سياسة الموادعة وسياسة المواجهة

سياسة الموادعة وسياسة المواجهة

التحذير من السياسة العقائدية

يعتقد الكثير من المسلمين أن حالة الضعف التي تعيشها الامة بفعل اختلال موازين القوى لصالح الغرب الذي يفرض سياساته على الدول الضعيفة، تقتضي من المسلمين أن يتبعوا سياسة الموادعة ووالمسايرة والخضوع للدول الكبرى وعلى رأسها أمريكا، التي بسطت نفوذها على العالم، حيث لا يجرؤ أحد على الوقوف في وجهها أو أن يهدد مصالحها.

وقد ساهم هجوم الغرب وأتباعه في بلادنا على السياسة العقائدية والمبدئية في تركيز سياسة الموادعة والتحذير من المواجهة لأنها تؤدي حسب رأيهم الى الانعزال والحصار والدمار، مستدلين بما أصاب العراق زمن الرئيس صدام حسين وما يحصل اليوم للثورة السورية التي دخلت عامها التاسع و لم يجني الشعب السوري منها إلا الدمار والعداء الكوني، حيث جندت أمريكا دول العالم لإعادة تدوير نظام بشار أسد بالرغم من تمسك الشعب السوري برحيله.

خطر سياسة الموادعة

وخطورة هذه الفكرة مرده إلى أن العاملين للتغيير في البلاد الإسلامية  أصبحوا يستبعدون في مشاريعهم السياسية كل ما من شأنه إغضاب الغرب ومعاداته، فاستبعد الإسلام من برنامج الثائرين في البلاد العربية، بالرغم من أن مطلبهم الأساسي كان إسقاط النظام، وهو غير ممكن إلا بمشروع حضاري من خارج المنظومة الغربية، أي بالإسلام باعتباره المشروع الحضاري الوحيد القادر على تحريرهم من الغرب وحضارته وأدواته المحلية، فنتج عن هذا الاستبعاد إعادة إنتاج نفس الأنظمة ولكن بوجوه جديدة.

وما زاد الطين بلة هو أن الحركات الإسلامية التي وصلت للحكم بعد إسقاط رأس النظام في مصر وتونس، اتخذت من سياسة الموادعة والمداهنة سياسة لها، وهي بذلك تبعث برسائل طمأنة مفادها أنها لا تتبع سياسة عدائية للغرب وحضارته ومشاريعه، فاستبعدت الإسلام من الحكم وجعلت مشاريعها السياسية على مقياس حدود سايكس بيكو ومفرزاتها، فالرئيس المعزول محمد مرسي (فك الله أسره)، لم يستبعد الإسلام من الحكم فحسب، بل بعث سفير مصري إلى كيان يهود، وصرح بأنه متمسك باتفاقية كامب ديفيد الخيانية، ومدح الرئيس أنور السادات الذي وقع معاهدة الخيانة، مخالفا بذلك ما كانت تصدح به حناجر الجماهير في ميدان التحرير، التي كانت تطالب بتطبيق الشريعة الإسلامية وإلغاء اتفاقية كامب ديفيد. ونفس الشيء حصل مع حركة النهضة في تونس التي استبعدت الناحية العقائدية في طرحها، فأعلنت صراحة عن فصلها الدعوي عن السياسي، أي لم تعد تتخذ من الإسلام مشروعا سياسيا لها، واتبعت سياسة التوافق التي أعادت بعض رموز النظام القديم للحكم، واتبعت سياسة الموادعة مع أعداء الامة.

بين الموادعة والمجابهة فرق واضح

إن سياسة الموادعة والمداهنة لا تولد إلا الخضوع والخنوع والذل لأصحابها، وهي سياسة لا تنتج إلا دولا خاضعة، خانعة، جبانة، كما أنها سياسة ذات نتائج مدمرة، لأنها تقر بضرورة بقاء بلادنا في طابور الدول الخاضعة للدول الكبرى، وتجعل التغيير مرهون بموافقة الغرب الذي لم يخفي يوما عداءه لديننا وحضارتنا وأمتنا، ويعمل ليل نهار للحيلولة دون تحررنا من سطوته ونظامه الدولي.

لن تنعتق الامة الاسلامية من سطوة الغرب إلا إذا اتخذت من الاسلام مبدأ لها، واعتمدت بالتالي السياسة العقائدية المبدئية في تعاملها مع الاعداء، فالعداء لا يقابل إلا بعداء مثله، والكفر الواضح لا يقابل إلا بالإسلام الواضح، وسياسة المواجهة هي السياسة المثلى التي يجب أن تتبعها دولة الاسلام.

سياسة تأمين المصالح أم تهديدها

فالدول المستقلة لا تؤثر في السياسة الدولية إلا إذا أمنت مصالح الدولة الأولى أو هددتها، فإيطاليا على سبيل المثال تعمل على تأمين مصالحها في ليبيا من خلال تأمين مصالح أمريكا فيها، وهو الطريق الذي تسلكه معظم دول العالم بعدما تفردت أمريكا في الموقف الدولي، وهو سبيل مظلم غير مأمون العثار قد يوصل إلى الغاية ، وقد يؤدي إلى التهلكة، إذ هو مقامرة بكيان أمة ومغامرة حمقاء بمصير دولة لأن تأمين مصلحة الدولة الكبيرة من قبل أي دولة لا يمنعها من المساومة على هذه المصالح مع أي دولة دونها مركزاً أو إمكانيات.

