على اندلاع ثورة تونس المباركة، ثورة الأمة، ثورة أيقظت المنطقة بأسرها وقامت لتحرير البلاد من الطغيان والاستبداد، ثورة ضد سياسة التهميش والإفقار والتجويع التي أرهقت العباد.

 صحيح أن الطاغية بن علي وعائلته وبعض رموزه عُزلوا واستغني عنهم، ولكن بقيَ نظامهم يختبئ وراء عباءة الثورة مخادعًا ملتفًا لها.

هذا النظام الفاسد الذي تبناه بورقيبة ومن بعده بن علي وكل حكومات ما بعد الثورة هو سبب البلاء وهو واجب التغيير، هذا النظام الرأسمالي العلماني هو مولد الأزمات والاحتجاجات.

هذا النظام أنجب لنا مشهدًا سياسيًا مشوها، وطبقة سياسية متشاكسة، كانت حاكمة أو متحفزة للحكم، مبتذلة تمتهن السياسة على أعتاب السفارات وفاقدة لمفهوم السياسة كرعاية شؤون الناس…

هذا النظام أنجب لنا سياسة خارجية باهتة ورطت البلاد في العديد من الاتفاقيات السياسية والعسكرية المريبة، من ذلك، صفة الحليف المميز ضمن مشمول الناتو وما يعنيه ذلك من إقامة قواعد عسكرية أو منصات تجسس واستخبارات وتسهيلات عسكرية ولوجستية على أرض تونس، اتفاقيات تزج بنا في دهاليز لعبة إقليمية دولية مرعبة…

هذا النظام أنجب لنا مشهدًا اقتصاديًا متصدعًا عاجزًا متخبطًا بين الأزمة والأخرى، نسبة مديونية تفوق السبعين بالمائة، عجز رهيب في الميزان التجاري، تبعية مطلقة في مجال الصناعات الكبرى للدول الغربية، سياسة نقدية تقوم على القروض الخارجية الارتهانية المشروطة برفع الدعم وغلق باب الانتداب في الوظيفة العمومية ورفع أسعار المواد الأساسية… ، وتُسيّر من طرف المؤسسات المالية الاستعمارية الأجنبية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي والبنك الأوروبي،.انزلاق مروّع في قيمة الدينار مقابل العملة الأجنبية، قوانين مالية تقوم على جلد ظهور عامة الناس بالترفيع في نسب الجباية والضرائب  ومعاليم الاستخلاص…

هذا النظام أنجب لنا مشهدًا مجتمعيًا يغلب عليه الفقر والبطالة ورداءة الخدمات الصحية والتعليمية والخدماتية, وانهيار القدرة الشرائية وتفكك القيم الأخلاقية الإنسانية.

هذا النظام أنجب لنا حكومات علمانيّة تحاد الله وتتكبر عن آياته، حكومات تحارب الهوية الإسلامية وتعمل على دحضها ومسخها وإدماجها ضمن العولمة الغربية، حكومات تنادي بتزويج المسلمة بغير المسلم وتنادي بتغيير القانون الرباني للميراث وتنادي بالحريات العامة كالمثلية الجنسية واستهلاك المخدرات والتهكم على الذات الالاهية كل ذلك تحت بند حرية الضمير وحرية المعتقد….

هذا النظام دافع ومازال يدافع بشراسة عن دولة “الحداثة” التي أرساها بورقيبة وثبتها بن علي، وينادون بمواصلتها والمحافظة على مكاسبها، دولة الحداثة التي تبيع الخمر وتبيحه، وتنظّم البغاء العلني وتشرف على المواخير ويدافع إعلامها عن الدّعارة والزّنا والمثليّة الجنسيّة، وتبني اقتصادها على الربا، فتأكله وتغصب المسلمين على أكله. وتغرق البلاد في الدّيون المهلكة وتسلّم ثروات البلاد للمستعمر وتجعل أمنها في يد عدوّها وتريد أن تسخّر جنودها وضبّاطها جواسيس لحلف النّاتو.

أنظام هذا أم عين الاستعمار؟ هذا نظام عجز وفجور يحرّم ما أحلّ الله ويحلّ ما حرّم الله في كتابه. ويرضى أن تشيع فيكم الفاحشة، ويُسلمكم إلى عدوّكم، أفتطيعونه وتعصون ربّكم؟ أترضون أن يحكمكم أشباه الحكّام؟ فيكونوا أربابا لكم من دون الله؟

اليوم تونس تحكم بواسطة أشباه حكّام نصبهم المستعمر لخدمة مصالحه. وتتجلّى مظاهر الهيمنة الاستعماريّة في كلّ الجوانب الفكريّة والتشريعيّة والسياسيّة والأمنيّة والاقتصاديّة والثقافيّة…

إن حقيقة الثورة تكمن في التغيير الشامل للأوضاع السياسية والاقتصادية وسائر وجوه الحياة، هي استرجاع لحقوق الأمة وهيبتها وأموالها التي سرقها الفاسدون، واسترجاع لشخصية الأمة وهيبتها المهدورة، فليس ثائرًا ولا عاقلا مَن يُخرج بن علي الذي انتهك حرمات الناس وسرق أموال البلد ويُبقي حزبه ونظامَهُ يَحكم الناس متسترًا وراء التضحية ببعض رموز النظام.

الثورة تكون في تغيير الأوضاع القائمة تغييرا جذريا شاملا يقوم على العقيدة الإسلامية، ثورة لا تجعل لصندوق النقد الدولي، وهو يد أمريكا والغرب سلطانًا على قوت الناس، ولا تجعل ثروات الأمة نهبًا للكافرين المستعمرين بل متاعًا للمسلمين، ثورة تُعلِّمُ الناسَ الخضوعَ والركوعَ لله، وليس للعملاء الطواغيت من أشباه الناس، وتُعَرِّفُ الناسَ بهيبةِ الله وعظيمِ سلطانِهِ، وتجعل الحاكمية لدين الله في كل شأن.

إن الله أمرنا بتطبيق الإسلام فهو الحلّ لجميع مشاكلنا, فبالإسلام وحده تتحرّرون من المستعمر وتسترجعون ثرواتكم وتكفّون أيدي المخابرات العابثة ببلدكم. وبسياسة الإسلام الاقتصاديّة تخرجون من الفقر والمهانة. وبسياسة الإسلام في التّعليم تنقذون أبناءكم وتعود مدارسكم منارات هدى لا يتخرّج منها مدمنو المخدّرات بل يتخرّج منها المخترعون والعلماء والقادة الأفذاذ.

ممدوح بوعزيز

CATEGORIES
TAGS
Share This