شكر الغرب المستعمر سعيكم، هو اليوم أحوج ما يكون إلى غيركم
هل أحرق #قيس_سعيد مراكبه مع أنصاره ومعارضيه بملء إرادته، ليفتك المبادرة من خصومه يوم 13 ديسمبر بإعلانه عن خارطة الطريق التي طالما طالب بها خصومه في الداخل، وتخلص من وهم الضغوط الخارجية. وحدد بذلك الأجندة السياسية التي أوجب على الجميع تعديل مواقفهم وتحركاتهم حسب الجدول الزمني الذي رسمه للخروج من التدابير الاستثنائية, وذلك بتحديده تاريخ 25 جويلية القادم كموعد لتغيير الدستور بعد الاستشارة “الشعبية” عبر الانترنت والتي سينهيها يوم #20_مارس القادم ثم ليتوج خارطته بانتخابات برلمانية مبكرة يوم #17_ديسمبر_2022 ليبقي البرلمان الحالي في حال شلل تام دون أن يتحمل تبعة الإعلان عن حله. وبإعلانه عن خارطة طريقه بقي هو السالك الوحيد لها، بعد أن أجبر الجميع على السير على إثره، وأعطى لنفسه وحده صلاحية القيام بالإصلاحات السياسية. ومتعهدا أن لا يكون في المجلس التشريعي الجديد أي من “اللصوص” حسب وصفه أو ممن تعامل مع الخارج وتلقى الأموال “القذرة”, وهي الصورة المختصرة لغربلة الوسط السياسي والتخلص من غير المرغوب فيهم، محملا السلطة القضائية عبء تحديد أشخاصهم ومعاقبتهم لإقصائهم عن المشهد السياسي، مما يعفيه من تبعة المواجهة القضائية معهم.
إلا أن مواجهة إجراءاته من قبل خصومه ومعارضيه قسمتهم إلى فريقين:
القسم العلماني والرافض لانفراد رئيس الدولة بصلاحية تجديد ما يسمى بإصلاح الحياة السياسية التي لم يعد الرأي العام يقبلها بدعوى الخشية من العودة إلى مربع الاستبداد وتقييد الحريات، والتي ترى أن التوازن لا يتحقق إلا بالتعددية السياسية وأنه لا يتحقق بمجرد التنصيص على #الفصل_بين_السلطات داخل #الدستور ولا بمجرد التنصيص على الاختصاصات التي تعود لهذه السلطة أو تلك. إلا أن هذه الجهة تميزت بالارتباك في مواقفها والتهيب من إعلان معارضة إجراءات قيس سعيد معارضة صريحة للجمه ومنعه من التفرد بالسلطة والتردد في قطع الطريق أمام من لا يرون في استبداد السلطة، خشية الظهور بمظهر من المناصر والداعم للنهضة نأيا عن شبهة مناصرة الإسلام السياسي، رغم قناعتهم أن الغضب الشعبي إزاء فشل الحكومات المتعاقبة منذ 2011 لا يبرر الاستحواذ على السلطة.
في حين يصر الفريق الثاني الملصق زورا #بالإسلام_السياسي ومن يدور في فلكه وهو الذي أذل نفسه بالانتساب إلى غير أبيه والادعاء لغير عرقه، حين تشبث بتلابيب الديمقراطية العفنة، وتزيّى بزيّها، وغشي أوكارها، وتقحّم مآدب لئامها مستعذبا ذلّه، تشبث بحتمية استئناف المسار الديمقراطي المعطل، منذ إعلان سعيد انقلابه، وأن ما قام به رئيس السلطة التنفيذية خرق جسيم للدستور ومخالفة صريحة لمقتضيات #الفصل_80 مستظلا بعباءة الديمقراطية، ظنا منهم أن إعلانهم الإخلاص لهم مانع لهم من مكر المستعمرين وشافع له عندهم.
