سكت دهرا ونطق خُلفا: رئيس الحكومة في البرلمان

سكت دهرا ونطق خُلفا: رئيس الحكومة في البرلمان

انطلقت يوم الجمعة 17/11/2023 في البرلمان الجلسات العامة للنظر في مشروع ميزانية الدولة وقانون المالية لسنة 2024، وفي هذا الإطار، ذهب رئيس الحكومة، أحمد الحشاني إلى مجلس النوّاب وهناك افتتح الجلسات العامّة فقال: “إنّ الدولة عازمة على تنفيذ الإصلاحات لاسترجاع توازناتها المالية دون المساس بالطبقات الوسطى وضعيفة الدخل حفاظا على السلم الاجتماعي.من خلال ضمان توفير الخدمات والمواد الأساسية”. وقال: “إنّ تونس منفتحة على جميع شركائها بما في ذلك صندوق النقد الدولي والاتحاد الاوروبي ولكنها لا تقبل خيارات تتعارض اولوياتنا الاقتصادية والاجتماعية..”.

هذا هو الخطاب السّياسي الرّسمي في تونس لا يتغيّر منذ عقود، لا يتغيّر رغم المصائب والأزمات، النّاس يوميّا في بحث عن الموادّ الأساسيّة يقفون طوابير طويلة من أجل رغيف خبز، الأسعار تلتهبُ كلّ يوم وترتفع ارتفاعا جنونيّا، الفقر صال وجال في بلادنا، وخطاب الحكومة لا يتغيّر، “تنفيذ الإصلاحات” فما هي هذه الإصلاحات؟ وعلى أيّ أساس تمّ تحديدُها؟ ثمّ من سيُسطّر سياساتها؟ ومن سينفّذها؟

كلمة “إصلاحات” إذا أطلقت في تونس فلها معنى واحد هو الإصلاحات التي تضعها الحكومات المتتالية باتّباع ما يُمليه صندوق النّقد الدّولي والبنك العالمي. ومعلوم أنّ هاتين المؤسّستين هما ذراعا القوى الاستعماريّة العالميّة في السّيطرة على الشّعوب. وتبدأ هذه السّيطرة بجعل الحكومات تتبنّى فكرها الاقتصادي الرّأسمالي، ثمّ تتبنّى برامجها بدعوى أنّها برامج “تقنيّة” وضعها خبراء عالميّون لا ينتمون إلى دولة واحدة، وبهاته الذّريعة نفسها يُسمح ل”خبراء” الصّندوق والبنك العالميّين بالتّدخّل في رسم سياسات الدّول المراد السّيطرة عليها. فيضعون الخطوطالعريضة للسياسات الاقتصاديّة ويتركون للحكومات أن تضع التّفاصيل، ثمّ يقولون، نحن لم نضع أيّ برامج إنّما البرامج هي من وضع الحكومات واختياراتها، ولا دور لنا إلّا دراسة برامج تلك الحكومات ثمّ الموافقة أو الرّفض.

هذا هو السّيناريو المعاد والمكرّر حتّى الملل، رغم المصائب والخراب الذي تسبّبت فيه تدخّلات الصّندوق ومشتقّاته. وهذا ما عانينا منه في تونس منذ عقود، فرغم تغيّر الوجوه الحاكمة لكنّ عقليّة التّبعيّة لم تتغيّر، ورغم تغيّر الوجوه الحاكمة فإنّ الخطى والخطب لم تتغيّر، فها هو رئيس الحكومة يتكلّم مرّة أخرى عن “الشّركاء الدّوليّين” صندوق النّقد والاتّحاد الأوروبي، والانفتاح عليهم، فما معنى الانفتاح عليهم؟ ثمّ ما معنى كلمة “شركاء” هذه، هل أوروبا شريكتنا؟ وفي ماذا نحن شركاء؟ وهل صندوق النّقد شريك لنا؟ ففيم شراكته مع تونس؟

يعلم الجميع أنّه لا محلّ للشّراكة هنا،

  • فمع صندوق النّقد، لا شراكة إنّما هي تبعيّة تامّة، ذلك أنّ شروطه معلومة، ولا يدرس “خبراؤه” ملفّا إلّا إذا كان خاضعا لشروطه، وربّما “تنازل” الصّندوق ليسمح لدولة مّا بتأجيل تنفيذ شرط من الشّروط، كما حصل مع تونس من قبل إذ سمح لها بتأجيل رفع الدّعم، ولكنّه في هذه المرّة لم يسمح بالتّأجيل وهذا هو ما “رفضه” الرّئيس قيس سعيّد أو هكذا أراد الإعلام أن يُصوّر، فعدم نجاح المفاوضات السّابقة مع الصّندوق هي في حقيقتها إصرار الصّندوق على تنفيذ كلّ البنود وعلى رأسها رفع الدّعم، فما كان من الرّئيس إلاّ أن أعلن الرّفض، “ظاهريّا” ولكنّ الدّعم بدأ يرتفع عمليّا، وهو ماض في الارتفاع، إلى أن يكتمل ارتفاعه قريبا (في أفق 2026 كما حدّدته وزيرة الماليّة في أكثر من مناسبة).