أما الطريق الثاني فهو طريق المواجهة، طريق التهديد الفعال، الطريق المؤثر والمنتج حتماً، وهو الذي يليق بالدولة الصحيحة التي تنشد ضمان تأثيرها وسماع صوتها في الموقف الدولي، وهو الطريق الذي يليق بالمسلمين وبدولتهم: دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة.

سياسة التهديد الفعال

فدولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة ستتخذ فور قيامها، سياسة التهديد الفعال سياسة لها، وستعمل من أول يوم على تهديد مصالح أمريكا في المنطقة، فمنذ الساعات الأولى من إقامة الخلافة سيبدأ العمل على تحطيم حدود سايكس بيكو التي فرقت المسلمين وجعلتهم شيعا، كما سيتم بناء قوات مسلحة واحدة، وستوظف الموارد الضخمة للامة الاسلامية لتأسيس صناعات ثقيلة على أساس حربي لتوفير السلاح اللازم لتحرير الأراضي الإسلامية المحتلة، مثل فلسطين. وسيعمل حزب التحرير، الحزب الإسلامي العالمي على تعبئة الناس في تلك البلدان للانضمام إلى الخلافة.

كما ستعمل دولة الخلافة من أول يوم على قلع النفوذ الأجنبي من البلدان الإسلامية، بإغلاق السفارات والقواعد التابعة لها، كما سيتم قطع جميع الاتصالات السياسية والعسكرية مع الدول المحاربة فعلا، والتي كانوا من خلالها يأمرون وينهون عملاءهم في القيادة العسكرية والسياسية ويستقطبون مزيدا من العملاء. فدولة الخلافة تتبع سياسة عقائدية مبدئية لا تنازل فيها عن ثوابت الاسلام الذي يشكل الضمانة الأساسية للنجاح، بالإضافة إلى الاعداد العسكري والمناورات السياسية.

وسوف تقوم دولة الخلافة بالمناورات السياسية على الساحة الدولية من أجل عزل وإضعاف أعدائها، لذلك فإنّه سوف يتم نشر القوات المسلحة وفقا للتهديدات الخارجية الحقيقية وليس لتنفيذ مخططات من أجل خدمة أمريكا، وسوف تبسط دولة الخلافة سيادتها على مياهها الاقليمية ومضايقها وأجوائها، وستصبح التسهيلات التي كان يقدمها الحكام العملاء عقبات ومصاعب تؤرق أمريكا.

وعلاوة على ذلك فإنّ خليفة المسلمين، هو رجل دولة وسياسي بامتياز، وذو أفق ساسي واسع، لذلك فإنّ تحقيق الأهداف العسكرية سيدفعه إلى استخدام أساليب سياسية لزيادة القدرة العسكرية، وذلك بتحويل الجو السياسي لجهة دولة الخلافة وجر الدول الأخرى سياسياً لها ولفكرتها، كما حصل لألمانيا قبل الحرب العالمية الثانية.

وبالتالي فإنّ الخلافة ستتقصد البلدان الأكثر تقبلا للإسلام، وتقوي العلاقات معها، بعلاقات اقتصادية وتجارية وحسن جوار وعلاقات ثقافية، وستبذل قصار وسعها لايجاد علاقات مع دول مثل ألمانيا والسويد وسويسرا واليابان والبرازيل وغيرها، بالإضافة إلى الدول المستضعفة، وسوف تستخدم الخلافة هذه العلاقات لفضح ظلم الرأسمالية واضطهادها وجشعها الذي تسببت بشقاء البشرية في جميع أنحاء العالم، وستعرض الخلافة الإسلام بطريقة عملية، فضلا عن السماح للأجانب بالعيش في الخلافة كمستأمنين وأهل ذمة ليلمسوا عدل الإسلام، وكل هذا هو مقدمة لدعوة الشعوب لدخول الإسلام.

التأسي بالرسول الكريم

ولنا في رسول الله أسوة حسنة، فبعد الصراع الفكري الذي خاضه ضد عقائد كفار مكة و الكفاح السياسي ضد حكامها، أقام الدولة على مبدأ الإسلام، ولأن الاسلام مبدأ عالمي، كانت الدولة التي أقامها الرسول صلى الله عليه و سلم ذات تطلعات عالمية بالرغم من صغر حجمها، فوحد الجزيرة و اتخذ صلى الله عليه و سلم من سياسة التهديد الفعال سياسة لدولته فأرعب الروم و مهد الطريق لاتباعه لإسقاط أعظم إمبراطوريتين في ذلك الزمان، لتصبح دولة الخلفاء: الدولة الاولى في العالم.

قال تعالى: ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز.

د الأسعد العجيلي, عضو المكتب الاعلامي لحزب التحرير – تونس

CATEGORIES
TAGS
Share This