ستذهب الوعود الإنتخابية وسيبقى كلام حزب التحرير
المواقف السياسية إما أن تكون تاريخا يشهد بمبدئية وثبات صاحبها وحاملها فتكتب له في مسيرة التغيير الجذري والنهضة الحقيقة أو أن تكون تاريخا يشهد بخيانة صاحبها وعمالته أو واقعيته الزائلة أو تنازله اللامبدئي فتكتب له في مسيرة الإبقاء على الواقع الفاسد والاستعمار الغاشم والجريمة الكبرى.
تونس ما بعد الثورة
في هذا المقال لن نستعرض التاريخ القديم بل القريب للمسار السياسي في تونس بعد الثورة لنربطه بالواقع الحالي في ظل العملية السياسية التي تدار في البلاد هذه الأيام من انتخابات رئاسية إلى تشريعية لنبين صدق وريادة مواقف حزب التحرير وارتهان أو ضبابية الصورة وفقدان الوعي للوسط السياسي المشارك في هذه العملية الانتخابية.
خرج الشعب في تونس منذ ديسمبر 2010 إلى ميادين الثورة يريد إسقاط النظام والخروج من الذل والتبعية والارتهان ليجد نفسه في كماشة انتخابات المجلس التأسيسي سنة 2011 وليجد نفسه مرة أخرى في نفس المسار السياسي الذي ثار عليه يكتوي بنار نفس النظام الرأسمالي الذي خرج عليه بشعار “الشعب يرد إسقاط النظام”. تأسيس لنفس الواقع السياسي بوجوه مختلفة ولكن بنفس أركان النظام العلماني الفاسد الذي بقي متحكما في دواليب الحكم والإدارة، ثم بنفس العملية وتحت نفس المواصفات أخرجوا إليه كماشة جديدة قديمة لمزيد الإبقاء على النظام وتكريس فساده “انتخابات 2014” التشريعية والرئاسية.
لن نتحدث هنا عن تفاصيل العمليتين الانتخابيتين وارتباطهما التام بالمستعمر بل سنستعرض المسار السياسي في تونس بعد الثورة لنقف على الواضحات من القضايا التي عاشتها البلاد من خلال ما أسسته وشرعته وأفرزته انتخابات 2011 و2014:
-
تثبيت للنظام الرأسمالي الذي ثار عليه الناس بصياغة دستور قديم جديد على مقاس الدول الغربية ومنظماتها يحدد شكل الدولة المدني العلماني ويبقي على النظام الغربي في الحكم والاقتصاد والاجتماع وغيرها.
-
إحكام القبضة المالية عل تونس وجعلها مرتهنة ارتهانا تاما لقروض صندوق النقد الدولي والبنوك الأجنبية وشروطهم المجحفة التي تدمر اقتصاد البلاد.
-
تحديد العقيدة الأمنية من قبل بريطانيا باتفاقية عقدت بين وزارة الداخلية وبريطانيا سنة 2015.
-
التمديد في عقود نهب الشركات النفطية العالمية لمزيد تسليم ثروة البلاد للدول الأجنبية الاستعمارية وشركاتها الناهبة.
-
صناعة إرهاب مخابراتي يستهدف قوات الأمن والجيش ويستهدف البلاد في أمنها ومسارها السياسي ليبقى دائما في إطار التبعية للغرب ومنظماته الرأسمالية.
-
بدء مفاوضات اتفاقية التبادل الحر والمعمق والشامل مع الاتحاد الأوروبي سنة 2012، والتي تعتبر محطة من سلسلة محطات بيع البلاد للأجنبي والقضاء التام على ما تبقى من الهياكل العمومية واستهداف القطاعات الحيوية في البلاد من فلاحة وخدمات وجعلها تحت سلطة المؤسسات الأوروبية الخاصة مباشرة.
