منذ أن غيبت دولة الإسلام تحولت بلاد المسلمين من جاكرتا إلى سواحل تطوان إلى مزارع تشرف على تسييرها القوى الاستعمارية عن طريق حكام نجحت في ترويضهم وجعلهم رهن إشارتها, ومن خلفهم قطعان من المضبوعين بالغرب وحضارته, لا ديدن لهم سوى الترويج لأفكار ومفاهيم تتناقض كليا مع ما هو منبثق عن عقيدة المسلمين وتتصادم معه.. ورغم الوهن الشديد الذي استبد بالأمة, والتشرذم الذي عصف بوحدتها وقوتها, مازلت تلك القوى تصل ليلها بنهارها في صناعة معاول الهدم وتبذل أقصى ما تملكه من طاقات لدق الأسافين بين المسلمين ودينهم بوصفه مبدأ ينبثق عنه نظام يعالج جميع جوانب الحياة وينظمها وفق طراز خاص أساسه الوحي قرآنا وسنة.
ورغم أن تلك الدول الاستعمارية أحكمت قبضتها على ثرواتنا وخيراتنا ما ظهر منها وما بطن, ولم تجد من حكام المسلمين إلا الطاعة والامتثال لأوامرها, ومن النخب غير التطبيل والنعيق بما يخدم مصالحها, فإنها لم تكل ولم تمل في ضرب كل ما له علاقة بالإسلام. وتخشى كل الخشية من أن يهتدي المسلمون إلى طريق خلاصهم ويعيدوه إلى حياتهم. ولهذا تجدها تحث الخطى هي والنواطير الذين عينتهم لحماية أطماعها ومآربها من الحكام وأولئك المرتزقة المتمسحين على أعتاب سفارتها وأوكار استخباراتها نحو المزيد من توسيع الهوة بين الإسلام وأهله.
وعلى هذا الأساس أخرجوا لنا “لجنة المساواة والحريات الفردية” وجعلوا من تساوي الرجال والنساء في الميراث مسألة حياة أو موت. ومن قبلها شنوا حربا شعواء على المدارس القرآنية وبلغ بهم الأمر إلى تحميلها جميع المآسي التي جروا إلى البلاد حتى الاقتصادية منها. وقد عادوا مؤخرا لقرع طبول الحرب ضد تحفيظ القرآن من بوابة قضية مفتعلة سموها قضية “مدرسة تعليم القرآن بالرقاب”.. ولتبدأ إثرها سياسة الأرض المحروقة, ولتنطلق عملية مجددا ملاحقة الإسلام ومناهضته..
تدجين المدجن
اقتداء بمثله الأعلى العميل الأكبر ” اتاتورك” عمل “بورقيبة” على جرف المساجد إلى مستنقعه القذر وتحولت المنابر بالمساجد إلى أبواق دعاية له ولسياسته التخريبية, ومنصة منها تنطلق الحرب على الإسلام, ومن يأبى مسايرة “بورقيبة” من الأئمة يلقى الويل والثبور. وعلى نهجه “بورقيبة” سار المخلوع “بن علي” وأخضع المنابر ومعتليها إلى مشيئته أو بالأحرى إلى مشيئة “المسؤول الكبير” على قول صاحب الهيبة “الباجي قائد السبسي” وجعل من الخطب في المساجد دعوة صريحة إلى فصل الإسلام عن الحياة. وحول المساجد إلى ما يشبه مقرات الحزب الحاكم. بل حولها بالفعل إلى مقرات رسمية لحزب التجمع المنحل.
ومع هبوب رياح الثورة على بلادنا حسب الناس أن المساجد ومنابرها قد تحررت من شرور العلمنة والتحديث المسموم, وأنها عادت إلى سيرتها الأولى بقيامها بدورها الذي وجدت من أجله.. والمتمثل في الخوض في الشأن العام انطلاقا وانتهاء من وجهة نظر الإسلام للحياة,واستنادا على أحكامه. وبعبارة أوضح عادت إلى القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. هذا ما ضنه الناس.. لكن مع مرور الوقت عاد ضنهم أدراجه إلى خيبة مريرة بسبب القوى الرجعية وعودتهم لتصدر المشهد بفضل العون الذي وجدوه من أصحاب الأيادي المرتعشة وذوي اللحى الضالة والمضلة.. لا أدّل على خيبة أمل الناس وأن دار لقمان لم يطرأ عليها أدنى تغير إعلان وزارة الشؤون الدينية على لسان وزيرها ” أحمد عضوم” عن تحديد ميثاق شرف للأئمة الخطباء يلزمهم بإتباع خط مرسوم لهم مسبقا من طرف الوزارة, ولا يجوز أن يحيدوا عنه قيد أنملة. فهذه الدولة لا تريهم إلا ما ترى وأنها دون سواها تهديهم سبيل الرشاد. ولا رشاد خارج دفتي الدستور الذي صاغوه تحت إشراف وعيون شياطين الغرب.. ك “نوح فلدمان” ومن على شاكلته.
وهذا ما ورد في البند الثالث من الميثاق ونصه ” استشعار رسالته أمام الله تعالى ثم المجتمع، محترما دستور الجمهورية التونسية ” أي على الإمام أن يدعو إلى حرية الضمير ويدافع عن مدنية الدولة. وللوصول إلى تلك الغاية عليه أن يلوي أعناق الآيات والأحاديث ويفتري على الله الكذب, وعليه أن ينعت كل من يدعو إلى الله ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر بالتشدد والغلو والتطرف ويتوعد كل من يكفر بوثن النظام الديمقراطي الوضعي بجهنم وسوء المصير. نعم على الأئمة أن يحترموا الدستور الذي يضمن لأعدائنا نهب ثرواتنا واستباحة حرمة بلادنا, وتلك هي الرسالة التي يجب على الإمام استشعارها أمام الله تعالى. وفي الحقيقة هو استشعار لرسالته أمام خدم المستعمر وأذياله الذين يستشعرون رسالاتهم أمام أولياء نعمهم وأسيادهم في واشنطن ولندن وباريس…
كما ينص هذا الميثاق على دعوة الناس إلى التفاؤل والأمل.. فعن أي تفاؤل وأمل يتحدثون وهم يحكموننا بنظام أقصى ما نجني منه ضنك العيش وتفشي جميع أنواع الرذيلة والفواحش. والأدهى من ذلك غضب وسخط من الله تعالى