سيشمل 10 آلاف عون: المصادقة على مشروع قانون المغادرة الاختيارية للأعوان العموميين
صادقت لجنة تنظيم الإدارة وشؤون القوات الحاملة للسلاح في جلسة اليوم الخميس 21 ديسمبر 2017 على مشروع قانون المغادرة الاختيارية للأعوان العموميين الذي سيشمل 10 آلاف عون حسب ما أكده الوزير المكلف بالإصلاحات توفيق الراجحي والذي أشار إلى أنه تم الاتفاق على تمتيع الأعوان الذين سيتم قبول مطلبهم بتغطية صحية لمدة سنة كاملة على ان تتكفل الدولة بدفع تكاليف التغطية الصحية لمدة سنة من تاريخ المغادرة ، مع تمتيعهم ب36 اجر (net) ،كما أكد انه تم توفير الضمانات اللازمة لإعانة المغادرين علي بعث مشاريعهم الخاصة، وقد تمت المصادقة على مشروع قانون المغادرة الاختيارية بأغلبية الأصوات.
وكانت مصالح رئاسة الحكومة قد أودعت في 6 نوفمبر الجاري مكتب مجلس نواب الشعب مشروع قانون يتكون من تسعة فصول ويتعلق بالمغادرة الاختيارية للأعوان العموميين الذي صادق عليه مجلس الوزراء بتاريخ 25 أكتوبر 2017 ثم بعث رئيس الحكومة يوسف الشاهد في 16 نوفمبر 2017 رسالة إلى رئيس مجلس النواب يبلغه فيها بأن هناك خطآ ماديا تسرب إلى الفصل السابع من مشروع القانون المتعلق بالمغادرة الاختيارية للأعوان العموميين والذي سبق أن أودعته الحكومة في المجلس قبل عشرة أيام أي يوم 06 نوفمبر لمناقشته والتصديق عليه.
الهدف من سنّ مشروع القانون
تبين وثيقة شرح الأسباب المرفقة بمشروع قانون المغادرة الاختيارية على أن الغاية من هذا القانون هي تخفيف عبء كتلة الأجور في الوظيفة العمومية بهدف الاستجابة إلى التزام الحكومة مع صندوق النقد الدولي وبلوغ نسبة كتلة أجور في حدود 12 فاصل خمسة بالمائة سنة 2020 ويندرج هذا كلّه ضمن إستراتيجية الدّولة لإصلاح الوظيفة العمومية.
وترى الحكومة أنّ الوظيفة العمومية تشهد تضخما من حيث عدد الأعوان العموميين والموظفين، وأن العدد الجملي للموظفين يبلغ اليوم 640 ألف موظف وعدد الإحالات على التقاعد العادي لم يتغير عما كان في السابق, والذي كان في حدود 5 آلاف و10 آلاف إحالة، هو الآن في حدود 10 آلاف سنويا.
من جهته أوضح ممثّل رئاسة الحكومة أنّ الارتفاع في كتلة الأجور سجّل أعلى مستوياته سنة 2012 وتواصل بنسبة أقلّ إلى غاية سنة 2015 قبيل تجميد الحكومة للانتدابات في الوظيفة العموميّة، مبينا أن التحكّم في عدد الموظّفين سيكون عبر سياسة انتداب تعتمد على نسبة تعويض للمتقاعدين لا تتجاوز 25% سنة 2018 وبرنامج الإحالة على التّقاعد المبكّر الاختياري بالإضافة إلى برنامج المغادرة الاختياريّة.
الجدل المثار حول الفصل السابع
ينص الفصل السابع من مشروع القانون قبل تعديله على تمتيع العون العمومي المعني بداية من تاريخ المغادرة الاختيارية للوظيف بجراية تقاعد أو منحة شيخوخة حسب التشريع الجاري به ، فهو ينص صراحة على أن الموظف العمومي الذي يقبل بالمغادرة الاختيارية لعمله وحصل على منحة 36 راتبا صافيا لا تتجاوز خمسين بالمائة مما كان سيحصل عليه إذا ما بقي يشتغل في وظيفته، يتمتع مباشرة بمنحة الشيخوخة أو جراية التقاعد دون تقييدها بموانع.. غير أن الحكومة تراجعت عن ذلك وقامت بتعديل ذاك الفصل وعوضته بما يلي “: يتمتع الأعوان العموميون المغادرون بصفة اختيارية للوظيف بجراية تقاعد أو منحة شيخوخة حسب التشريع الجاري به العمل ” ويفهم من ذلك أنهم لن يحصلوا عليها إلاّ عند بلوغهم الستين عاما أو ال62 عاما إذا ما تغير التشريع وتقرر الترفيع في سن التقاعد، وهذا وارد.
