شهادة التاريخ:  الخلافة الإسلامية قدرنا   وأوروبا الصليبية عدونا

شهادة التاريخ: الخلافة الإسلامية قدرنا وأوروبا الصليبية عدونا

       من حكمة الله في خلقه ان جعل تونس على رأس القارة الإفريقية يفصل بينها وبين أوروبا بضعة أميال من البحر, وقد كانت على مدى التاريخ نقطة تماس واحتكاك بين دول جنوب وشمال المتوسط, ومنطقة عبور لكل توسع عابر للقارات, وتشهد الآثار الباقية على بعض تلك الحضارات التي تركت بصماتها في  تونس طوال تاريخها.

     ولكن يحق لنا ان نتساءل كيف تفاعل سكان تونس وشمال افريقيا  مع تلك الحضارات, وكيف كان تقبلهم لها, وهل كانت تونس وشمال افريقيا في علاقتها مع الجوار الاوروبي او الشرق اوسطي كيانا فاعلا قويا منتجا أم طرفا ملحقا محتلا منهوبا.

تونس قبل الفتح من احتلال الى آخر

         يجتهد أدعياء الوطنية في التأكيد على أن تاريخ تونس يمتد إلى أكثر من ثلاث آلاف سنة, لكن ما لا يؤكدون عليه هو ان العلاقة التي كانت سائدة بين شعوب شمال أفريقيا والدول والامبراطوريات الفينيقية والقرطاجنية والرومانية والبيزنطية كانت علاقة استعمارية لعبت فيها المعارك والقرصنة البحرية على السواحل دورا كبيرا ,وقد كانت الاراضي الخصبة بتونس وشمال أفريقيا نهبا لكبار التجار والإقطاعيين وحُرمت منها شعوب البلاد الاصلية الذين كانوا يُعاملون معاملة العبيد, لذلك لم يكن غريبا أن تتعدد الثورات والقلاقل بين تلك الدول وشعوب البربر التي لم تتقبل الغزاة ولا لغتهم وثقافتهم وحضارتهم.

الفتح الاسلامي وتغير الموقف الدولي

       كان الفتح الاسلامي في القرن السابع ميلادي هو الفرصة التاريخية التي منحها الله لشعوب شمال افريقيا للخروج من ظلمات الكفر الى نور الاسلام ومن ظلم البيزنطيين الى عدالة الاسلام . انها المرة الاولى التي يتقبل فيها البربر عقيدة ولغة جديدة وافدة, ولا غرابة في ذلك, فدولة الخلافة دولة عابرة للقوميات,وطلائع الفاتحين  لم يخاطبوا الناس بصفتهم القومية كبربر بل بصفتهم الإنسانية ولم يأتوا لأجل استعبادهم واستغلالهم كما تفعل الامبراطوريات بل من أجل نشر الاسلام وبناء الأمة لذلك أقبل البربر على اعتناق الإسلام وليس هذا فحسب بل كانوا قادة كبارا في حمل رايته,  فكان منهم طارق ابن زياد الذي فتح الاندلس فكانت منارة للعلم والمعرفة فاقت حواضر الاسلام الاخرى.

وهكذا تغير حال تونس وشمال افريقيا بعد أن اصبح جزءا من دولة الخلافة,وأصبحت تونس منطلق الفاتحين نحو أوروبا, فبعد الاندلس في 711م جاءت الحملة نحو صقلية  مع أسد ابن الفرات سنة 827 م, ولم تكن تونس في عهد الخلافة قوة عسكرية فقط بل كانت منارة ثقافية وعلمية مثل غيرها من الحواضر الاسلامية.

الجوار الاوروبي الصليبي مصدر البلاء

       ومثلما كان الجوار الاوروبي مصدر خطر على تونس وشمال افريقيا قبل الإسلام فقد استمر كذلك بعده بأشكال أخرى تتناسب مع التغيرات الجيو- سياسية, فأوروبا رغم تخلفها المستمر منذ قرون لم تتقبل وجود دولة الخلافة على حدودها الجنوبية, ونزعتها الصليبية المتأصلة فيها جعلتها تتحين الفرص للانقضاض على اطرافها كلما وجدت الى ذلك سبيلا, مستغلة حالة الضعف والمشاكل التي كانت تنتاب دولة الخلافة من حين لآخر. فكان الاحتلال الاسباني لتونس سنة 1535, وقبلها كان احتلال اسبانيا ل”سبتة ومليلة” سنة 1497. ولولا رحمة الله ووجود دولة الدولة العثمانية التي حررت تونس سنة 1574م  من رجز الصليبيين الاسبان بعد اربعة عقود من ألاحتلال لبقيت تونس محتلة كما هي الآن “سبتة ومليلة”. وبعد ذلك التاريخ الاليم عادت أوروبا للكيد لبلدان الشمال الافريقي وتشجيع النزعات الانفصالية لهذه الولايات العثمانية  وإقامة علاقات تفاضلية معها حتى أغرقت تونس بالفساد والديون, وانتهى ذلك باحتلالها سنة 1881 ثم بالإجهاز على دولة الخلافة سنة 1924.

       لقد اقترن عز تونس ومجدها عبر التاريخ بانتمائها للإسلام وبارتباطها القوي بدولة الخلافة الإسلامية وقد كان ضعف هذا الارتباط السياسي ووجود علاقات تفاضلية تجارية ومالية مع البلدان الاوروبية مقدمة للاستفراد بها و احتلالها ونهب خيراتها. والآن ورغم حالة الافلاس غير المعلن الذي تعيشه البلاد, ورغم المديونية العالية والفقر والبطالة المتزايدة, لا يزال حكام تونس مصرين على استمرار العلاقات الاقتصادية والمالية والسياسية مع البلدان الاوروبية وتمكينهم من كل الامتيازات الممكنة بحجة تشجيع الاستثمار الخارجي, ولا يزال هؤلاء الحكام يعملون كل ما بوسعهم لتيسير نشر المفاهيم اللبرالية العلمانية المناقضة للإسلام مقابل التضييق على كل من يدعو الى الاسلام ونظام الخلافة, حتى غدى أمر حزب التحرير ونظام الخلافة ورايتها شأنا يُتداول في مجلس الامن القومي.

 أن النظر والتحقيق في حاضر تونس وتاريخها يؤكدان  ان الخلافة هي قدرنا وهي النظام السياسي الوحيد الذي جعل لهذه المنطقة من العالم شأنا وأثرا وإشعاعا على محيطه الاقليمي والدولي, فمتى ينتبه المثقفون الى هذه الحقيقة ويدركوا الخطر الاوروبي الصليبي على وجودنا الفكري والحضاري والسياسي.

محمد مقيديش

CATEGORIES
TAGS
Share This