هذا عرض لأبرز القضايا التي عاشتها البلاد بعد الثورة والتي تعتبر المشهد السياسي الذي نسج في ظل افرازات انتخابات 2011 و2014 ولا يغيب عن عاقل أن البلاد قد عاشت ولازالت شتى أصناف العذاب والظلم والتبعية على كل المستويات ففتحت البلاد للمخابرات الأجنبية وحتى الصهيونية منها واغتيال المهندس “محمد الزواري” رحمه الله ليس عنا ببعيد وتغولت الشركات الاستعمارية في نهب خيرات البلاد وكثر الجوع والفقر على هذه الأرض الطيبة الغنية.
حرب واضحة على أحكام الإسلام في الدستور والقوانين، توافق بين الجلاد والمجلود لرسكلة النظام والإبقاء على بطشه وجعل تونس مرتهنة منهوبة مستعبدة يغيب عنها عدل الإسلام العظيم ويحضر فيها جور الرأسمالية وجرائمها في حق البلاد والعباد.
في هذه المرحلة كان السياسيون يخرجون للشعب في كل محطة انتخابية يبيعون الوهم ويعدون بما لا يملكون ويقولون مالا يفعلون، نعم في هذه المرحلة كانوا يقفون صفا واحدا لإرضاء الدول الغربية الاستعمارية يقدمون طقوس الطاعة والولاء وكانوا يجدون من الانتخابات فرصة لتنفيذ مشاريع الغرب بحرفية، في هذه المرحلة كان حزب التحرير يقف على القضايا بصدق ووعي وثبات في المواقف وبمبدئية عالية في الأعمال لا يطالها أقزام السياسة ورواد السفارات.
الحضور السياسي لحزب التحرير
وقف حزب التحرير على كل الأحداث والقضايا كاشفا محللا وطارحا للبديل الإسلامي الذي يخرج تونس من أزمتها:
-
رفض حزب التحرير انتخابات 2011 التأسيسية وحذر منها بوصفها رسكلة لنفس النظام الذي ثار عليه الناس ليرفض بعدها صياغة الدستور الوضعي الذي بصدد أن يشرع وقتها من دون الله وذلك في حملة سياسية كبيرة أطلق عليها إسم ” أإله مع الله ” ليؤكد موقفه واضحا جليا في وقفة مهيبة أمام المجلس التأسيسي يوم 11 جانفي 2013 ليقول نرفض تشريعكم من دون الله وخلالها طرح مشروع دستوره الإسلامي الذي يتبناه على الجميع بوصفه البديل لما هو موجود و الحكم الإسلامي المفقود.
-
أكمل حزب التحرير رفضه للمسار التأسيسي بإعلان رفضه للدستور بوصفه دستورا علمانيا مضاددا لعقيدة الأمة في وقفة سنة 2014 بشارع الثورة بالعاصمة تحت عنوان “نرفض دستور التأسيسي العلماني”.
-
كان حزب التحرير أول من حذر من قروض صندوق النقد الدولي ورهنه البلاد للمستعمر ووزع في ذلك نشرات وأصدر بيانات تبين الموقف الشرعي من هذا العمل وقام بوقفة سنة 2013 بالقصبة وأخرى سنة 2016 بباردو تندد بزيارة وفود هذا القاتل الاقتصادي للبلاد.
-
كان حزب التحرير سباقا في كشف حجم نهب الثروة من قبل الشركات الإستعمارية وأنه لا حلّ إلا بجعل ثروة البلاد ملكية عامة كما حددها الشرع الإسلامي توزع حسب أحكام الإسلام بين الناس، ألقى في ذلك الكلمات ونظم الملتقيات التفاعلية في المناطق التي تنتصب فيها الشركات (تطاوين، قرقنة، قبلي…) حتى أصبحت السلطة تحشر إسمه في كل تحرك يطالب باسترجاع الثروة المنهوبة.