هذا التعديل أفقد القانون جدواه، وفاجأ عددا كبيرا من الموظفين كانوا سينخرطون فيه عن طواعية لأنه صراحة كان مغريا في مجمله قبل تعديله.
كيف سيعيش الموظفون بعد مغادرة القطاع العمومي ؟ مغامرة غير محسوبة العواقب
تقول الحكومة إنها ستساعد المغادرين اختياريا على بعث مشاريع بالحصول على قروض بنكية. طبعا سيبدؤون حياتهم من جديد بقروض ربوية محرّمة قطعا، لنفترض أن تكون الحكومة مصرة على ذلك وساعية بجدّ إليه وتسخر طاقما إداريا لذلك، فهل أن المشروع سيحدث في حينه أم سيتطلب وقتا بحكم تعقّد الإجراءات الإدارية وتشعّب مسالكها وطول إجراءات الحصول على القروض؟ وماذا ستكون نوعية المشروع خاصة إذا لم يكن الموظف المعني مستوعبا لتقنية بعينها ومالكا لتخصّص محدّد ؟ ألم تفكّر الحكومة أيضا في أنّ المشروع يتطلّب دراسة جدوى قد تطول حتّى ولو كان المشروع بسيطا ؟ لنفترض أن المشروع أقيم لتوّه ولم يتطلّب زمنا طويلا لإنجازه بعد مغادرة الموظف، فهل سيكون مربحا لتوه أيضا؟ هذا مستبعد حقيقة، وتكون فعلا مغادرتهم الطوعية القطاع العمومي مغامرة غير محسوبة العواقب وضربا في المجهول.
الفصل السابع الجديد ينصّ على أن المغادرة الاختيارية تعتبر صورة من صور الانقطاع النهائي عن الوظيف ويمنع إعادة انتداب الأعوان العموميين المغادرين بصفة اختيارية بأي صفة كانت بمصالح الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات والمنشآت العمومية، أي لا يحق لهم العودة بعد ذلك إلى الوظيفة العمومية، وهذه نقطة هي تحمل خطر تحولّ المغادرين إلى صف العاطلين عن العمل في صورة فشل مشاريعهم أو عدم قدرتهم على الحصول على عمل مناسب في القطاع الخاص أو أي مورد رزق آخر.
مشروع قانون المغادرة الطوعية للأعوان العموميين: دلالات العجز والفشل
وكان على الحكومة قبل أن تندفع نحو مثل هذه القوانين أن تقوم بالإستشارة اللازمة، والغريب أنها قامت باستطلاعات رأي أفادت بأن نسبة كبيرة من الرجال والنساء في القطاع العمومي لا يريدون مغادرة وظائفهم. فكيف ستدفعهم إلى ذلك بقانون يعرض عليهم “مغامرة غير محسوبة العواقب”؟
من جهة أخرى تأمل الحكومة في مساهمة هذه المبادرة التّشريعيّة في تخفيف العبء على الماليّة العموميّة، لكن ألا ترى أنّها ستحدث نقصا في الكفاءات داخل الإدارة وبالتّالي تنعكس على جودة خدماتها، وأنّ مشروع القانون هذا سوف يثير بالضرورة مخاوف من إمكانية إفراغ الإدارات العمومية من الكفاءاتإضافة إلى ما من شأنه تعميق أزمة البطالة عند تجميد الانتداب.
إنّ مشروع القانون هذا المقدّم من طرف الحكومة هو خلاصة ما أفرزته سياسة رهن إرادة النّاس وإدارة ثروات البلد بيد الغرب وشركاته الاستعمارية, ونتيجة حتمية لما تواصل فيه الحكومة من إبرام للإتفاقيات الربوية المهينة مع المؤسسات المالية العالمية وعلى رأسها صندوق النقد الدولي، وهذا يؤكد أنّ مثل مشاريع القوانين كهاته هي مشاريع الفاشلين والعاجزين، وأنّ من يقومون عليها لا يملكون من أمرهم غير الترقيع تارة والتبرير أخرى، والناظر فيه يتبيّن مدى سوء الرعاية ومدى الإنصياع للأوامر، وحتى إن تقلصت نسبة كتلة الأجور فهل سيتقلص معها الإقتراض الخارجي؟ أم ستتدنّى معه نسبة الولاء والإنصياع؟ فلا ننشغل بالحلول الوهمية والإستعمار الغربي يهيمن على البلاد وعلى القرارات السياسية والإقتصادية، فالمعركة الحقيقية معه وليست مع القائمين على الحكومات فقد أثبتوا أنهم سماسرة للشركات، لا يملكون من الأمر شيئا.