وهنا نعيد التساؤل هل أحرق قيس سعيد مراكبه مع مؤيديه ومعارضيه بملء إرادته وبما تمليه عليه المصالح العليا للبلاد؟ هل يملك أمره بيده حين أعرض عن كل رأي داخلي سواء من التشكيلات السياسية أو المنظمات أو من ما يسمى بالمجتمع المدني.
ليس له ذلك وهو الذي تسلم #السلطة والبلاد ترزح تحت ضغوط وتدخل القوى العظمى وقد فُرض عليها نظام حياة منبثق من عقيدة فصل الدين عن الحياة، وقُدّ لها من وجهة النظر تلك دستور يثبت الهيمنة الخارجية علينا، ونصب فيها سلطان لا يحمل همنا، وهو القائم على حراسة قيم المستعمر وثقافته المقحمة علينا قهرا.
ظل قيس سعيد في مواقفه وتصريحاته كلها يلعن ويسفّه كل من ليس على رأيه من منظوريه، ويحترس في كل لفظ يصدر عنه في خطابه إلى الخارج. فالولايات المتحدة الأمريكية وسائر القوى الأوروبية ظلت تعلن مراقبتها ومتابعتها عن كثب للتطورات في تونس وتوالي ضغوطها وإصرارها على سعيد ضرورة احترام حرية التعبير والحقوق المدنية, وتوالت وفودهم ترقب تطور الأحداث وتحدد خط سيرها، إلى أن كان الترحيب الصريح بإعلان قيس سعيد عن جدول زمني يرسم مسار “الإصلاح السياسي” وتحديد موعد استئناف الحياة البرلمانية: وهو ما يكشف عن انعدام الصراع بين الدول الغربية عموما حول هذا الشأن، بل يكاد المتابع يجزم باتفاقهم وتنسيقهم في حربهم على هوية أهل البلاد.
ويجدر اليوم التوجه بالخطاب إلى مختلف المتصارعين حول تاريخ #25_جويلية، وإلى الموعود بنصيب من كعكة الحكم ومن خاب رجاؤه، وبعد أن كنتم الحربة التي طعن بها الكافر المستعمر ظهر الأمة في #تونس، بأن أصبحت المناداة في أرض الإسلام بفصله عن حياة المسلمين مفخرة حكامهم، وجائزة رضا العدو عنهم، حتى يعلن شقيهم تبرأه من أن له علاقة بالإسلام السياسي. فإنكم وقد حققتم للغرب الكافر غايته فينا، فقد انكشفتم أمام من تتنافسون لحكمهم, فلن يرضا عنكم ولم يعد يثق بكم أحد فصرتم خطرا على #خطط_الغرب_ومصالحه، وبدت نذر الثورة عليكم، أتاكم بأستاذ قانون الدستور الذي فرضه عليكم وأنتم أعلم الناس بظروف كتابته، ليقطع ما تبقى من صلة بين أهل تونس المسلمين ودينهم على مستوى الدستور والقانون، بعد أن فصل بورقيبة ما فصل، وبعد أن تجرأ الباجي وأعلن أن لا علاقة لنا بالدين ولا بالآيات القرآنية. جيء به، بعد أن تعفنت الأجواء العامة وبلغ غضب الناس مبلغه، في ثوب الفارس الطاهر النبيل ليتم فصول الجريمة تحت عنوان “إن الدولة ليس لها دين”. فلن تزيحه تحركات #ديمقراطية، فهو بصدد إيجاد وسط سياسي جديد يضلل الأمة عن شرع ربها عقدا آخر من الزمن، ولن تنالوا طلبتكم منه ولن تزاحموه على تثبيت الفكر وثقافة الغرب فينا إلا إذا عجز عن ترويض الناس واستسلامهم لعدوهم الغرب المستعمر، حينها تكون لكم جولة أخرى. ولن يكون ذلك له بإذن الله فالأمة أفاقت.
أ, عبد الرؤوف العامري