  • أمّا الاتّحاد الأوروبي، فالشّراكة معه لا تعني إلّا تسليمه ثروات البلاد وفتح الحدود أمام بضائعه.

والخلاصة أنّ رئيس الحكومة ومن ورائه الرئيس، لم يخرُج عن خطا سابقيه في التّبعيّة فكرا وممارسة. فخطاب رئيس الحكومة أمام البرلمان فيه تأكيد:

  • الالتزام الكامل بالرأسماليّة فكرا وسياسة،

  • الالتزام بعلاقات جيّدة مع الصّندوق والاتّحاد الأوروبي، رغم أنّ هاتين الجهتين هما سبب الخراب في بلادنا.

  • أمّا حديثه عن الفئات الضّعيفة فلم يكن سوى للتّسويق الإعلامي والاستهلاك المحلّي إمعانا في الإيهام بالسّيادة والاستقلاليّة.

نحن إذن أمام التزام بالتّبعيّة يُعلن من قاعة الجلسات العامّة للبرلمان، يُعلن (هذا الالتزام)في سياق إقليميّ ودوليّ يتّسم بحرب معلنة علينا، حرب حقيقيّة يقودها الحلف الأمريكي الأوروبي، وينفّذها عصابات يهود في فلسطين. ولكنّنا ونحن نتعرّض لحرب من أبشع حروب التّاريخ كلّه أنست العالم جرائم المغول والصّليبيين، لا نجد من أثر للحرب في كلام رئيس الحكومة ومن ورائه الرئيس قيس، نعم لا أثر، فالأوروبيّون حلفاء أمريكا في قتلنا في فلسطين والشّام والعراق، ولكنّ الرّئيس يراهم شركاء (هكذا) ودون حياء، الرئيس ورئيس حكومته وكلّ وزرائه وكلّ نوّاب البرلمان الذي وقف يخطب فيهم أنّ فرنسا وبريطانيا تقف بوارجها بجانب بوارج أمريكا، لا تحمي فقط كيان يهود بل تقف هناك لضمان هدم أكثر ما يمكن من فلسطين وقتل أكثر من يمكنهم قتله، والرئيس ورئيس حكومته وكلّ وزرائه يعلمون علما أنّ صندوق النّقد وكلّ المؤسّسات الدّوليّة هي مجنّدة الآن لخدمة المجهود الحربي الأمريكي – الأوروبي ضدّ المسلمين جميعا بمن فيهم التّونسيّون.

فهل هم شركاء حقّا؟

هم العدوّ الذي يُحاربُنا الآن حربا.

أليس من الواجب، بل أقلّ الواجب، أن نعرف العدوّ من الصّديق؟ وأوروبا وأمريكا أعلنوا العداوة وبدؤوابالقتل،  وصندوق النّقد هو أحد أدواتهم في بسط الهيمنة، فهو كطائرات أمريكا وقنابلها. أليس من الواجب أن نتّخذ إجراء الحرب مع هؤلاء الأعداء فلا أقلّ من مقاطعتهم ثمّ الإعداد والاستعداد للتّصدّي، “فإمّا نصر أو استشهاد” أليس هذا ما قاله الرّئيس؟ أم “مصالح تونس الخارجيّة لا تسمح؟ (وهذا ما قاله الرّئيس أيضا).

هكذا ينكشف لكلّ ذي عينين أنّ الأوضاع في تونس لم تتغيّر منذ عقود وأزماتها ستستمرّ، لأنّ الحكّام فيها يرون العدوّ صديقا وشريكا. وسيظلّ هذا العدوّ (أمريكا وحلفاؤها) يتدخّل في شؤننا في كلّ كبيرة وصغيرة فيها، ولو زعم الرّئيس أنّ تونس بلد مستقلّ ذو سيادة.

ولكنّ هذا الأمر ليس قدرا محتّما لا يمكننا الفكاك منه، بل هو أمر يجب إزالتُه وقلعه، وإنّ قلعه لأقرب من ردّ الطّرف لو صحّت العزائم. فثلّة قليلو مؤمنة صابرة حطّمت أسطورة عمرها 75 عاما أسطورة الجيش الذي لا يُقهر، في سويعات قليلة. فكيف لو انضمّ إليهم جيش واحد من جيوش المسلمين؟ وكيف لو كان يقود ذلك الجيش قائد صادق؟ كيف لو كان جيش عقد لواءه حليفة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟

CATEGORIES
Share This