أياما قليلة بعد الترفيع في أسعار المحروقات والكهرباء والماء الصالح للشراب والحليب، رفّعت الحكومة التونسية الثلاثاء غرة جوان 2021 أسعار النقل العمومي وسعر السكر الموجه للاستهلاك العائلي بنسبة بلغت تقريبا 22% لهذه المادة الغذائية الأساسية.
انتهجت الحكومة إلى جانب التمرير الناعم للزيادات في الأسعار وعدم إشهارها أحيانا، توظيف قاموس غريب وملتبس واستعمال مصطلحات غير بريئة للتمويه والمغالطة للتخفيف من وقع فِعالها وما اقترفته على الشعب من قبيل «الترشيد» و«التعديل»، والتعديل بهذا الشكل هو في الحقيقة خيار مؤلم يُفرغ الجيوب ويقسم الظهور، دون أن ننسى إطلاق الحملات التبريرية والتفسيرية والتذرع بانعدام الحلول الأخرى والإيهام بأن القادم أفضل بما أن «التعديل» اليوم خطوة تستهدف خفض العجز المالي في إطار خطة إصلاحات اقتصادية شاملة.
إن «التعديل» الحكومي للأسعار والذي يعني بشكل عملي مباشر الزيادة في الأسعار -وبطريقة مجحفة- هو الخيار الوحيد الذي تبقّى للحكومة التي أسرت البلاد رهينة في برنامج تفويتي بحت, ولم تراهن على نقاط القوة في الداخل بقدر المراهنة على المؤسسات المالية المترصدة في الخارج والانحناء لشروطهم وتوجيهاتهم.
لقد كنا على بينة من المعاني الحقيقية لقاموسهم التمويهي ذاك, ومن هذه الزيادات في الأسعار وفق الميزانية ووفق قانون المالية الذي أعدته الحكومة وصادق عليه مجلس نواب الشعب, ونبهنا لذلك عديد المرات وحذرنا من مغبّة الارتهان لصندوق النقد الدولي الذي سارت فيه الحكومات ما بعد الثورة, والتي تم استدراجها من طرف الصندوق ومن ورائه الاتحاد الأوروبي ودوله التي تعتبر من أكثر الدول المهتمة بتونس وذلك بهدف استنزافها وابتزازها حتى تصبح عاجزة عن خلاص ديونها وعندما تصبح عاجزة يتم التفاوض معها لتكون مستعدة للتنازل عن كل شيء وتخضع بالتالي للاستعمار مجددا.
وصندوق النقد الدولي هو من أكثر أدوات الاستعمار فاعلية، حيث يعرض على الدول سياسة حرية السوق، والخصخصة، واستثمار رؤوس الأموال الأجنبية، وإدارة موارد الدولة،…
كثير من المتابعين لم يتصوروا أن يقع تنفيذ الزيادات بهذه السرعة أولا، وثانيا بهذه النسب المائوية المرتفعة وكذلك تعميم المجالات، فهي زيادات لم تستثن قطاعا أو مادة استهلاكية والأخطر من ذلك أن الزيادة في سعر مادة بعينها تؤدي آليا وارتداديا إلى زيادات في مواد أخرى على غرار الزيادة في سعر المحروقات مثلا أو السكر الذي سيفجّر زيادات في أكثر من مادة استهلاكية أخرى.
فموجة الزيادات هذه تنفيذ لالتزام الحكومة مع صندوق النقد الدولي برفع الدعم وخوصصة المؤسسات.. ولكن يبدو أن الحكومة خيرت من الآن الانطلاق بقوة في رفع الدعم الذي لم يبق منه الكثير، في انتظار زيادات أخرى مرتقبة في قادم الأيام ستشمل كل شيء, خصوصا وأن تأخر الحكومة في إعداد ميزانية تكميلية للعام 2021 يعني بشكل مباشر ترك الباب مفتوحا أمام الاجتهاد والتصرف وفق منطق رد الفعل والزيادة في الأسعار كما اتفق بعقلية «العطّار» التي تحدث عنها أحد الوزراء بعد 2011.
إصرار الحكومة على المضي في نهج إفقار الشعب تشجعه أحزمة الإسناد الخارجية وبيادقها الداخلية المستفيد من تأبيد الأزمة وطالما أن هذه الأزمة لم تمسّ مصالح أركان منظومة الحكم جميعهم فإنهم سيتمادون في غض الطرف عن معاناة الناس والأدهى من ذلك أنهم سيواصلون الحرب على بطون التونسيين وهدفهم في المحصلة كسب الرهانات الشخصية استعدادا للطوارئ السياسية وانتخابات مبكرة قد تلوح في الأفق.
وتلخيصا نقول: إن السبب الحقيقي للأزمات في العالم أجمع هو فساد النظام الرأسمالي بعقيدته ونظامه وعدم معالجته للواقع، فالأزمات جزء لا يتجزأ منه. فهو نظام من عند غير الله، ومن يَسِر على نظام من عند غير الله يخسر الدنيا، فمعيشته ضنكٌ، ويخسر الآخرة، فيحشر أعمى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} (طه: 124(
ولقد عجزت دول الغرب العظمى، التي تتبنى النظام الرأسمالي وبخاصة في الاقتصاد، لقد عجزت عن تجاوز الأزمة المالية والاقتصادية على الرغم من غزارة الإنتاج، فكيف بالدول الصغيرة العميلة في العالم الإسلامي التي يتآمر حكامها مع الكافر المستعمر على المسلمين فيمنعون الإنتاج؟! فلا زراعة كافية، ولا صناعة حقيقية، ليبقى المسلمون تحت سيطرة الدول الاستعمارية.
إن وجود هذه الأنظمة وعلى رأسها هؤلاء الحكام العملاء هو المشكلة الحقيقية، التي يجب على المسلمين حلها، وذلك بالعمل مع العاملين المخلصين لاستئصالها من جذورها والإتيان بالنظام المنزل من رب العالمين، نظام الخلافة، وأحكام الإسلام العظيم, المخلص الوحيد من ضنك الحياة تحت سياط الرأسمالية وكبرائها من ناهبي الشعوب.