شباب المسلمين محرّك التغيير المعطّل الذي آن أوان تشغيله

شباب المسلمين محرّك التغيير المعطّل الذي آن أوان تشغيله

الشبابُ في أيّ أمّة، هم المستقبل، الشباب هم القوّة التي يكون بها النهوض والحركة، فجميع البلدان تعتمدُ على فئةِ الشباب لتغيير واقعها من المستوى الذي هي عليه إلى مستوى أرقى وأسمى؛ لِما في الشباب من طاقاتٍ كامنة، إذا ما تَمَّ استثمارُها بتوجيهٍ صحيح، تكون الفئة المنتجة، البنَّاءة والمطوِّرَة.

ولكنّ هذه الطّاقات الكامنة، وهاته القوّة تحتاج إلى نظام صحيح وقيادة رشيدة.

النّظام في تونس حوّل الشّباب من طاقة بنّاءة إلى “عبء”، إلى مشكلة بل جملة من المشاكل كلّ مشكلة أعقد من أختها:

تبدأ المشكلة من التّعليم؛ فسياسة التّعليم المسطّرة في تونس عبثت بالشّباب عبثا وضيّعت طاقاتهم، لأنّها سُطّرت في مخابر السياسات الغربيّة لتجعل من شبابنا أصنافا من الخدم والعبيد، منهم الصّنف الممتاز الذي تُنتجه المدارس النّموذجيّة لتكوّن الكوادر الممتازة في كلّ المجالات وهؤلاء وهم القلّة، يصنعون لتأخذهم المؤسّسات الغربيّة ليكونوا جزء من طاقتها، فأغلب النّاجحين المتفوّقين، تكون وجهتهم البلاد الغربيّة. ليستقروا فيها ويكونوا من بُناتها، وأغلبهم تُسند إليه الجنسيّة. وهؤلاء هم القلّة. وأمّا أغلبيّة الشباب من حملة الشّهائد الجامعيّة فما شأنهم؟ هم أصناف أخرى، جهّزهم النّظام التّعليمي لخدمة شركات الاستثمار الأجنبي، بما يعني أنّهم صنعوا ليكونوا جزء من البنية التّحتيّة التي اشترطت الدّول الأجنبيّة وجودهم حتّى تكون تونس في قائمة البلدان الصّالحة للاستثمار فيها، ولكنّ الشّركات الأجنبيّة لم تأت إلى تونس بالمقدار الكافي، فماذا حصل؟ بقي الآلاف من حملة الشّهائد ضائعين بل مضيّعين لا يجدون ما يفعلون ولا تجد الحكومات المتتالية حيلة في استثمار قوّتهم لأنّها لم تُعدّهم لنفسها بل أعدّتهم للشركات الغربيّة التي لم تأت، ولا يبدو في المستقبل القريب أنّها ستأتي لأنّ الأزمة صارت في بلاد الغرب. بما يعني أنّ الآلة التّعليميّة التي صنعها الغرب في تونس ستظلّ تُنتج الآلاف من حملة الشّهائد، ولكنّهم لا محلّ لهم ولا مكان، والسّؤال هنا أليس هؤلاء الشّباب من ذوي الطّاقات، فأين النّظام الذي يستثمر طاقاتهم؟ أين النّظام الذي يجعل منهم قوّة إنتاجيّة خلّاقة؟

الحكومات المتتالية في تونس عاجزة عجزا تامّا، فهي ترى في الشّباب من حاملي الشّهادات مشكلة، تزداد مع السّنين، وهي لا تستطيع فعل شيء، فهي لا تستطيع انتدابهم وتشغيلهم لأنّ صندوق النّقد الدّولي فرض تجميد الانتدابات. ولا يُمكن توجيههم إلى الشّركات الخاصّة لأنّ التّقسيم العالمي الرأسمالي جعل من تونس بلدا ضعيفا تابعا وشركاته الخاصّة ليست إلّا شركات مناولة صغيرة تابعة للشّركات الغربيّة فكان من الطّبيعيّ أن تكون طاقة استيعابها محدودة جدّا، لا يُمكنها أن تستوعب طاقات الشّباب. ولأنّ النّظام في تونس تابع، فهو نظام أعمى لا رؤية له إلّا ما يراه الغرب، وإلّا فأين التّفكير في ثورة صناعيّة كبرى تحوّل البلد من مجرّد مستهلك تابع إلى بلد صناعيّ منتج؟ وأين الثّورة الفلاحيّة؟؟؟؟ وأين وأين؟ كلّ هذه المجالات الحيويّة هي التي تحتاج إلى طاقات الشّباب، ولكنّها معطّلة بل مرتهنة ارتهانا.