-
حزب التحرير أول من نادى بأن الإرهاب في تونس هو إرهاب سياسي بامتياز وأن الإغتيالات والعمليات هي صناعة مخابراتية أجنبية تستهدف البلاد في أمنها وبين أن التصدي له يكون بغلق سفارات الدول الأجنبية المحاربة للمسلمين ورفع أيديهم عن البلاد والعباد.
-
أطلق حزب التحرير حملة سياسية سنة 2016 تحت عنوان “بحبل الله لا بحبائل المستعمر” كشف خلالها التدخل الأجنبي في تفاصيل شؤون الحكم في البلاد وأنه سبب الأزمة وأنه لا حل لمنع تونس من الانهيار إلا بالاعتصام بحبل الله بتطبيق شرعه كاملا في دولة إسلامية واحدة والقطع التام مع الاستعمار.
وقف حزب التحرير على كل القضايا الحارقة في البلاد مفارقا ومفاضلا للمشاريع السياسية التي تدار تحت أنظار الاستعمار، طرح مشروعه السياسي بثبات وبدون مداهنة خارج اللعبة الديمقراطية وصناديقها الانتخابية الزائفة حتى تميز بمفارقته عن كل الوسط السياسي الموجود إلى أن تحدثت عنه بعض وسائل الإعلام بأن “حزب التحرير يغرد خارج السرب”.
نعم كان حزب يغرد خارج سرب الارتهان للأجنبي، ففي الوقت الذي كان أغلب الوسط السياسي في كل محطة انتخابية يعد ويخلف بل ويسبب الأزمة تلو الأزمة وكان يصطف في صف الاستعمار ومنظماته وثقافته ضد تيار الأمة والأهل في تونس، كان حزب التحرير يطرح القضايا بوعي وثبات رغم كل المضايقات التي يتعرض إليها من السلطة ليكون في صف الأمة و دينها، وفي الوقت الذي كانت تبين فيه الأحداث زيف وعود المترشحين وارتهان قرارهم للمستعمر كانت تؤكد نفس هذه الأحداث جدارة حزب التحرير وقوامته على حس الشعب في تونس ووعيه على القضايا وصفاءه وعدم ارتهانه في المشاريع الخيانية..
مرحلة المفاصلة وتمايز الصفوف
ها نحن اليوم نعيش المحطة الانتخابية الثالثة بعد الثورة ونرى من خلالها كلام حزب التحرير ومواقفه من رفض للتدخل الأجنبي ونهب للثروة وإرهاب مصطنع تقال على ألسن المترشحين فيها بل ونرى ارتباط اسم حزب التحرير بالمترشح الأول للرئاسية ونرى الناس قد رفضت من يعارض هذا الكلام معارضة صارخة مصطفا وراء المستعمر كاشفا وجهه وتوجهت إلى من يدندن على أوتاره الحساسة.
أصبحت مواقف حزب التحرير التي كان ينادي بها في كل محطة انتخابية بعد الثورة تتداول في وسائل الإعلام وأصبحت وعودا للمترشحين في انتخابات 2019 ولكن نقول في هذا السياق ستذهب الوعود الإنتخابية وسيبقى كلام حزب التحرير.
إن إنتخابات 2019 التشريعية والرئاسية تأتي بعد:
-
وضع دستور علماني منبت عن عقيدة الأمة يحدد شكل الدولة ونظامها، دستور مصاغ بأقلام محلية وحبر أجنبي غربي استعماري من يعلن طاعته والالتزام به يكون من المرضي عنهم في هذه الإنتخابات مهما كان تاريخه.
-
وضع مؤسسات الدولة ضمن النمط الغربي والسياق الاستعماري.
-
ربط تونس تونس بالمستعمر من خلال اتفاقيات تتميز بالاستراتيجية وبعد المدي (خطوط حمراء لا يمكن المساس بها) لضمان عدم خروج البلاد عن سيطرة المستعمر.
-
عزل تونس عن باقي الأمة الإسلامية بإحكام القبضة على الحدود الوهمية وجعل البلاد ضمن القوانين والأعراف الدولية الغربية.