وهكذا تحوّلت الطّاقة الشّبابيّة من ثروة كامنة إلى عبء، وتبيّن أنّ البطالة ليست في حقيقتها إلّا وجها من وجوه تبعيّة النّظام. ولمّا كان النّظام تابعا للغرب لا يمكننا الحديث عن سياسات بالمعنى الحقيقيّ ترعى الشّؤون وتحلّ المشاكل. بل لا يُمكننا الحديث إلّا عن أزمة تلد أختها، فالبطالة المتفاقمة ولّدت الفقر ومن الفقر تولّدت الجريمة بل الجريمة المنظّمة مّما انعكس على الأمن في البلاد الذي تحوّل إلى حالة من الخوف مزمنة، وتحوّل المناخ كلّه إلى مناخ خوف واضطراب، وانعدام أمل. فكان من الطّبيعيّ أن يُفكّر النّاس في الهجرة، أي في مغادرة البلاد والبحث عن مستقرّ آمن، وهنا يكمن الخطر، فنحن إزاء تفكّك فالجميع يريد أن يهرب أن ينجو. ولكن إلى أين وكلّ العالم مأزوم؟

هل يكمن الحلّ في الهروب؟ هل الحلّ في مغادرة البلاد؟

إذا كانت بلادنا (وسائر بلاد المسلمين) تمتلك إمكانات هائلة وأوّلها قوّتها البشريّة المتمثّلة في شبابها، وإذا كان سبب تضييع الشّباب وهدر طاقاتهم هو النّظام وتبعيّته للغرب. فهل نهرب من النّظام التّابع إلى صانعه؟

الغرب هو من صنع هاته الدّويلات كيانات هزيلة ليجعلها تابعة وليُسخّر طاقاتها في خدمته، نعم الغرب نفسه هو الذي عطّل هاته الطّاقات وحبسها لتكون في خدمته وخدمة شركاته. وهذا يعني أنّ اللّجوء إلى الغرب لن يكون هو الحلّ، ولن يكون إلّا تعميقا للتّبعيّة والاستعمار.

الحلّ واضح بيّن أن نُخلّص أنفسنا وبلدنا من الاستعمار والتبعيّة، أن يكون لنا نظام يحرّر طاقاتنا ويجعلها تنطلق نحو الإنتاج والإبداع.

فهل هذا ممكن؟

نعم بل هو أقرب من ردّ الطّرف، ولا نقول ذلك من باب المبالغة، بل نقوله مؤمنين واثقين فنحن قادرون بإذن الله على الخروج من أزماتنا ومن التّحرّر والانطلاق:

لأنّنا مسلمون، لنا نظام ربّانيّ أنزله ربّ العالمين على رسوله، نظام يحدّد الرؤية ويوضّح الهدف، نظام نصنع به سياساتنا ونحدّد به دورنا ومستقبلنا،

لأنّ الإسلام نظام يُحرّر طاقات الشّباب ويمكّنهم من الإبداع في كلّ الميادين، ولا يجعل منهم خدما وعبيدا بل يجعل منهم القادة العظماء،

لأنّ الإسلام حوّل العرب من قبائل متحاربة إلى دولة قويّة، وجعل من شبابهم وفرسانهم الذين كان يقتل بعضهم بعضا، قادة موحّدين يخرجون إلى العالم ليهدموا الظّلم والظّالمين وينصروا المظلومين والمستضعفين من الشّعوب. وأكثر من ذلك كانوا قادة للفكر والعلم والصّناعات وغيرها. ولقد كان ذلك في بضع سنوات. ففي أقلّ من عقدين من الزّمن صارت الدولة الإسلاميّة الدّولة الأولى في العالم دون منازع.

ولأنّ الإسلام ودولة الإسلام الأولى لم يكن لها ثروات ماديّة تُذكر ولكنّ قوّتها في قوّة شبابها، الذي اكتسبوا قوّة الشّخصيّة؛ الإيمان والعزيمة وعلوّ الهمّة؛ اكتسبوها من دينهم وإيمانهم ممّا جعلهم قادة عظماء تحرّروا فانطلقوا يُحرّرون العالم. فحرّروه فعلا.

الشّباب هم الطّاقة القادرة على بناء المستقبل، لكنّهم في حاجة إلى نظام صحيح، ونحن اليوم نمتلك الأمرين معا:

شباب يتفجّر طاقة وحيويّة مستعدّ للموت والتّضحية، لا يُحبّ الخنوع ولا الخضوع،

ونظام صحيح هو نظام الإسلام العظيم.

فماذا بقي لننهض، ماذا بقي لننطلق؟

لم يبق إلّا إزالة الحاجز؛ نظام علمانيّ ديمقراطيّ بائس، وطبقة سياسيّة علمانيّة تابعة، وهؤلاء جميعا فقدوا كلّ مصداقيّة وكلّ قوّة فلا سند لهم إلّا دول الغرب، ودول الغرب لا تقدر على شيء إذا لم تجد من يتّبعها وينفّذ أوامرها، بما يعني أنّ حالنا اليوم كحال السّجين في زنزانة بابها مفتوح وحارسها ضعيف خارت قواه، فلماذا يبقى حبيسا؟ لماذا نحبس أنفسنا؟ الباب مفتوح فهاته الطّبقة السّياسيّة (حكومة ومعارضة) ضعيفة لا تقدر على شيء، وهذه الحكومات الغربيّة التي إليها تستند هي الأخرى في أضعف حالاتها، لا تقدر على هزيمتنا.

لم يبق إلّا أن نخرج ونعلن عن تحرّرنا.

CATEGORIES
Share This